كما يعمل المقاتلون والمرتزقة الأجانب جنبًا إلى جنب مع بعض الفصائل العسكرية وشبه العسكرية في الشرق والشمال الشرقي بشكل أساسي لحماية النفط، الصناعة الرئيسة وشريان الحياة الاقتصادي في البلاد.
وتوجد أغلب حقول النفط والغاز شرقي البلاد، وتخضع لسيطرة قوات بقيادة اللواء خليفة حفتر، الذي عينه مجلس النواب في طبرق عام 2015 قائدا لما بات يعرف بـ"الجيش الوطني الليبي"، الذي لا تعترف به حكومة الوفاق الوطني في طرابلس المدعومة من الأمم المتحدة، والتي تضم تحت إمرتها تشكيلات عسكرية أخرى.
وأُغلقت وافتتحت تلك الحقول مرات عدة منذ أن تحولت الانتفاضة ضد القذافي إلى حرب أهلية، مما أدى في بعض الأوقات إلى خفض إنتاج ليبيا من النفط الخام البالغ 1.2 مليون برميل يوميًا إلى 400 ألف برميل فقط. وتذهب عوائد النفظ إلى مصرف ليبيا المركزي، عبر المؤسسة الوطنية للنفط، وهي الجهة الوحيدة المعترف بها دوليا، ومن قبل كبرى شركات النفط العالمية، وبالتنسيق في اتفاقات غير رسمية مع قوات حفتر لتلقي الرواتب لاستمرار تدفق النفط.
وطال الانقسام الليبي المصرف المركزي بعد أن أقال مجلس النواب عام 2014 محافظه، الصديق الكبير، المعترف به دوليا، فانقسم إلى مصرفين: واحد في الغرب والثاني في الشرق.
وأثار الصراع على السلطة اشتباكات دامية بين الكيانين، كان آخرها في أغسطس/آب 2022، عندما حاولت فصائل تابعة للمؤسسة العسكرية في الشرق، للمرة الثانية، السيطرة على العاصمة طرابلس. وأسفرت المواجهات عن مقتل 32 شخصا وإصابة العشرات وإلحاق أضرار جسيمة بمبان سكنية وحكومية. وما زالت الأسلحة تتدفق على المعسكرين المتناحرين في ليبيا، رغم حظر فرضته الأمم المتحدة على الأسلحة منذ الثورة، ولا يُعلم مصدرها على نحو دقيق.
وكانت المحاولة الأولى لدخول طرابلس في عام 2019، عندما شن حفتر هجوما عليها، وسيطر على بعض المناطق القريبة منها، إلا أن قوات الغرب لم تلق السلاح أو ترفع الراية البيضاء، وأجبرت فصائل الشرق على التراجع، فيما وصفت حكومة الوفاق، التي شُكلت بعد مؤتمر عُقد بالمغرب عام 2015، ويقودها اليوم عبدالحميد الدبيبة، تحرك حفتر بالتمرد والانقلاب.
التنازل قد يعني بداية النهاية للطرف الآخر
ويرفض الدبيبة، الذي انتخبه ملتقى الحوار الليبي برعاية الأمم المتحدة عام 2021، التنحي ويصر على أن الانتخابات الديمقراطية فقط هي التي يجب أن تختار خليفته. وفي الشرق، تصف حكومةٌ موازية حكومة طرابلس بأنها منتهية الصلاحية لأن الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في ديسمبر/كانون الأول 2021 كان من المفترض أن تؤدي إلى تشكيل حكومة لتوحيد البلاد، وأن يعقبها أول انتخابات رئاسية في تاريخ ليبيا.
وفي تطور سياسي مفاجئ في الشرق، والذي زاد من غرابة المشهد السياسي بصفة عامة في ليبيا، قرر مجلس النواب في طبرق الشهر الماضي، وبالأغلبية، تعليق مهام رئيس الحكومة المعين من البرلمان فتحي باشاغا وإحالته للتحقيق، دون إبداء أسباب، وكلف وزير المالية أسامة حماد بتسيير مهام رئاسة الحكومة.
ويختلف الجانبان بشكل أساسي حول قوانين الانتخابات المعقدة وأهلية بعض المرشحين لمنصب أول رئيس منتخب في تاريخ ليبيا، وكان من بين هؤلاء المرشحين شخصيات مثيرة للجدل مثل سيف الإسلام القذافي، الذي أدانته محكمة ليبية بالإعدام غيابياً عام 2015 لتورّطه في جرائم حرب عام 2011، علماً أن هناك مذكرة توقيف صادرة بحقه عن المحكمة الجنائية الدولية.
وأثار ترشح نجل القذافي التكهنات بأن البلاد يمكن أن يحكمها قذافي آخر، وازدادت الأزمة تعقيدا ونطاقا في البلد الذي يبعد حوالي 500 كيلومتر عن شواطئ إيطاليا، وأصبح في السنوات الأخيرة بوابة رئيسة للمهاجرين غير القانونيين واللاجئين من أفريقيا والشرق الأوسط إلى أوروبا.
ويعد التدخل الأجنبي من أبرز التحديات التي تواجه ليبيا خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية، إذ تحظى البلاد بدعم كثير من القوى الأجنبية والإقليمية بما في ذلك فرنسا وروسيا وتركيا ومصر، وتسعى أغلب القوى الخارجية بشكل أساسي إلى تأمين صفقات النفط وإعادة الإعمار.
لكن لمصر مصلحة هامة في ليبيا، تتمثل في أمنها القومي، حيث يشترك البلدان في حدود تتجاوز الألف كيلومتر. وسعت القاهرة العام الماضي إلى لعب دور الوسيط في محاولة لحل الخلاف بين حلفائها في الشرق وحكومة الغرب، إذ أدركت أن الحل السياسي هو السبيل الوحيد لرأب الصدع.