أحمد مسعود لـ "المجلة": لا أحد يدعمنا... و"طالبان" تبتز العالمhttps://www.majalla.com/node/294031/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D9%85%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF-%D9%84%D9%80-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9-%D9%84%D8%A7-%D8%A3%D8%AD%D8%AF-%D9%8A%D8%AF%D8%B9%D9%85%D9%86%D8%A7-%D9%88%D8%B7%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%A8%D8%AA%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85
وسط الجدل عن سياسات طالبان ومساعي المعارضة لتوحيد جهودها والبحث عن داعمين دوليين لها، كانت هذه المقابلة التي أجرتها "المجلة" مع السيد أحمد مسـعود، نجل ووريث أحمد شاه مسـعود الذي قتل عشية أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وقد تحدث السياسي الأفغاني البارز حول مجموعة من القضايا المهمة في الملف الأفغاني والتي يمتد بعضها ليفتح ملفات إقليمية، وعلى رأسها قضايا الأمن والسلم في الشرق الأوسط ووسط آسيا.
تطرق مسعود أيضا إلى المخاوف الأمنية التي تضطر القوى الكبرى إلى عدم الوقوف بجانب المعارضة الأفغانية، والصراع الدولي الذي يتخذ من الأرض الأفغانية ساحة له، و"إيواء حركة طالبان للجماعات الإرهابية"، و"الخطأ" الذي حدث في الدوحة، وما وصفه بـ"عدم حياد قطر" إزاء أطراف العملية السياسية في أفغانستان.
هذه القضايا وغيرها كانت محل حوار "المجلة" الذي أجري عبر الإنترنت مع السياسي الأفغاني أحمد مسعود:
حضرت في فيينا مؤتمر المعارضة الأفغانية في دورته الثانية، فما الهدف منه؟
عملية فيينا مبادرة يقودها الأفغان، وهي لا تسعى لتوحيد صفوف المعارضين لـطالبان فقط، بل تحاول أيضا توحيد جميع الأفغان، بما فيهم طالبان نفسها.
لم تحظ مبادرة مؤتمر الدوحة للأسف بسمعة طيبة، خاصة بعد ما حدث خلال مؤتمر الدوحة في 2019-2020.
ويُعقد مؤتمر فيينا في مكان محايد، حيث إن الكثير من الأفغان يرون أن قطر، للأسف، ومع كل الاحترام لها، لم تحافظ على حيادها في ما يتعلق بالوضع في أفغانستان. فعلى الرغم من أن القطريين يبدون للعالم كوسطاء سلام، إلا أنهم يظهرون انحيازا نحو طالبان بدلا من الانحياز نحو جميع الأفغان. هكذا ينظر الأفغانيون إلى قطر.
لذلك، فإن فيينا، بالنسبة للوضع في أفغانستان، مكان محايد في أوروبا وفي العالم. وعلى الرغم من انعقاد هذا المؤتمر في أوروبا، إلا أنه مبادرة أفغانية يقودها الأفغان.
الهدف النهائي هو جمع كافة الأطراف: طالبان والمعارضة وحتى أولئك الأشخاص الذين يراقبون وينتظرون. ربما نستطيع نحن الأفغان أخيرا أن نجتمع معا ونسأل: أين نحن الآن؟ ما الذي حدث في العقود الخمسة أو الستة الماضية في بلدنا؟ لماذا نستمر في الاقتتال والتحارب؟ ولماذا نلجأ أحيانا إلى الحرب في قضايا يمكننا حلها من خلال الحوار؟ ولماذا نشارك أحيانا في حروب الآخرين: حروب القوى الإقليمية وحروب القوى العظمى؟ ما سبب هذا الوضع في أفغانستان؟
الخطوة الأولى لكل من يعارض الوضع الحالي هي إنشاء منصة للحوار. يجب أن نتحاور بشأن كل تلك القضايا معا
السياسي الأفغاني البارز أحمد مسعود
عندما أفكر في أفغانستان، أتذكر التغيير في رواندا. أتمنى دائما أن يحدث تحول مماثل في أفغانستان. لقد استطاعوا تغيير الأمور وتحقيق تحول كبير. ولدينا في أفغانستان جميع المقومات الضرورية لتحقيق هذا التغيير، ولكن الحوار هو سبيلنا الوحيد لتحقيق ذلك. لذا، فإن الخطوة الأولى لكل من يعارض الوضع الحالي ولأولئك الذين يؤمنون بالحل العسكري أو يؤمنون بالمقاومة غير العسكرية ولأولئك الذين يؤمنون بضرورة أن تكون حكومة أفغانستان حكومة إسلامية وأولئك الذين يؤمنون بضرورة أن تكون الحكومة علمانية، أيا كانت تلك المعتقدات، هي إنشاء منصة للحوار. يجب أن نتحاور بشأن كل تلك القضايا معا.
