هل تصلح "التفاحة" ما أفسده المصرف؟https://www.majalla.com/node/294061/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%B5%D9%84%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D9%85%D8%A7-%D8%A3%D9%81%D8%B3%D8%AF%D9%87-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%81%D8%9F
في وقت كان القطاع المصرفي يتعرض لأسوأ أيامه منذ أزمة 2008، متأثرا بضربات مؤلمة تمثلت في السقوط المريع والسريع لمصرف يشكل جزءا من تاريخ الصناعة المالية والمصرفية في العالم هو "كريدي سويس"، بيت مال الأمان والاطمئنان (سابقا) لنخبة أثرياء العالم، وقبله "سيليكون فالي بنك" قُبلة رواد شركات التكنولوجيا، و"فيرست ريبابليك"، و"سيغنتشور بنك"، كانت شركات التكنولوجيا المالية "فينتك" تتقدم لاحتلال مزيد من المواقع في القطاع.
ها هي مثلا شركة "أبل" تحتل موطئ قدم، فيما لا يزال المصرفيون يتخبطون حيارى إزاء رفع الاحتياطي الفيدرالي الأميركي للفوائد من دون أفق واضح وأكيد، كحال من يخرجون من حلبة ملاكمة ولم يستعيدوا توازنهم بعد.
عاملان أساسيان يحكمان العمل المصرفي عالميا: الثقة والأمان. متى اهتزا لأي سبب من الأسباب، اقتصاديا كان، أم سياسيا، أم تشريعيا، أم إداريا، أم أخلاقيا، فقدت الصناعة المصرفية ولاء عملائها والمستثمرين، وارتباطهم بخدماتها.
كشفت الأزمة المصرفية الأخيرة التي شهدتها كل من الولايات المتحدة وأوروبا في النصف الأول من السنة الجارية، على الرغم من مسارعتهما إلى احتوائها، عن خلل عميق في العمل المصرفي لجهة إدارة الأصول وتقييم الأخطار المستقبلية، ومنها السمعة (Reputational Risk) التي يمكن أن تدمر أعرق المصارف خلال يوم وليلة، في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، ذات التأثير الرهيب في انتشار أي أرقام سلبية أو خبر سيئ عن أي مصرف أو مؤسسة مالية بسرعة مقلقة للدول ولهيئات الرقابة والإشراف على البورصات والأسواق.
وعلى الرغم من تمكن القطاع المصرفي الأميركي مثلا، وهو المعني الأكبر بالاضطرابات المصرفية الأخيرة، من تحقيق أرباح وصلت إلى نحو 80 مليار دولار في الربع الأول من السنة الجارية، أي بزيادة 33 في المئة عن العام المنصرم بحسب صحيفة "فايننشيال تايمز"، تبقى هذه الأرباح عرضة للذوبان في أي لحظة؛ فقد انتعشت بفعل ارتفاع الفوائد الدائنة نتيجة السياسة النقدية المتشددة للاحتياطي الفيدرالي والمستمرة منذ سنة للجم التضخم عبر رفع الفوائد حيث وصلت إلى ما بين 5 و5,25 في المئة مطلع مايو/أيار الماضي، وهو أعلى سعر للفائدة منذ ما يقرب من 16 عاما.
عاملان أساسيان يحكمان العمل المصرفي عالميا: الثقة والأمان. متى اهتزا لأي سبب من الأسباب، اقتصاديا كان، أم سياسيا، أم تشريعيا، أم إداريا، أم أخلاقيا، فقدت الصناعة المصرفية ولاء عملائها والمستثمرين، وارتباطهم بخدماتها
لكن، يجب أن لا ننسى أن المصارف تعتاش من أموال دائنيها، سواء كانوا مودعين أم مستثمرين أم مقرضين. وبالتالي، إذ يقابل ارتفاع الفوائد الدائنة ارتفاعا مماثلا للفوائد المدينة، خصوصا بعد انهيار مصرف "سيليكون فالي" وهروب المودعين إلى مصارف يعتبرونها أكثر أمانا، لتبلغ تكلفة الأموال لدى هذه المصارف حدا مرعبا وصادما، وإذا ما وصلت الفوائد إلى مستوى يفوق طاقة المقترضين على السداد، سقطت المصارف في عجز مالي يثنيها عن الوفاء بديونها، لتخسر سمعتها على الفور، وربما لعقود مقبلة. وقد لا يشفع لها تلقيها الدعم من صناديق تأمين الودائع، خصوصا "مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية الأميركية"(FDIC) مثلا التي أنقذت ودائع بقيمة 10,4 تريليونات دولار مع نهاية مارس/آذار الماضي، وهي التغطية الأكبر على الإطلاق، إذ إن ذلك لم يثن الودائع عن الخروج من المصارف نحو ملاذات أكثر أمانا وسُجلت خسائر بنحو 60 مليار دولار في هذا الإطار في الربع الأول من السنة الجارية.
