أقرّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب للأمة بأن الوضع "صعب" في روستوف، جنوبي روسيا، حيث يقع مقر القيادة العسكرية الروسية للهجوم في أوكرانيا، إذ أعلن قائد مجموعة فاغنر يفغيني بريغوجين مساء أمس إنه يسيطر على مواقع عسكرية، بما فيها مطار استراتيجي، ويتقدم صوب موسكو.
اعتبر بوتين أن التمرد المسلح لحليفه السابق "خيانة وطعنة في الظهر بدافع طموحات شخصية"، مؤكدا في خطاب للأمة أنه لن يسمح بحدوث "حرب أهلية" جديدة في روسيا وتعهّد اتخاذ إجراءات حازمة ضد "التهديد القاتل" الذي تمثّله مجموعة فاغنر.
من غير المرجح أن يجد بوتين، المثقل بالفعل بمهمة إدارة الصراع الروسي مع أوكرانيا، العزاء في اللوم القاسي الذي تعرض له حتى من الأشخاص الذين يُفترض أنهم من مناصريه الثابتين.
ومن وجهة نظر بوتين، فإن الحرب في أوكرانيا هي مسألة بقاء قومي على قيد الحياة، إذ إن روسيا تسعى إلى منع ما تعتبره محاولة غربية لتطويق دولة روسيا. وبالتالي، يعتبر بوتين النزاع مسؤولية وطنية عظمى، تتطلب من كل روسي بذل أقصى ما في وسعه للوصول إلى نجاح العملية. وعليه فإن أي شخص لا يبذل الغالي والنفيس فيما يخص ما أطلق عليه الكرملين "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا يعتبر خائنا للقضية الروسية.
لقد كان بوتين، منذ بدء الحرب في فبراير/شباط من العام الماضي، مهتما للغاية باستمالة القوميين الروسيين البارزين لدعم جهوده في منع أوكرانيا من إقامة علاقات أوثق مع الغرب مثل السعي إلى الانضمام لعضوية حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي. ومن بين هؤلاء واحد من أكبر المؤيدين لمحاولات روسيا غزو أوكرانيا والإطاحة بحكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، وهو بريغوجين، رئيس مجموعة من المرتزقة ذات التأثير الأكبر في الأحداث، وهي ميليشيات قائمة بذاتها أُطلق عليها اسم "جيش بوتين الخاص."
اختبار الولاء
بريغوجين هو حليف قديم للرئيس الروسي، حيث تعود صداقتهما إلى الأيام الأولى لرئاسة بوتين. وبعد أن أثبت بريغوجين نفسه كداعم مخلص لرؤية بوتين لإعادة روسيا إلى مجدها الإمبراطوري السابق، فقد استطاع أن يلعب دورا رئيسا في كثير من المغامرات العسكرية التي انخرط فيها الكرملين في السنوات الأخيرة، بدءا من الغزو الأول لأوكرانيا عام 2014.
وقد لعبت مجموعة فاغنر التي يتزعمها بريغوجين دورا رئيسا سابقا في تدخلات روسيا في الصراعات في ليبيا وسوريا وتشاد. والآن، وفي أعقاب قرار بوتين بغزو أوكرانيا في فبراير/شباط العام الماضي، وجد مرتزقة مجموعة فاغنر التابعة لبريغوجين أنفسهم في خط المواجهة لتنفيذ محاولات روسيا الاستيلاء على أقاليم أوكرانية والاحتفاظ بها. وقد كانت قوات فاغنر مسؤولة في المقام الأول عن تصعيد الهجوم الروسي الأخير للاستيلاء على مدينة باخموت الشرقية، مما كبدها الآلاف من الضحايا في هذه العملية.
وبينما أثبت مرتزقة بريغوجين أنهم من الوحدات الأكثر تأثيرا في الجهود العسكرية الروسية، فإن الادعاءات بأنها لم تتلق دعما كافيا من القادة العسكريين الروس، دفعت زعيم فاغنر إلى شن سلسلة من الهجمات العدائية المتزايدة على النظام الروسي، وقد كان هذا التطور مصدر توتر كبير مع الكرملين.
وقد بدأ التوتر في الظهور لأول مرة في علاقة بوتين بحليفه السابق مطلع هذا العام عندما ادعى بريغوجين أن قواته هي التي وقفت وراء الاستيلاء على بلدة سوليدار الأوكرانية، وهي واحدة من أول المكاسب الإقليمية الهامة لموسكو في الحرب. وفيما كان الجيش الروسي يشكّك بقوة في هذا الادعاء، بث بريغوجين شريط فيديو يثني على فاغنر قائلا: "ربما تكون فاغنر هي الجيش الأكثر خبرة في العالم اليوم".
"لقد عسكرنا أوكرانيا حتى النخاع"
ومنذ ذلك الحين أصبح بريغوجين أبرز منتقد روسي لطريقة تعامل الكرملين مع الصراع، وقد هدد في مايو/أيار الماضي بسحب قواته من مدينة باخموت المحاصرة شرقي أوكرانيا، بسبب نقص الذخيرة التي حصل عليها من حكومة بوتين. وبعد ذلك، ادعت قواته أنها استولت أخيرا على المدينة، حيث تكبدت ما يقدر بنحو 10 آلاف قتيل على الأرض في تلك العملية، وشن زعيم فاغنر هجوما صارخا على الجيش الروسي وقتها، واصفا إياه بـ "العار"، بعد اتهام القوات الروسية بالتخلي عن مواقعها على مشارف المدينة، مما سمح للأوكرانيين باستعادة أراض حاسمة.
ولكن أكثر انتقاداته صراحة إلى حد بعيد كانت موجهة إلى بوتين شخصيا، حين تكلم نهاية الشهر السابق، وتضمن قوله إن روسيا واجهت خسارة في حربها ضد أوكرانيا بسبب الاستراتيجية الضعيفة والناقصة للغزو التي انتهجها بوتين، وأن البلاد واجهت احتمال اندلاع ثورة على غرار ما حدث في عام 1917.