ثانيا، علينا أن نجلب طالبان، لنتفاوض جميعا ونجد حلا لمستقبل أفغانستان. ربما يسعنا هذه المرة، بعد خمسة عقود من التجارب والصراعات الداخلية وخوضنا حروب دول أخرى وسماحنا للدول الأخرى بالتدخل في شؤوننا وإملاء مطالبها علينا، أن نبدأ بالحوار لإيجاد الحل معا، نحن وطالبان وكثير من الجماعات الأخرى.
هدفي النهائي هو أن نتوصل أخيرا، من خلال الحوار والتفاهمات، إلى الإجماع على أن أفغانستان بحاجة إلى تغيير كبير وهائل.
ما نوع الدعم الذي تحصلون عليه في مؤتمركم هذا؟ نسمع في الأخبار يوميا تزايد عدد الدول التي ترغب في قبول الواقع والتعامل مع طالبان؟
- هناك أمران مختلفان: الواقع ومطالب الشعب الأفغاني. في الواقع، تسيطر طالبان حاليا على السلطة في كابول، وتتعامل الحكومات معها بناء على المخاوف والوضع الأمني الحالي. ومع ذلك، فإن هذه التعاملات في معظمها تكتيكية وليست استراتيجية، إذ تدرك هذه الحكومات أن هذا النوع من التعامل مع طالبان لن يكون استراتيجيا ما لم تكن هناك حكومة في أفغانستان تحظي بالدعم الداخلي؛ إذ لا تملك حركة طالبان شرعية داخلية أو دعما من الشعب الأفغاني. فهي لم تحصل على تأييد الأمة الأفغانية أو قبول الشعب الأفغاني، الذي يعتبر نفسه غريبا عنها. وبسبب ذلك، لم تتمكن حركة طالبان خلال العامين الماضيين من إعادة أي شخصية بارزة إلى أفغانستان، ولم تتمكن من تحقيق الوحدة داخل البلاد، كما أنها لم تبد أي تطور في جعل الشعب الأفغاني يقبل طالبان كحكام لأفغانستان. وبالتالي، لم تتحقق المصالحة الداخلية في أفغانستان، ولم تتحقق الشرعية الداخلية. وفي حال عدم تحقيق ذلك، فإن التعامل الخارجي مع طالبان سيبقى تكتيكيا، وهذا أمر مفهوم.
من خلال سفري الكثير في أرجاء المنطقة، أدرك تماما أن العلاقات الإقليمية مع طالبان تستند إلى المخاوف الأمنية. إذ تعتمد طالبان على استخدام تكتيك الرهينة للحفاظ على نفوذها. إضافة إلى ذلك، فإن طالبان تستغل جيدا التوتر الذي يشهده العالم حاليا بسبب الحرب في أوكرانيا وضعف الغرب وصعود قوى في الشرق والمواجهات بين الغرب والشرق.
وتُعدّ أفغانستان بقعة ساخنة يحاول العالم بأكمله تجنبها. ويحاول المسؤولون في واشنطن تجاهل ما يحدث في أفغانستان بسبب مشكلتهم وخطئهم الفادح الذي ارتكبوه هناك. في الواقع، هم يسعون لطمس الأمور والادعاء بأن لا علم لديهم بما حدث. تدرك طالبان وجود هذا التوتر في العالم وتستغله في وضع خطتها الخاصة بأفغانستان. إنها تستمتع تماما بالوضع القائم حاليا. لذا، فمن واجبنا كأفغان أن نقف معا ونستعد للمستقبل.
في غضون أشهر قليلة تحل الذكرى الثانية لاستيلاء طالبان على كابول. هل لاحظتم زيادة في مستوى الدعم لحركتكم ورؤيتكم أم إنه انخفض؟
- تتكشف حقيقة طالبان بشكل أوضح مع مرور الأيام. وأود أن أؤكد أن ذهابي إلى بيشاور لم يكن بهدف تشكيل مقاومة عسكرية ضد طالبان، بل كنت فقط أرغب في أن أكون مع شعبي وأن أتحاور مع طالبان. حاولت التحدث مع الملّا عبد الغني برادر والملّا محمد يعقوب مجاهد، وتحدثت مع سراج الدين حقاني والملّا أمير خان متقي، وتواصلت معهم في قطر، وفيض حميد في باكستان وهو رئيس الاستخبارات الداخلية الباكستانية (ISI)، بالإضافة إلى ممثل الحرس الثوري الإسلامي الإيراني في كابول، والذي كان على تواصل مع طالبان. كما عينت وفدين أحدهما من العلماء والآخر سياسي، كل ذلك بهدف تجنب الحرب.