لعل ذلك يبرر قلق صندوق النقد الدولي على لسان كبير الخبراء الاقتصاديين لديه، بيار أوليفييه غورينشا، الذي صرح مطلع مايو/أيار الماضي أن "القصة لم تنته بعد"، في ظل عدم استكمال الآليات التي تجري مناقشتها منذ فترة طويلة في الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، للتعامل مع المصارف المتعثرة، لتبقى هذه الأخيرة غير محصنة من التحديات المحتملة المقبلة.
كما حذر رئيس "جي بي مورغان تشيس" المخضرم جايمي ديمون، من أن تأثير الأزمة المصرفية سيستمر "لسنوات مقبلة"، وأن الأزمة لم تنته بعد، وكان آخر فصولها انهيار مصرف "فيرست ريبابليك" الذي ابتلعه "جي بي مورغان"، أكبر مصرف في الولايات المتحدة بأصول تقدر بـ3,7 تريليونات دولار و250 ألف موظف.
عصر "فينتك" الذهبي؟
أبرز الخاسرين هم المودعون بلا منازع، من أفراد أو شركات، جُلّ ما كانوا يطمحون إليه، هو إيداع أموالهم لدى جهات ذات صدقية تلتزم صون أصولهم وحسن إدارتها. هؤلاء المودعون أنفسهم، خصوصا الشباب منهم، باتوا أكثر انفتاحا على وسائط أو وسائل أخرى تتيح لهم التعامل المالي السريع والموثوق به ومنخفض التكلفة من دون الحاجة إلى المخاطرة بحسابات مصرفية أو الارتهان إلى تقلبات المصارف.
هذا التوجه ليس جديدا، فقد غزت الوسائط المالية غير المصرفية التعاملات التجارية منذ عقود عدة، وهي في تطور مستمر، ومع دخول عنصر التكنولوجيا إليها، وتقديمها خدمات أكثر ابتكارا وفردية، أصبحت بديلا مقبولا بل ومطلوبا لتحقيق فاعلية وقيمة أعلى، والأهم أكثر أمانا وشفافية وأقل تكلفة، ومن دون قيود أو حواجز أو وسطاء، خصوصا مع تشديد المصارف على شروط الائتمان.
الشباب أكثر انفتاحا على وسائل أخرى تتيح لهم التعامل المالي السريع والموثوق به ومنخفض التكلفة، من دون الحاجة إلى المخاطرة بحسابات مصرفية أو الارتهان إلى تقلبات المصارف
قبل خمس سنوات فقط، كانت مشاركة بيانات العملاء من قبل المصارف، ولا سيما بيانات الحسابات المصرفية، أمرا صعبا للغاية، خصوصا في مواجهة منافسيها من مصارف تقدم خدماتها عبر الإنترنت وشركات خدمات مالية، لاعتبارات تنافسية من جهة، وأمنية لا تخرق من جهة أخرى. إلا أن رواج ما يعرف بالخدمات المصرفية المفتوحة (Open Banking) قد يغيّر المعادلة، وهي الخدمات التي تعتمد على إتاحة البيانات المصرفية لأطراف مالية ثالثة، حيث يتمكن العملاء من الوصول إلى حساباتهم وتنفيذ المعاملات بسهولة من أي مكان وفي أي وقت من دون الحاجة للعودة إلى المصارف.
يقدر عدد المستفيدين من هذه الخدمات بمئات الملايين في العالم، يشكلون نحو 10 في المئة من الأفراد المثقفين رقميا، ويتوقع أن ينمو عدد هؤلاء المستفيدين بمتوسط معدل سنوي يقارب 50 في المئة بين عامي 2020 و2024، وأن تتجاوز قيمة المدفوعات عبرها مبلغ 116 مليار دولار عام 2026، ارتفاعا من 4 مليارات دولار عام 2021، بحسب "جونيبر للأبحاث". ولا يقف ذلك عند هذا الحد، بل من المرجح أن تتشابك الصناعة المصرفية بشكل معقد مع التقنيات المتطورة وصولا إلى إتاحة خدمات إدارة الموارد المالية للجميع من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي عبر البيانات.
