لم يطل الأمر بمصر لتنتقل رسميا من النظام الملكي إلى النظام الجمهوري إلا عاما واحدا أو أقل، وهي فترة غالبا ما يغفلها الصحافيون والمؤرخون في مصر الحديثة؛ إذ يُشير معظمهم ببساطة إلى ثورة الضباط الأحرار التي حدثت في 23 يوليو/تموز 1952 على أنها نقطة انطلاق للجمهورية على الرغم من أن إلغاء النظام الملكي رسميا استغرق أحد عشر شهرا أخرى، وجرى ذلك في 18 يونيو/حزيران 1953.
قبل ذاك، كان الضباط الأحرار قد أنشأوا هيئة الوصاية على العرش في 2 أغسطس/آب 1952 كي تتصرف نيابة عن الملك أحمد فؤاد الثاني، الابن الرضيع لآخر ملوك البلاد، فاروق الأول، والذي لم يزد عمره وقتذاك عن ستة أشهر. لكن تلك الهيئة لم تكن تتمتع بسلطة حقيقية. وانطلاقا من هذه النقطة بدأ الضباط الأحرار يتولّون الأمور كلّها، وألغوا هيئة الوصاية على العرش رسميا في 7 سبتمبر/أيلول عام 1952.
اعتبارا من 15 يناير/كانون الثاني 1953، حُظرت جميع الأحزاب السياسية المصرية، ومن ضمنها حزب الوفد الشعبي، وحُظرت بعد ذلك جماعة الإخوان المسلمين التي كانت تدعم اللواء محمد نجيب، قائد الضباط الأحرار. واعتُقل زعيم الوفد، مصطفى النحاس باشا، واعتُقلت زوجته مع كبار أعضاء الحزب. كان محمد نجيب الذي يبلغ الخمسين من عمره هو الضابط الأكبر سنا بين مجموعة الضباط التي أطاحت بالنظام الملكي، في حين كان باقي زملائه في أوائل الثلاثينيات من عمرهم. وكان الضباط الأحرار، الذين خرجوا من حرب فلسطين 1948 مهزومين ومكلومين، قد ألقوا باللائمة على الملك فاروق فيما أصابهم، ووصلوا إلى السلطة وهم يضعون الانتقام نُصب أعينهم لأنهم نشأوا في جو المعركة وكان الغضب يتولاهم جراء الهزيمة التي تعرضوا لها.
تحديات الحقبة التي تلت الثورة
طُرحت مواضيع مثيرة للجدل لم تلقَ اتفاقا في أوساط الضباط الأحرار على طاولة نجيب، بدءًا من كيفية إدارة البلاد بعد رحيل فاروق، وصولا إلى كيفية طرد البريطانيين الذين كانوا يحتلون مصر منذ عام 1882. الأمر الوحيد الذي اتفق عليه الضباط الأحرار هو إصلاح الأراضي، بالنظر إلى أن أقل من ستة في المئة من سكان مصر كانوا يمتلكون أكثر من 65 في المئة من الأراضي الزراعية. وكان كل الضباط الأحرار ينحدرون من خلفية فلاحية، فلم يكن غريبا أن يكون لديهم مأرب في التغلب على وجهاء الأرض، فقاموا بتمرير قانون الإصلاح الزراعي في وقت مبكر في 11 سبتمبر/أيلول 1952. وحُظر على المصريين امتلاك أكثر من 200 فدان ووُضع حد للمبلغ الذي يتقاضاه مالكو الأراضي من المزارعين لقاء تأجيرهم للأرض.