كانت طالبان تدّعي أن (الرئيس) أشرف غني، قبل رحيله، سعى إلى تعطيل عملية السلام، وأن السلام لم يتحقق بسببه. نحن نرغب في مواصلة محادثات السلام. ألم تقولوا إن غني هو السبب. حسنا، لقد رحل غني، هيا بنا نتحاور معا.
لن يكون لأفغانستان حكومة شرعية إذا حاولتم فرض حكومتكم بالقوة والسلاح. لم آت إلى هنا لبدء الحرب، بل أتيت لأحاوركم. ما رؤيتكم لمستقبل أفغانستان؟ ما الذي تريدونه لمستقبل أفغانستان؟ دعونا نضع الأسس لهذا المستقبل. يمكن أن يحدث كل شيء من خلال الشرعية الداخلية، لذا، دعونا نرسل دعوة لجميع الأطراف للجلوس معا. أعلنوا الآن من كابول أنكم لن تشكلوا حكومتكم الخاصة، ودعونا جميعا نجتمع لننتخب مجلس الشعب، دعونا نجرِ انتخابات أو استفتاء. دعونا نتحاور جميعا. لننس الماضي ولنمهد الطريق نحو حكومة شرعية تعبر عن إرادة الشعب.
الكثير من الأفغان يرون أن قطر، للأسف، ومع كل الاحترام لها، لم تحافظ على حيادها فيما يتعلق بالوضع في أفغانستان
السياسي الأفغاني البارز أحمد مسعود
لكن رد طالبان كان: نريد منك الاستسلام فقط. لن نناقش مستقبل أفغانستان مع أي شخص كان، لأننا استولينا عليها بالغلبة. أجل، استخدموا مصطلح "الغلبة". لقد درست الإسلام إلى حد ما ودرست أيضا في الفقه. ومن خلال دراستي البسيطة، وعلى الرغم من كوني مجرد طالب دين ولست عالما متفقها في الدين، أعلم تماما أن لا أساس في الدين لهذا الكلام وأن حكومة الغلبة ليست من الدين الإسلامي، وتحديدا ليست من المذهب الحنفي الذي أنتمي إليه، والذي تدعي طالبان الانتماء إليه أيضا.
لهذا كله، لم تشأ طالبان أن تصغي لصوت العقل. لا، نريدك أن تستسلم وحسب. قلنا إن الأمور في بيشاور وقندهار والمنطقة المحيطة بهما، يمكن للعلماء أن يكونوا أصحاب قرار فيها فيما يتعلق بالقتال أو السلم. فهذا قرارهم وقرار الشعب. لن أتفق مع طالبان بسبب ما تقولون وما تفعلون والطريقة التي تظهرون بها أنفسكم. لم تتغيروا ولم تتعلموا. وهذا استمرار للوحشية والتطرف بكل بساطة. ولسوء الحظ، لم تصغِ طالبان للعلماء، ولم يستمعوا للوفد السياسي، وأهملوا كل محاولاتنا للتواصل الخارجي لوقف الحرب، وهاجمونا، هاجموا الأطفال والنساء. لم يكن لدي خيار آخر سوى الدفاع. وبمجرد أن وقفنا، نهضت الأمة في ظهرنا ضدّهم. نهضت النساء في الشوارع، وبدأ الناس في الاحتجاج في مدن مختلفة في جميع أنحاء العالم. رأى العالم أن شعب أفغانستان لا يقبل بـطالبان، وكانت هناك حركة قوية جدا، وبينما نتحدث الآن، فإن المقاومة تنتشر. لا نزال في بداية الحركة التي سوف تتسع أكثر فأكثر. وفيما يتعلق بالدعم الخارجي، لا يوجد بلد واحد يدعمنا على الإطلاق.
فرنسا كانت تقدم لكم بعض الدعم. هل توقفت عن فعل ذلك؟
- ما لدينا هو الدعم المعنوي من العالم، هذا كل شيء. ربما تكون هناك بعض الدول تفهم وحشية طالبان نوعا ما، وتقدم الدعم الأخلاقي. لكن لا يوجد دعم حقيقي. ومع ذلك فلدينا أكبر دعم ممكن من عند اللّه عزّ وجلّ، وأيضا دعم الشعب لنا. العالم لديه الكثير من المشاكل في هذه المرحلة للقيام بشيء ما على الأرض. الغرب مرهق في أفغانستان، لقد أقاموا في أفغانستان لمدة 20 عاما وفشلوا فشلا ذريعا بسبب سياساتهم السيئة وسوء إدارتهم وسوء تقديرهم. أما دول المنطقة فلديها مخاوفها الأمنية، تحتجز طالبان الجماعات الإرهابية الإقليمية مثل "أنصار الله"، وحركة تركستان الشرقية الإسلامية، والحركة الإسلامية في أوزبكستان، وحركة "طالبان باكستان"، وغيرها الكثير. طالبان تحتجز كل هذه المجموعات وتطلب من العالم عدم التعامل مع المعارضة، بل أن يقتصر التعامل معهم. وإلا فإنهم "سيطلقون" كل هؤلاء الإرهابيين. إنهم يستخدمون تكتيك الفدية وتكتيك الرهائن وتكتيكات التخويف وهذه هي الطريقة التي يتعاملون بها مع المنطقة، وليس المسار الدبلوماسي.
