غيّر غزو روسيا لأوكرانيا، قبل نحو عام ونصف العام، العلاقات الدولية، سيما بين الأقطاب الدوليين الكبار الفاعلين، وهذا يشمل الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند ودول الاتحاد الأوروبي، بيد أن التغير الأكبر حصل لألمانيا، إذ أدى ذلك الغزو إلى استيقاظ روحها العسكرية، وحاجتها إلى مواءمة مكانتها السياسية بقوتها الاقتصادية، على الصعيدين الأوروبي والدولي.
ولعل مثال ألمانيا أكبر دليل على إخفاق ادعاءات الرئيس الروسي لتبرير غزوه، تلك الادعاءات المتعلقة بإنهاء هيمنة الولايات المتحدة على النظام الدولي، وبناء نظام دولي متعدد الأقطاب، وإبعاد حلف الناتو عن حدود روسيا، وتعزيز العلاقات الروسية الأوروبية.
في البداية بدت ألمانيا، في ظل الائتلاف الحاكم (الحزب الديمقراطي، والخضر، والليبرالي) متشككة في اعتزام بوتين غزو أوكرانيا، وهو ما كانت تؤكده الاستخبارات الأميركية، لذا ذهب المستشار الألماني (15 فبراير/شباط 2022) للقاء الرئيس بوتين (مثلما ذهب قبله الرئيس الفرنسي)، إلا أن النتيجة كانت مخيبة، في طريقة الاستقبال، والخطاب الاستعلائي لبوتين الذي تحدث عن حجم روسيا الكبير، إزاء حجم ألمانيا، وكذلك في نفيه نية الغزو، وتبريره التحركات العسكرية للجيش الروسي بمجرد مناورات عسكرية عادية، الأمر الذي كشف عن مناورة، وتلاعب، إذ قام الجيش الروسي بغزو أوكرانيا بعد أيام من تلك الزيارة (24/2/2022).
وعليه، فإن التحول الاستراتيجي الأول في السياسة الألمانية، إزاء روسيا، تمثل في تجميد خط الغاز (نورد ستريم-2)، قبيل شن الحرب بيومين، وكان الهدف منه بعث رسالة لبوتين بأن روسيا ستخسر اقتصاديا وسياسيا جراء الغزو، كما كان الهدف منه، على المدى البعيد، تقليل الاعتماد على الغاز الروسي، الأمر الذي تطور، مع استمرار الحرب، إلى فرض عقوبات على روسيا، وصلت إلى حد تحرّر ألمانيا (وأوروبا) تقريبا، من واردات النفط والغاز من روسيا.