اتفاق جديد في ليبيا... وانسداد سياسي أزليhttps://www.majalla.com/node/293761/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D9%8A%D8%A8%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D9%86%D8%B3%D8%AF%D8%A7%D8%AF-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D8%A3%D8%B2%D9%84%D9%8A
حظي الاتفاق السياسي الأخير بين ممثلي مجلس النواب الليبي ومقره في الشرق، وبين المجلس الأعلى للدولة ومقره طرابلس، بعد أن أعلن عنه وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في 6 يونيو/حزيران، بالثناء في المنطقة عموما.
يذكر بأن الاتفاق بين ما يعرف بمجموعة 6+6 يعالج القضايا العالقة والتي تسببت في تأخير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والتي كانت مقررة أصلا في ديسمبر/كانون ثاني من عام 2021، بما في ذلك معايير الترشح وتسلسل عمليات التصويت. وكما كان متوقّعا، بدأ المسؤولون عن التأخير الذي طال أمده، بالقيام بدورهم بمعارضة الاتفاق فور نشره من قبل مجموعة الـ 6+6.
تكمن العقبة الأزلية في ليبيا في كون الفاعلين الحاليين، والذين يتمتعون بالثروة والمكانة العالية في مناصبهم المؤقتة نظريا، لا يملكون الحافز للتفاوض بخصوص رحيلهم -أو حتى إخضاع مناصبهم للتصويت. بعبارة أخرى، فإن خطورة أن يتحول المؤقت والانتقالي إلى دائم، تتزايد بشكل مستمر، ما لم يكن المجتمع الدولي مستعدا لإخراج ليبيا من حالة الأمر الواقع التي تترسخ بشكل متزايد.
تكمن العقبة الأزلية في ليبيا في كون الفاعلين الحاليين، والذين يتمتعون بالثروة والمكانة العالية في مناصبهم المؤقتة نظريا، لا يملكون الحافز للتفاوض بخصوص رحيلهم
التاريخ يعيد نفسه
في السنوات القليلة الماضية وحدها - على سبيل المثال- وبعد انتهاء الحرب الأهلية في عام 2019-2020، ودفع قوات خليفة حفتر- المدعوم من مرتزقة مجموعة فاغنز- خارج طرابلس بدعم من تركيا، شكلت بعثة الأمم المتحدة منتدى الحوار السياسي في ليبيا، لوضع معايير وشروط الانتخابات التي طال انتظارها.
واختار المنتدى المؤلف من 75 شخصا، يوم 21 ديسمبر/كانون أول من العام 2021 موعدا للانتخابات. ولكن، عندما حان الوقت لاختيار حكومة مؤقتة تتركز ولايتها حول الحكم حتى موعد الانتخابات، بدأت المشاكل بالظهور. ففي فبراير/شباط من العام 2021، اختار المنتدى عبد الحميد الدبيبة رئيسا للحكومة ومحمد المنفي لرئاسة المجلس الرئاسي الأكثر رمزية، بعد أن هزما وزير الداخلية الأسبق البارز فتحي باشاغا، و عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الذي طالت ولايته كثيرا، في تصويت مفاجئ شابته اتهامات بشراء الأصوات.
وعلى الرغم من أن الدبيبة حصل على ما مجموعه 39 صوتا في جميع أنحاء ليبيا، إلا أنه لا يزال رئيسا لحكومة الوحدة الوطنية ويعامل معاملة المشاهير ويستمتع برحلات بالطائرات الخاصة. إذ حضر الدبيبة نهائي دوري أبطال أوروبا يوم الثاني عشر من حزيران/يونيو في إسطنبول وحل ضيفا على الرئيس التركي أردوغان، صحبة حليف آخر مهم، هو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، محمد بن زايد.
وتؤكد الصورة القوية التي ظهر فيها رئيس الوزراء الليبي صحبة اثنين من القوى الإقليمية على مكانته الراسخة كرئيس للوزراء تماما بقدر ما يؤكدها اعتراف الأمم المتحد بحكومة الوحدة الوطنية -إن لم يكن أكثر- بسب نشر تركيا لقواتها في الجزء الغربي من ليبيا، وبسبب نفوذ محمد بن زايد.