نحن نعلم ما ترفضون، فقد ذكرتم ذلك في مناسبات مختلفة وكررته الآن، لكن ما نوع الرؤية التي لديك لأفغانستان؟
- جوابي القصير جدا على هذا هو أنني أريد شيئا واحدا فقط: أريد أن يكون شعب أفغانستان قادرا على تقرير مستقبله، هذا هو كل شيء. لا أريد طغيانا ولا دكتاتورية ولا أريد أن يكون للشعب حكومة مفروضة عليهم من طالبان أو مني أنا أو من الغرب أو الشرق. لقد قاتلنا ضد حكومة سلطوية فرضها علينا الروس وجاهدنا ضدهم. وأيضا، في المرة الأولى التي وصل فيها نظام طالبان إلى السلطة، والتي فرضت علينا للأسف من قبل باكستان، لم نكن سعداء في تلك المرحلة أيضا بفرض طالبان علينا من قبل القوى الخارجية ومن خلال معركة البندقية.
إذا كانت طالبان تعتقد حقا أنها تمثل شعب أفغانستان، حسنا، دعونا نسمع منهم، دعونا نجري انتخابات. إذا قال شعب أفغانستان إننا نريد إمارة طالبان فسأقبل ذلك بنسبة 100 في المئة. سأكون مدرسا في جامعة في كابول أو مزار (شريف) أو بلخ أو هرات أو في مكان ما، وسأوقف كل أنشطتي السياسية وسأكون مواطنا في بلدي وأقبل بإمارة طالبان.
ولكن يجب أن يقرّر الناس هذا الأمر، وسنحترم ما يقرره شعبنا. شعبنا لديه الإرادة والعقل والرؤية والحق في تقرير مستقبله. نحن لا نعيش في العصور القديمة حيث يمكنك أن تفرض شيئا على الناس وتعتقد أن الناس لا يفهمونه. هذا عدم احترام لشعب أفغانستان. ما نريده هو حكومة تمثل كل أفغانستان، وليس فقط الطاجيك والبشتون والهزارة... كل أفغانستان. بالطبع نريد العدالة الاجتماعية والوحدة وعلاقات جيدة مع جميع الأفغان. لكن كل هذه تأتي في المرتبة الثانية. أولا وقبل كل شيء يجب على الناس أن يقرروا. يجب أن يقرروا ما يريدون، لا أن نفرض شيئا على الناس.
مثال على ذلك، عندما كانت الجبهة الوطنية الأفغانية بقيادة الأستاذ برهان الدين رباني، اغتيل والدي في عام 2001 على يد "القاعدة". عندما انتصرت الجبهة، لم تفرض حكومتها على الشعب، بل قبلت بمؤتمر بون، ودعت جميع المجموعات المختلفة من أنحاء العالم، جنبا إلى جنب مع المجتمعات الأفغانية وجماعات الشتات، وقالوا الآن نحن في كابول، لا نريد أن نفرض حكومتنا الخاصة. دعونا نحصل على حكومة انتقالية ومن ثم تُجرى انتخابات، وهكذا كنا نمهد الطريق لمستقبل أفغانستان. لقد قبلوها جميعا.
الآن يجب على طالبان أن لا تفرض حكومتها. وهذا شيء لن يقبله الشعب الأفغاني اليوم أو غدا أو بعد غد. مرة أخرى هذه وصفة لكارثة. دعونا نمهد الطريق للمستقبل، وندعو جميع الأطراف ونصر على اتخاذ القرار من شعب أفغانستان.
والدك حارب السوفيات وطالبان.. لماذا لا تقاتل طالبان الآن؟
- نحن نحارب طالبان ونقاوم طالبان، وربما هناك آخرون أيضا يقاتلون عسكريا ضد طالبان. القوات البارزة الآن تقاتل ضد طالبان. في العام الماضي، تكبدت طالبان آلاف الخسائر في حربها معنا، وفقدنا نحن 400 شخص في تلك المعارك. أسقطنا إحدى مروحياتهم ودمرنا كثيرا من مركباتهم. هذه حرب مستمرة، نأخذ في الاعتبار أننا بدأنا للتو المقاومة ضد طالبان، لا نزال في المهد، لقد مر عام واحد فقط منذ أن بدأنا مقاومتنا ضد طالبان دون مساعدة.
