لا يخفى أنّ الثورة التكنولوجية خلقت عالما موازيا للواقع، حتّى لكأنّه يكاد ينافس الواقع في واقعيته، وأحدثت تغييرات في شتّى المجالات، انعكست بدورها على ميدان الأدب وعلى حياة الأدباء وفضاءاتهم، بحيث انفتحت مفاهيم مثل البعد والاغتراب والعزلة على نوافذ ومسارات جديدة تكون متلائمة مع تغييرات العالم الجديد.
هناك أدباء يعيشون في حيّز محدود في أمكنتهم وبلدانهم، لكنّهم يحلّقون في جغرافيّات متخيّلة، يهاجرون بأخيلتهم عبر الأزمنة والأمكنة، يخلقون واقعهم المتخيّل ويسكنونه، يعيشون في تفاصيله التي يؤثثونها، ولكنّهم يظلّون مقيّدين بسلطة المكان، الداخل نفسه، في حين اضطر آخرون إلى ترك أمكنتهم الأثيرة وأوطانهم ليتنقّلوا من مكان لآخر، أو يستوطنوا مهجرا أو منفى، لكنّ أوطانهم تسكن كتاباتهم، فتراهم يرتحلون إلى ماضيهم وذكرياتهم وحكاياتهم ويعودون عبر الخيال والتذكّر إلى جغرافياتهم الواقعية الحقيقية السابقة. وهنا بين الداخل والخارج يكون تداخل الجغرافيات الحقيقيّة والمتخيّلة، بالتزامن مع تداخل الأخيلة والذكريات، والصراعات التي لا تهدأ في نفوس أصحابها.
استطلعت "المجلّة" آراء عدد من الأدباء الذين اضطرّتهم الظروف للخروج من بلدانهم والإقامة في أماكن أخرى، في منافٍ ومهاجر تحوّلت إلى أوطان بديلة لهم لكنّ كتاباتهم تظلّ تدور في فلك أمكنتهم السابقة، من دون أن تغفل تأثير الأمكنة الجديدة عليها وعليهم.