علاوة على ذلك، يتصرف الدبيبة كرئيس للوزراء، ويوقع الأوامر، والأهم من ذلك أنه يوزع الأموال ويدفع الرواتب بموجب بعض الاتفاقات غير الرسمية مع البنك المركزي الذي يتسلّم أرباح النفط في البلاد. وساعدت الولايات المتحدة الأمريكية وشركاؤها في تحسين الإدارة المالية، لكن يبقى الكثير مبهما تحت خطوط المستويات العليا للإنفاق. حيث أشار تقرير حديث لصندوق النقد الدولي إلى أن نسبة الاحتياطيات الأجنبية إلى الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 200%، وهي نسبة كبيرة، أما عن المكان الذي تصرف فيه هذه الأموال، فهذا ما لا نعرفه بشكل جيد. وكما أشار صندوق النقد الدولي، فإن تنفيذ الميزانية بشفافية، يتطلب تحسينات كبيرة.
على الجانب الآخر، نجد أن عقيلة صالح قد تلقى أقل من ألف صوت في مسقط رأسه، مدينة قبة الصغيرة، وذلك في عام 2014، ومع ذلك فقد قاد مجلس النواب، الهيئة التي تجاوزت مدة ولايتها بكثير. وعلى ما يبدو، فإن صالح جعل من التعطيل هدفه الوحيد. فالاتفاقية السياسية الليبية في ديسمبر/كانون أول من عام 2015، أنشأت هيئة أخرى، وهي المجلس الأعلى للدولة، ولكنه لم يُنفّذ بشكل كامل بسبب سياسات التعطيل التي اعتمدها صالح والتي فرضت بسببها إدارة أوباما العقوبات عليه.
وفوق هذا الخليط العجيب، يقبع خليفة حفتر، الذي يحتفظ بهيمنته في الشرق، ومنطقة النفط شديدة الأهمية، التي قام بإغلاقها لعدة أسابيع في الصيف الماضي حتى وافق الدبيبة على تغيير رئيس الشركة الوطنية للبترول، ودفع رواتب أعلى للمنطقة (أي لجيش حفتر). ومنذ توقيع الاتفاق السياسي الليبي في عام 2015، رفض حفتر التبعية للسلطة المدنية.
وتتركز النسخة الحالية من الجدل حول ما إذا كان يحق لضابط حربي أن يترشح لولاية رئاسية، أم أن عليه الاستقالة من منصبه قبل الترشح. تزعم المصادر إلى أن حفتر وصالح اتفقا على حقيقة أن الترشح للرئاسة من شأنه أن يرمز إلى خلع الزي العسكري، والذي يمكن ارتداؤه مرة أخرى في حال خسارة الانتخابات - وهو بند غامض سيطعن فيه معارضو حفتر. وحتى لو تمكن حفتر من الترشح، فإن مسؤوليته عن قيادة معارك مات فيها الكثيرون من المقاتلين والمدنيين في الغرب، ستقلل من حظوظه في الفوز على المستوى الوطني.
تحصل عقيلة صالح على أقل من ألف صوت في مسقط رأسه، مدينة قبة الصغيرة، وذلك في عام 2014، ومع ذلك فقد قاد مجلس النواب، الهيئة التي تجاوزت مدة ولايتها بكثير. وعلى ما يبدو، فإن صالح جعل من التعطيل هدفه الوحيد
إعادة اختراع العجلة
أخبر عبد الله باثيلي، الرئيس الجديد لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، مجلس الأمن في نوفمبر/ تشرين الثاني أنه سيتشاور على نطاق واسع في جميع أنحاء ليبيا لتطوير مسار جديد نحو الانتخابات. إلا أنه استعان بدلا من ذلك مرة أخرى بصالح ونظيره في المجلس الأعلى للدولة، خالد مشري، اللذين كانا يدوران في حلقة مفرغة. واتفق الاثنان على تشكيل لجنة من ستة ممثلين من كل جانب، مع علمهما التام بإمكانية عرقلتهم لأي اتفاق في أي وقت.
وبصرف النظر عن مسألة ازدواج الجنسية والمرشح العسكري، رُفضت أجزاء أخرى من اتفاقية 6 + 6 بشكل علني: يقول صالح إنه لا داعي لجولة ثانية من الانتخابات الرئاسية. أما الدبيبة، فهو يرفض التنازل عن السلطة لحكومة مؤقتة أخرى مكلفة بإدارة العملية الانتخابية، بغض النظر عما إذا قرر الترشح للرئاسة أم لا. عارض العديد من الفاعلين السياسيين خطة 6 + 6 لتوسيع البرلمان من 200 مقعدا حاليا إلى 297 ، إذ نادرا ما يتمكن صالح من جمع النصاب القانوني في المجلس الحالي. وهناك العديد من القضايا الأخرى التي حُولت أو ستحول إلى ذرائع لعدم إجراء الانتخابات.