بالنسبة لـطالبان، كان لديهم الكثير من الدعم الإقليمي والخارجي، بسبب وجود الناتو في أفغانستان، لأن لهم في دعم طالبان منفعة استراتيجية بمعارضة حلف شمال الأطلسي. في ذلك الوقت، كان ذلك مزيجا بين اشتباك طالبان من اليسار واليمين، من الغرب والشرق. لقد تم إنشاؤها بسبب هذه الألعاب الكبيرة والألعاب الرائعة، وكانوا دائما يتمتعون بالدعم الخارجي، وكانوا بالطبع يستمتعون بتدفق الأموال من المخدرات والأفيون. بينما المقاومة مبنية فقط على كرم الشعب الأفغاني ومطالب الشعب الأفغاني.
أتذكر التغيير في رواندا. أتمنى دائما أن يحدث تحول مماثل في أفغانستان. لقد استطاعوا تغيير الأمور وتحقيق تحول كبير
السياسي الأفغاني البارز أحمد مسعود
هل تعتقد أن هذه الحرب قد تستمر لفترة طويلة؟
- إذا واصلت طالبان المسار نفسه، وواصل العالم حالة التشويش ذاتها، وإذا لم نتوصل إلى أي حل سياسي قريبا، فلن يستمر هذا الأمر وحسب، بل سيتعاظم أكثر وأكثر. وفي الوقت الراهن لا تشعر غالبية الشعب الأفغاني بالسعادة من الوضع الحالي، حتى داخل أوساط حركة طالبان. فقد تناهى إلى أسماعنا أن السيد سراج الدين حقاني يعبّر عن شعوره تجاه طالبان وأنه لا يشعر بالسعادة، وتناهى إلى أسماعنا أيضا أن السيد (عبد السلام) حنفي لم يكن يشعر بالسعادة أيضا، إذ يعبّر كثير من أوساطهم عن المعارضة لهم، وهم يمثلون التيار الرئيس للسلطة داخل حركة طالبان، لذلك ليست المعارضة فقط هي التي تشعر بعدم الرضا، بل ثمة شخصيات داخل طالبان ذاتها لا تشعر بالرضا عن الطريقة التي يحكمون بها البلاد.
أعتقد أنك ذكرت أنك قلق جدا من أن تصبح أفغانستان ملاذا آمنا للإرهابيين. هل يمكنك التوضيح من فضلك؟
في الوقت الذي نتحدث فيه، يوجد لدينا أكثر من 21 مجموعة إرهابية في أفغانستان، تعيش وتجند وتدرب بسعادة وحرية. من "القاعدة"، إلى "أنصار الله"، وحركة طالبان باكستان، وحركة شرق تركستان الإسلامية، والحركة الإسلامية في أوزبكستان، وداعش، وغيرها الكثير. تتحوّل أفغانستان إلى ملاذٍ آمنٍ للإرهابيين، حيث يمكنهم التحرك بحرية والقيام بأنشطتهم في العراق وسوريا وفي دول مختلفة، ومن ثم العودة إلى أفغانستان، للعمل، ورؤية الناس وتجنيدهم. كما تتحوّل أفغانستان إلى رمزٍ لانتصار المجموعاتِ الإرهابية الأخرى، مثل حركة طالبان الباكستانية والمزيد غيرها، من قبيل الذين سيعتقدون أنهم إن واصلوا النهج الذي انتهجته طالبان في أفغانستان، فسينجحون وينتصرون أيضا، ولن يكون أمام العالم من خيار إلّا الانخراط معهم أيضا.
لقد أصبحت أفغانستان اليوم ملاذا آمنا لمثل هذه الجماعات، ولدينا أدلة دامغة على تلك الأشياء التي ذكرتها للتو. إذ تتوفر لدينا أدلة دامغة على وجودهم، وتجنيدهم، وتدريبهم، وعلى طموحهم أيضا، وعلى أنهم أصبحوا أكثر طموحا، وأنهم ملتزمون بمواصلة إراقة الدماء، وذلك لأنهم يعتقدون أنه إن تمكنت طالبان في أفغانستان من القيام بذلك فإن جُلّ ما قام به العالم هو المشاهدة فحسب وقبول العالم لها كحقيقة واقعة، فإنهم إن واصلوا نهج طالبان، وإذا هم قاموا بنسخ تجربتها، فلن يكون أمام العالم من خيار سوى التعامل معهم أيضا.