هل هو عصر سيطرة التكنولوجيا المالية، أو الـ"فينتك" كما هو متعارف عليه؟
من يراقب ما أنجزته شركة "أبل" أخيرا في تحديها للنظام المصرفي التقليدي، قد يؤكد ذلك. وكان جايمي ديمون حذر المستثمرين مجددا من التهديد الذي يلوح في الأفق، لافتا إلى أن شركات التكنولوجيا الكبيرة لديها "موارد هائلة في ما يتعلق بالبيانات تمنحها ميزة تنافسية غير عادية". تبعه اعتراف الرئيس التنفيذي لشركة "أميركان إكسبرس" ستيفن سكويري، الذي عبر عن "ذعره" فعلا من الروابط العميقة التي تتمتع بها شركتا "أبل"، و"أمازون" الضخمتان مع عملائهما، وكذلك شركات الـ"فينتك" بشكل عام التي تثمن هذه الروابط وتعمل على تمكينها مستغلة بنيتها التحتية القائمة على البيانات والتفاعل.
من "أبل فون" إلى "أبل بنك"
تحظى شركة "أبل" بثقة كبيرة لا تضاهى، مع قاعدة عملاء ضخمة تضم أكثر من مليار مستخدم لهاتف "آيفون"، ولا عجب أن تقابلها ثقة بالتوجهات المالية للشركة تفوق تلك التي تكافح المصارف التقليدية للحفاظ عليها، بعدما أمعنت فيها تشكيكا وتخريبا.
أخيرا أقدمت "أبل" على إطلاق حساب توفير على منصتها مباشرة لحاملي "بطاقة أبل"، بالتعاون مع مصرف "غولدمان ساكس"، لا تتخطى ودائعه المؤمنة ما قيمته 250 ألف دولار (مثل تأمين المصارف الأميركية تماما) تتم إدارته عبر الهاتف وبعوائد مرتفعة، تصل الى 4,15 في المئة، أي عشرة أضعاف متوسط العائد المحلي للمصارف الأميركية، واستقطبت خدمة "أبل" الجديدة، ودائع بمليار دولار في الأيام الخمسة الأولى من إطلاقها قبيل منتصف أبريل/نيسان الماضي نظرا إلى سهولة استخدام الحساب الذي يمكن فتحه في أقل من دقيقة واحدة. وهو للمفارقة المبلغ نفسه الذي خسرته الشركة عام 1997 وكانت على شفير الإفلاس آنذاك!
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) March 6, 2023
بالمقارنة، يوازي ما حققته "أبل" خلال هذه الفترة القياسية، حجم الودائع لدى مصرف متوسط الحجم في الولايات المتحدة. وقد استغرق "زوبا بنك" البريطاني الرقمي عامين لتحصيل ودائع بملياري جنيه إسترليني.
وفي مقارنة أشمل، تتفوق شركة "أبل" حتى على أكبر المصارف في العالم من حيث اتساع نطاق أعمالها وحجم أرباحها. إذ حقق قسم الخدمات وحده، الذي يعتمد على المشتركين الدائمين وعائدات متجر التطبيقات، أرباحا قيمتها 55 مليار دولار في العام المنصرم، أي أعلى من الأرباح الصافية لـ"جي بي مورغان تشيس" و"سيتي" مجتمعين، وهي لا تشكل سوى خُمس الإيرادات الإجمالية للشركة، بحسب صحيفة الـ"فايننشيال تايمز".
وكانت لـ"أبل" محطات سابقة في عالم المال ومع "غولدمان ساكس" تحديدا، من بطاقة ائتمان خاصة بها عام 2019، وقبلها "أبل كاش" عام 2017 و"أبل باي" عام 2014، إلى توفير الإقراض من نظير إلى نظير عبر شركتها التابعة "أبل للتمويل"، وتطبيق "المحفظة" (Wallet)، وخدمة "أبل باي لايتر" (Apple Pay Later)، أي "اشتر الآن، وادفع لاحقا" التي تتيح للعملاء استخدام محافظهم الرقمية لتسديد ثمن مشترياتهم، من دون فوائد، وعلى أقساط، في سلاسة لا متناهية، ربما تعود إلى استراتيجية "أبل" المالية.