خلاصة القول هي أنه ما لم يكن هناك بعض التغيير في الوضع الحالي بدافع من المجتمع الدولي، فإن احتمالية إجراء الانتخابات في ليبيا ستستمر في التضاؤل وسيزداد تعزيز الصراع في صفقة النفط مقابل النقد القاصرة التي تغذي النخبة السياسية والأمنية.
ما لم يكن هناك بعض التغيير في الوضع الحالي بدافع من المجتمع الدولي، فإن احتمالية إجراء الانتخابات في ليبيا ستستمر في التضاؤل وسيزداد تعزيز الصراع في صفقة النفط مقابل النقد القاصرة التي تغذي النخبة السياسية والأمنية
هل يغير حفتر عقليته؟
لسوء الحظ، لم يكن هناك أدلة تشير إلى وجود أي تغيير في النهج الحالي. إذ ما زال الدبلوماسيون يتدفقون باستمرار إلى مقرات حفتر في اعتقاد خاطئ منهم بأنه سيغير رأيه فجأة وسيخضع للحكم المدني ويستبدل عقليته الاستبدادية بعقلية ديمقراطية. لا يستحق أي قدر من التعاون في مكافحة الإرهاب أو جهود مكافحة الهجرة تقديم أي تنازلات لحفتر، إذ إن قدراته ببساطة ليست كبيرة. علاوة على ذلك، فإن رفضه المستمر لسحب دعمه لقوات مجموعة فاغنر في المنطقة التي يسيطر عليها يدل على عدم فعاليته كشريك محتمل.
وأعطى الممثل الخاص باثيلي فرصة أخيرة للمجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب لحل نزاعاتهما. وعليه أن يدعو في خطابه القادم أمام مجلس الأمن للتصويت على اتفاقية 6 + 6 في كلا المجلسين، وفي حال فشل هذه الاتفاقية، فيجب عليه التحول إلى نهج جديد.
لربما بدا للناظرين من الخارج أن ليبيا لا تستحق كل هذا الاهتمام، نظرا لعدم وجود اقتتال بين الفصائل المتحاربة، ولكون النفط يتدفق بشكل مستقر، ولأن البلد لم تعد الملاذ الآمن للإرهابيين كما كانت من قبل. إلا أن وهم الاستقرار يمكن أن يختفي في أي وقت
دائما ما يوجد توتر في بعثات الأمم المتحدة بين الملكية المحلية والتوجيهات العملية. وحتى لو تعارض هذا الأمر مع رغبات باثيلي، فإن عليه أن يبذل جهود حسنة النية لسد الفجوات بين قوانين الانتخابات الخاصة بمجموعة 6 + 6 والمعارضين لها من خلال لجنة فنية مكونة من فاعلين دستوريين دوليين وليبيين مع دعم واضح من الجهات الفاعلة الدولية الأكثر صلة بليبيا، وهم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا والإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر إلى جانب تركيا. وتقدم المصالحة الجارية بين البلدين الأخيرين، ولا سيما بعد إعادة انتخاب الرئيس أردوغان، خيارات إضافية للضغط على شركائهم الليبيين. ولدى جميع تلك الدول القدرة على كسر الجمود الموجود في ليبيا، وفرض عواقب وعقوبات إن لزم الأمر، وتقديم حوافز للراغبين في التنحي عن مقاعدهم المريحة الحالية.
لربما بدا للناظرين من الخارج أن ليبيا لا تستحق كل هذا الاهتمام، نظرا لعدم وجود اقتتال بين الفصائل المتحاربة، ولكون النفط يتدفق بشكل مستقر، ولأن البلد لم تعد الملاذ الآمن للإرهابيين كما كانت من قبل. إلا أن وهم الاستقرار يمكن أن يختفي في أي وقت. لذا، من الأفضل اتخاذ خطوات مناسبة لتسهيل تشكيل حكومة شرعية يمكن لها تطوير البلاد وإنفاق الموارد بما يعود بالفائدة على جيرانها المتعثرين، وخاصة مصر وتونس. لن تكون الانتخابات في حد ذاتها حلا بالنسبة لليبيا، لكنها تحتاج إلى حكومة منتخبة بشكل شرعي لتتمكن من إدراك إمكانياتها.