ماذا يقول لك ممثلو بعض الحكومات عندما تشاركهم هذه المعلومات؟
- أريد التأكيد على أن هناك التباسا يسود العالم، وأن الدول تحاول بشكل أساسي التعامل مع طالبان بطريقة تحتويها بها في أفغانستان. وهذا يتفق تماما مع ما حدث بعد انتهاء الجهاد في أفغانستان، حيث جاء كثير من المقاتلين العرب إلى أفغانستان للقتال والجهاد ضد السوفيات، وعندما انسحبوا للعودة إلى بلدانهم، واجهت حكوماتهم مشكلات معهم. وفي حقيقة الأمر، كان يتراءى لهم رويدا رويدا واقع أنّهم يشكلون تهديدا. لقد مروا بآلية مختلفة وأعادوهم مرة أخرى إلى أفغانستان.
وهذه هي الطريقة التي أصبحت من خلالها أفغانستان مكانا لاحتواء الثمار الفاسدة كما تنظر إليهم الحكومات والدول الأخرى. فهم ينظرون إلى أفغانستان على أنها مكان يخزنون فيه ثمارهم الفاسدة. وللأسف هذا ما يحصل في أفغانستان.
طالبان تحتجز جماعات إرهابية كثيرة وتطلب من العالم عدم التعامل مع المعارضة، وإلا فإنهم "سيطلقون" كل هؤلاء الإرهابيين. إنهم يستخدمون تكتيك الفدية وتكتيك الرهائن وتكتيكات التخويف وهذه هي الطريقة التي يتعاملون بها مع المنطقة، وليس المسار الدبلوماسي
السياسي الأفغاني البارز أحمد مسعود
ما دام لم يكن هناك تمدد للإرهاب إلى بلدان أخرى، أليس كذلك؟
- بالتأكيد سوف يتمدد الإرهاب، ونحن نرى الدليل القاطع على ذلك في باكستان. إذ اعتقدت باكستان أن أفغانستان ستكون مكانا لاحتواء الإرهابيين وهم يرون أن ذلك غير ممكن بالتأكيد.
بدأت طالبان بالفعل بعض الهجمات في باكستان…
ما يحدث الآن في باكستان هو أسوأ مما حدث في السنوات العشر الماضية، إذ تتواصل الهجمات وعمليات القتل في بلوشستان وخيبر بختونخوا وفي مناطق مختلفة في باكستان، فهم يخسرون شركاءهم الاستراتيجيين الذين كانوا يحظون بدعمهم.
شكّل والدك قبل اغتياله تهديدا على عالم القاعدة، وقد اغتيل. ثم شهدنا هجمات 11 سبتمبر/أيلول. هل تشعر أن بعض الدول ربما تكرر الخطأ نفسه ولا تستمع إلى التحذيرات التي تعبر عنها بأن أفغانستان تتحول إلى ملاذ آمن للإرهابيين، ومن ثم ربما سيدفعون الثمن؟
- قطعا. سيكون الأمر هذه المرة أسوأ بكثير؛ فالمشكلة التي سنواجهها هذه المرة لن تكون مجرد هجمات إرهابية في بلدان مختلفة، بل ستكون حركة منظمة لأنهم سيقلدون ما يحدث ومن ثمّ ستنتشر عقلية طالبان. وبسبب المشاركة، وقد يكون بسبب الاعتراف، فهم يتحفظون في هذه المرحلة. ولكنهم بالتأكيد يدعمون حركة طالبان باكستان. فعلى سبيل المثال، كنا العام الماضي أكبر مشترٍ للمعدات والذخيرة في أفغانستان للدفاع عن أنفسنا ضد بربرية ووحشية طالبان. لكن هذا العام، وعلى الرغم من أن ميزانيتنا قد تضاعفت منذ العام الماضي، فلم نرتق حتى إلى المركز العاشر لأن ثمة مجموعات جاءت في السنوات الأخيرة تملك ميزانية أكبر بكثير من ميزانيتنا وتشتري كل ما يتوفر فتصبح الأمور مكلفة حقا.
فعلى سبيل المثال، كنا نشتري كلاشينكوف واحدا للدفاع عن أنفسنا مقابل 80 ألف أفغاني، الآن ثمنه 200 ألف أفغاني.
تأتي حركة طالبان باكستان على رأس القائمة، وتأتي داعش في المركز الثاني، ثم تأتي مجموعات مختلفة تشتري المعدات التي خلفها حلف الناتو في أفغانستان بمليارات الدولارات. لا أعرف لماذا تُركت تلك المعدات في أفغانستان، إنها قضية في حد ذاتها، وهم يشترونها. أعتقد أن حركة طالبان باكستان هذه المرة قد حولت تكتيكاتها إلى مواجهة أكثر جدية. ستكون أسوأ بكثير من ذي قبل.