وعلى النقيض من المصارف التقليدية التي تدير أعمالها اليومية بأموال مقترضة بنسبة 90 في المئة أو أكثر، يتكون جزء كبير منها من ودائع وقروض قصيرة الأجل يمكن سحبها على نحو مفاجئ وسريع عند أي طارئ، كما شهدنا في قضية مصرف "سيليكون فالي"، تمول "أبل" القروض التي توفرها وإلى حد كبير من موازنتها، ومنها مبلغ نقدي وأوراق مالية قابلة للتداول بقيمة 165 مليار دولار في الفصل الأول من عام 2023، وديون إجمالية تبلغ 111 مليار دولار. لا شك أن اعتماد "أبل" هذه السياسة في التمويل يعزز موقعها المالي ويجعلها أقل هشاشة من المصارف التقليدية.
ناهيك بأن العلامة التجارية لـ"أبل" تمكنت من أن تتصدر قائمة الشركات المفضلة في العالم في 2022 للسنة العاشرة على التوالي، وفقا لتصنيف "إنتربرند"، مما يعطيها ميزة تنافسية تنسحب على كل خدماتها ومنتجاتها، وهذا ما يصعب إيجاده لدى المصارف التقليدية التي تصارع لتحافظ على مكانتها في مواجهة العواصف العاتية التي يتعرض لها القطاع ككل بين الفينة والأخرى.
فتح حساب توفير عبر "أبل" يحتم الحصول على بطاقة ائتمان "أبل"، ولا يمكن استخدامها إلا عبر هاتف "آيفون" الذي تنتجه "أبل" أيضا
كما أن شعبية "أبل" الكبيرة بين مستخدميها، تعود في حيز منها إلى العلاقة الوثيقة التي تربط المستخدمين بشاشات هواتفهم على مدار اليوم واعتمادهم على مجموعة واسعة من التطبيقات والخدمات لتيسير شؤونهم فورا وبثقة وصدقية، فكيف إذا أضيفت إليها خدمات مصرفية. عامل الوقت، الذي يسمح التعامل عبر الهاتف بتوفيره، وبالتالي تعزيز فاعلية الخدمات من ناحية، والذي يصرفه المستخدمون حاليا في التفاعل مع شاشات هواتفهم من ناحية ثانية، تفتقر إليه فروع المصارف التقليدية التي تفشل في إقامة هذا النوع من الترابط، حتى تلك التي لديها خدمات إلكترونية مدمجة عبر التطبيقات، لما يعتريها من قيود. وليس واضحا بعد مدى نجاح المحفظة الرقمية الجديدة، "بايز"، المماثلة لـ"أبل باي"، التي اشترك في إطلاقها عدد من المصارف في الولايات المتحدة، من بينها "جي بي مورغان تشيس"، و"ويلز فارغو"، و"بنك أوف أميركا"، بهدف منافسة "أبل"، و"باي بال".
ماذا عن الضوابط والرقابة والاحتكار؟
كلما تعمقت "أبل" في خدماتها المصرفية الرقمية ازدادت حاجتها إلى استغلال بيانات مستخدميها بهدف مضاعفة أرباحها، بحيث لا يعود تركيزها على بيع أجهزتها، التي ستبيع نفسها بنفسها، في نهاية المطاف، مع تعلق المستخدمين القدامى والجدد بما تتيحه من خدمات. فالحصول على حساب توفير عبر "أبل" يحتم الحصول على بطاقة ائتمان "أبل" لا يمكن استخدامها إلا عبر هاتف "آيفون" الذي تنتجه "أبل" أيضا.
بعبارة أخرى، تسعى "أبل" عبر عروضها المغرية إلى حد كبير للإطباق على مستخدميها بما يوحي بنوع من الاحتكار التكنولوجي والمالي. ولا تقف الأمور عند هذا الحد مع سعي "أبل" لتطوير نظام الدفع لتلقي المدفوعات وليس فقط لإرسالها، مما يمنح الشركة القدرة على استحداث دائرة مغلقة لا تتطلب شركاء مصرفيين أو شبكات تديرها "فيزا" أو "ماستر كارد" أو "باي بال" على سبيل المثل.
