قبل ثلاثين عاما، وتحديدا في 24 مايو/أيار 1993، ارتكب حزب العمال الكردستاني مجزرة مروعة في حق 33 جنديا تركيا، غير مسلحين، وثلاثة مدنيين (من معلمي المدارس)، جرى أسرهم عند حاجز وضعه مقاتلو الحزب الذين كان يقودهم عضو اللجنة المركزية في "حزب العمال الكردستاني" والقائد الميداني المعروف، آنذاك، شمدين صاكك.
كان الجنود الأغرار قد أنهوا تدريباتهم، مرتدين ملابس مدنية، وعلى متن حافلتين صغيرتين، تتجهان من محافظة "ملاطية" إلى محافظة "بينغول" للالتحاق بالخدمة الإلزامية. في الساعة السادسة مساء، وعلى الطريق السريع الواصل بين بمحافظتي "آل عزيز" و"بينغول"، قطع 150 من عناصر الكردستاني الطريق بشاحنات كانوا قد اختطفوها. وقاموا بفحص هويات الركاب، واحتجزوا 36 جنديا أعزلاً من السلاح، وثلاثة مُعلمين، ونقلوهم إلى قرية مجاورة. وفي الساعة الثالثة فجرا، جرى إيقافهم في رتل أفقي، مواجه لكتيبة الإعدام التي أفرغت فيهم مخازن بنادقها. فقضى 33 جنديا على الفور، ونجا ثلاثة تظاهروا بالموت، بعد تساقط جثث رفاقهم عليهم.
تلك المجزرة البشعة المروعة، ترقى إلى جرائم الحرب، كونها "قتل للأسرى". وجرائم الحرب، لا تسقط بالتقادم. وقد نفذ الكردستاني تلك المذبحة، في وقت يفترض أنه كان في هدنة، ويجري حوارا غير مباشر مع أنقرة. حيث أعلن أوجلان في 20 مارس/آذار 1993 وقفا لإطلاق النار من جانب واحد، استجابة لطلب الرئيس التركي الراحل تورغوت أوزال، وبوساطة مباشرة من الرئيس العراقي السابق جلال طالباني. غالب الظن أن أذرع الدولة العميقة قامت بتصفية أوزال مسموما، في 17 أبريل/نيسان من نفس العام (قيل: إنه أصيب بأزمة قلبية). والسؤال: ماذا كان موقف زعيم الكردستاني عبد الله أوجلان، الجالس وقتذاك، في حضن نظام حافظ الأسد؟
وبحسب الرئيس العراقي السابق، جلال طالباني ("مذكرات جلال طالباني". إعداد صلاح رشيد. ترجمة: شيرزاد شيخاني. الدار العربية للعلوم ناشرون- 2018)، أنه طالب أوجلان بإصدار بيان رسمي، يتبرأ فيه من المجزرة، ويدينها، ويعتبرها تصرفا فرديا، خارجا عن إرادة الحزب، حافظا على "العملية السلمية" الهشة. إلا أن أوجلان استكبر، ولم يستجب.
بعد "خراب بصرة" كما يُقال، سنة 1995 استدعى أوجلان، المسؤول العسكري عن المجزرة، شمدين صاكك إلى معسكرات الحزب في دمشق، وأخضعه للتحقيق وحكم عليه بالإعدام، لأسباب أخرى، لم يكن ارتكابه المجزرة من ضمنها. ثم عفا عنهُ، وأجبرهُ على كتابة مئات الصفحات كـ"نقد ذاتي" ومديح لأوجلان والحزب، يحمل فيها نفسه مسؤولية تلك المجزرة! في النتيجة، غطى زعيم الكردستاني، على تلك الجريمة المروعة.
صاكك المولود سنة 1959 في محافظة "موش" الكردية، جنوب شرقي تركيا، انتسب للكردستاني سنة 1979. وحين خطط ونفذ تلك المجزرة كان في الرابعة والثلاثين من عمره، ويشغل منصبا بارزا في القيادة العسكرية وعضوية اللجنة المركزية للحزب. ثم هرب من صفوفه في 16/3/1998، ولجأ إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي. وجرى تسلميه للسلطات التركية في 13 أبريل 1998، وأعلن أن الجيش التركي اختطفه! وجرت محاكمته، وحُكم عليه بالإعدام، وخُفف الحكم سنة 1999 إلى المؤبد.
أثناء المحاكمة، صرح صاكك، أنه عارض استخدام السلاح، ورفض تحويل تركيا إلى يوغوسلافيا، والأكراد إلى ألبان، وترك صفوف الكردستاني، لهذه الأسباب، ولمعارضتهِ أوجلان، والأخير هو الذي أمره بارتكاب مجزرة 24 مايو/أيار 1993. أظهر صاكك نفسه كـ"عبد المأمور"، و"حمامة سلام" والمدافع عن مصلحة تركيا!
هناك رواية ثالثة، وثقها الكاتب والباحث الكردي صالح دوندار (منشق عن "الكردستاني" ويعيش في ألمانيا، قضى عشر سنوات في السجون التركية)، وثقها في كتابه "السر في الساعة" (منشورات Doz إسطنبول) يذكر أن صاكك كان بعيدا عن مسرح المجزرة، باعتباره المسؤول العام لتلك المنطقة. بينما جمال باراك (الاسم الحركي: زينال) هو مخطط ومنفذ المجزرة، بأمر مباشر من عبد الله أوجلان. ويسرد دوندار تفاصيل كيفية التخلص من "زينال" هذا.