يوجد لدينا أكثر من 21 مجموعة إرهابية في أفغانستان، تعيش وتجند وتدرب بسعادة وحرية.
السياسي الأفغاني البارز أحمد مسعود
هل تزعم أننا قد نشهد شيئا أسوأ من هجمات 11 سبتمبر/أيلول؟
- بالتأكيد، لأن هذه الأشياء شكلت مرة أخرى شرارة. شرارة اشتعال لأحداث 11/9، والهجوم على ناقلة النفط، والهجوم على السفارة. ما سنراه إنما هو التهديد المستمر، لأنهم يريدون الآن أن يفرضوا آيديولوجيتهم الخاصة، ونظامهم، وحكومتهم على الشعب الباكستاني. ويتمثل مطلب حركة طالبان باكستان الآن في الاستيلاء على الحكومة، لتولي السلطة، وبسط سيطرتها على جزء من باكستان. لم يعد مطلبهم زعزعة استقرار باكستان بل تشكيل تهديد خطير.
هل هدفهم هو إنشاء خلافة، مثلما حدث في سوريا والعراق؟
- أعتقد أنهم لن يطلقوا عليها هذا الاسم في هذه المرحلة، ولكن بالتأكيد الهدف النهائي الذي يجمعهم هو هذا الهدف. فهم يسعون الآن إلى السيطرة على الأراضي، بينما لم يكن سعيهم كذلك في الماضي، ولكنهم يتمتعون الآن بتفكير إقليمي بالتأكيد.
ما رأيك في مطالبة بعض الدول بالاعتراف بطالبان؟
- هذه هي المشكلة نفسها مجددا. الحرب على طالبان. عندما قاتلنا ضد طالبان، أتذكر بوضوح البروفسور برهان الدين رباني، الذي كان في أفغانستان، خلال مؤتمر بون، حين دعا العالم وأخبر جميع الممثلين أنه ينبغي أن يشارك في مؤتمر بون ممثلون عن طالبان. قال رئيسنا، قائدنا الشهيد البروفسور برهان الدين رباني: أما وقد بدأت حقبة جديدة في أفغانستان، فلا تستبعدوا طالبان، ينبغي أن تشارك طالبان أيضا حتى نتمكن من إنهاء الصراع في أفغانستان مرة وإلى الأبد. إلا أن الأميركيين كانوا، في ذلك الوقت، ضد هذه الفكرة بشدة وقالوا إما معنا وإما ضدنا. ولم يسمحوا لأي من ممثلي طالبان بالحضور.
الآن نجد أنفسنا مرة أخرى في مرحلة يرتكب فيها الأميركيون والغرب والعالم الخطأ نفسه. لم يستمعوا إلينا في ذلك الوقت، وها هم مجددا لا يستمعون إلينا الآن. ما نريد قوله إنه ينبغي أولا وقبل كل شيء أن تحظى الحكومة، أيا كانت، باعتراف داخلي في أفغانستان. لقد اقترف الأميركيون خطأ كبيرا عندما وقعوا اتفاقية مع طالبان قبل أن نتوصل نحن الأفغان إلى اتفاق في ما بيننا. قلنا للأميركيين لا توقعوا أي شيء. إذا كنتم ترغبون في مغادرة أفغانستان، غادروا، ولكن لا توقعوا أي اتفاقية؛ إذ علينا نحن الأفغان أن نتوصل إلى اتفاق فيما بيننا. ومتى توصلنا إليه، يمكنكم أن تفعلوا ما تشاءون. لقد ارتكبوا فيما مضى خطأ تسبب في ذلك الانهيار كله وتسبب في جميع الأحداث المؤسفة التي تلته.
والآن يرتكبون الخطأ نفسه بعقدهم مؤتمرا في الدوحة، وهي مكان لا يتمتع بسمعة طيبة للأسف بسبب مؤتمر الدوحة الأول. أحترم قادة قطر وأحترم ما قاموا به، إلا أن الطريقة التي اتبعت في إدارة الأمور قبل مؤتمر الدوحة الأول ما زال طعمها المر في فم الشعب الأفغاني. كان يمكنهم أن يديروا الأمور بطريقة أفضل بكثير، بطريقة تقدمية وبناءة للغاية.
ومرة أخرى نقول، دون فهم الوضع في أفغانستان، ودون تفهم آلام الشعب الأفغاني، ودون إدراك لمطالب الشعب الأفغاني، فإنهم يدفعون باتجاه سردية تتعارض تماما مع مطالب الشعب الأفغاني.
مرة أخرى سيخلق هذا الأمر الحالة المناسبة للكارثة، إنها وصفة لكارثة.