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) January 1, 2023
إلا أن هذا الأمر يثير قلق الجهات التنظيمية في تعيين الحد الفاصل بين المنافسة والاحتكار. وكانت "أبل" اختبرت هذه المعضلة حين قفزت نسبة مستخدمي تقنية "أبل باي" من 10 في المئة من مجموع عملاء الشركة في 2016 إلى 75 في المئة عام 2022، وفقا لـ"ديب ووتر إست مانجمنت"، مما دفع المفوضية الأوروبية إلى فتح تحقيق في الأمر بهدف مكافحة الاحتكار.
تسعى "أبل" عبر عروضها المغرية إلى حد كبير للإطباق على مستخدميها بما يوحي بنوع من الاحتكار التكنولوجي والمالي
ليس من السهل التعامل مع نجاح "أبل" أو غيرها من شركات التكنولوجيا المالية الـ"فينتك" في فرض الضوابط والتنظيم؛ فالسرعة التي تطلق بها هذه الشركات ابتكاراتها المتواصلة، تفرض باستمرار شروطا جديدة غير معروفة أو مشمولة بالقوانين المعمول بها في القطاعين التكنولوجي والمالي، كالأنظمة العامة لحماية البيانات (GDPR) والتعريف الإلكتروني وخدمات الثقة (eIDAS) اللازمة لضمان التشغيل الآمن للأعمال المصرفية. وهو ما قد يثير اضطرابا في القطاعين نابعا من كسر التقاليد المتبعة في السوق لصالح شركات الـ"فينتك"، وربما يتأخر صانعو السياسات عن إدراكها والعمل على ضبطها والنظر في نموذج أعمالها. هذا عدا الأخطار المرتبطة بالأمن السيبراني والجرائم المالية الواجب معالجتها حفظا لمصالح العملاء وضمانا لأمن بياناتهم، وهستيريا الذكاء الاصطناعي.
لا تسعى "أبل" حاليا لأن تصبح مصرفا بالمعنى الرسمي للكلمة، خلافا لنظيرتها البريطانية في عالم الـ"فينتك"، وهي "ريفولوت" مثلا، البالغة قيمتها 33 مليار دولار، وهو رقم قياسي لمجموعة تكنولوجية بريطانية خاصة، والتي طلبت الحصول على ترخيص مصرفي في يناير/كانون الثاني 2021 (لا يزال يرفض حتى الآن)، بما يسمح لها بتقديم قروض وخدمات أخرى لأكثر من 5,8 مليون عميل لديها في البلاد.
ولكن مهلا، بهذه المميزات، تعتبر "أبل" مصرفا بالفعل، ولكن من دون امتيازات المصارف التقليدية المتعلقة بالإنقاذ في حال الفشل، حيث يرى جايمي ديمون أنه "إذا قمت بنقل المال، والاحتفاظ بالمال، وإدارة المال، وإقراض المال، فهذا حتما عمل المصرف".
قد يكون من الحكمة أن تبتعد "أبل" عن طلب ترخيص مصرفي، كي لا توصم بـ"عار السمعة" الراهنة للقطاع المصرفي! كما يبدو أن "أبل" تتجنب الكثير من المعوقات التنظيمية التي تتحكم في عمل القطاع، وقد تعلمت درسا في هذا الإطار حين سعت الى إطلاق بطاقتها الائتمانية في 2019 ولم تتمكن من انتهاج أسلوبها الترويجي "الادعائي" المضخم بقولها إن البطاقة هي "الأكثر أمانا على الإطلاق" خشية الملاحقة القانونية إذا لم تثبت صحة ذلك الادعاء.
قد يكون من الحكمة أن تبتعد "أبل" عن طلب ترخيص مصرفي، كي لا توصم بـ"عار السمعة" الراهنة للقطاع المصرفي، كما أن "أبل" تتجنب الكثير من المعوقات التنظيمية التي تتحكم في عمل القطاع
أمام هذا الواقع، هل حان الوقت للمصارف ولمزودي الخدمات المالية الآخرين أن ينتابهم القلق من شركة تكنولوجية تضم أكثر من مليار مستخدم لهاتف "آيفون"، وذات قيمة سوقية تبلغ 2,6 تريليون دولار وتاريخ مجيد من الابتكار الثوري؟
الثابت حتى الآن، أن "أبل" نجحت في اختراق الخدمات المصرفية التقليدية لترسم مستقبلا جديدا للعمل المصرفي.