هل يعيد العالم تكرار الخطأ ذاته مرات؟
- لسوء الحظ في الشأن الأفغاني، نعم، لأنهم لا يستمعون إلى الشعب الأفغاني.
في الأسابيع القليلة الماضية، بعض الدول، حتى إيران، كما أعتقد، سلمت السفارات لـطالبان، ما رأيك في ذلك؟
- إنه قرار تلك الدول وليس لدينا ما نقوله في هذا الشأن. بالطبع لن ينسى شعب أفغانستان ما يحدث، ولن ينسى من وقف إلى جانبه في أحلك ساعات حياته وأصعبها ومن لم يقف، لذلك لن ننسى ذلك. ولكن هذا هو قرار تلك الدول.
اسمحوا لي أن أخبركم بأن كثيرا من الدول في الوقت الحالي منخرطة مع طالبان لأنها ترى في طالبان سكينا. وتخشى أن تسقط هذه السكين في يد الصين، وأن تستخدمها الولايات المتحدة، وأن يستخدمها الجنوب والغرب والشرق والشمال... هي أداة دمار وحرب، لذلك تشعر دول مختلفة وأطراف عديدة بالقلق من أن تسقط هذه الأداة في أيدي العدو. لهذا السبب تريد هذه الدول الحفاظ على الارتباط معها لأنها لا ترغب في أن تكون أداة تستخدم لجرح أحدهم. وتعرف هذا الدول بالتأكيد، فنحن على اتصال معها، أنه لا يمكن لـحركة طالبان أن تكون شريكا استراتيجيا... شريك تكتيكي نعم، لكنها ليست شريكا استراتيجيا.
يوجد لدينا أكثر من 21 مجموعة إرهابية في أفغانستان، تعيش وتجند وتدرب بسعادة وحرية
السياسي الأفغاني البارز أحمد مسعود
كما قال كثير من الباحثين، فإن أفغانستان مقبرة كل الإمبراطوريات منذ البريطانيين في بداية القرن الماضي، ثم الاتحاد السوفياتي، فالأميركيين... من التالي؟ يقول البعض إنها الصين. من التالي؟
- أعتقد أن الصين تتخذ خطوات حذرة للغاية ولن تأتي إلى أفغانستان. تكتيكات الصين، نفوذ الصين، إذا نظرت إلى أفريقيا ودول جنوب آسيا، تجد أن الصين تتخذ مسارا مختلفا تماما. لا أعتقد أن الصين ستؤثر على أفغانستان على طريقة الغزاة أو أن تغزو أفغانستان على طريقتهم.
غير أنني أقول بوضوح تام، إذا غزت أي دولة بلدي، فسأتكاتف مع طالبان لمحاربتها. فنحن لا نريد من أي دولة أن تغزو أفغانستان ولا نقبل غزوها، حتى لو كانت الصين أو غيرها أو أي قوة أخرى. كان والدي مناضلا من أجل الحرية، وكان وطنيا حقيقيا، وأنا مثله. وما نطالب به العالم، حتى في هذه اللحظة، هو الانتباه للوضع في أفغانستان، الانتباه لمساعدة شعب أفغانستان، ولا نريد أبدا أي تدخل عسكري في أفغانستان. ما أردنا ذلك عام 2001، ولم نُرده زمن السوفيات، وما أردناه قبل ذلك.
لا نريد جنودا على الأرض، أما دعم الشعب في أفغانستان فهو بالتأكيد قضية مختلفة.
أهناك ما ترغب في إضافته؟
- دور الأمة، دور الدول الإسلامية أمر أود التحدث عنه اليوم وخاصة لمجلتكم. نحن كأمة ننسى الكثير من الأشياء، وننسى كمسلمين الكثير من الأشياء. فنحن نسمح للدول الإسلامية أن تسقط الواحدة تلو الأخرى، في البؤس وفي المشاكل، دون أن نفعل شيئا حقيقيا.
إنني أدعو الدول الإسلامية إلى التدخل في الوضع في أفغانستان، وإلى التدخل في الأوضاع في سوريا، والتدخل لإحلال السلام أخيرا. عندما يكون لدى أخوين، لدى طرفين، صغيرين كانا أم كبيرين، مشكلة وقاتل بعضهما بعضا، فعلى الأمة الإسلامية وعلى الدول الإسلامية أن تتوسط أو تتدخل، وتحاول أن تكون حَكما وتصلح بينهما، برضا الطرفين واحترامهما للحكم، وإذا لم يقبل أحد الطرفين حكم هذه الجماعة أو المُحكم، فعلى جميع المسلمين أن يتحدوا ضده، لأن أي نوع من كسر الحكم هو نوع من الفتنة.