ما زالت مآسي البحر الأبيض المتوسط مستمرة، مع فقدان مئات الأطفال والنساء والرجال حياتهم كل عام، بعد أن حلموا بمستقبل أكثر إشراقا في أوروبا، هربا من الانتهاكات والعنف في بلدانهم، فيما يبحث آخرون عن عمل وحياة جديدة.
وتعد رحلات عبور البحر من أخطر الرحلات في العالم، وعلى الرغم من ذلك زادت بأكثر من الضعف في النصف الأول من العام الجاري مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، بحسب وكالة الحدود الأوروبية "فرونتكس".
وما حدث يوم الأربعاء يؤكد الحاجة لتتبع مهربي وتجار البشر، إذ غرق أكثر من 70 شخصا بعد ان انقلب قارب صيد في واحدة من أعمق المناطق بالبحر المتوسط. وتشير روايات الشهود إلى أن ما بين 400 و750 شخصا كانوا مكدسين على متن قارب الصيد الذي يتراوح طوله ما بين 20 و30 مترا والذي انقلب وغرق في وقت مبكر من صباح يوم الأربعاء على بعد حوالي 50 ميلا (80 كيلومترا) من بلدة بيلوس الساحلية بجنوب اليونان.
وأحضرت السلطات اليونانية 104 ناجين وجثث 78 غريقا إلى الشاطئ في أعقاب الكارثة مباشرة، لكنها لم تعثر على أي شخص آخر منذ ذلك الحين. ويقول الصليب الأحمر اليوناني إن معظم المهاجرين كانوا من ليبيا وسوريا. ورصدت الأمم المتحدة أكثر من 20 ألف حالة وفاة واختفاء في عرض البحر المتوسط منذ عام 2014، مما يجعله أخطر معبر للمهاجرين في العالم.
ووفقا لبيانات نشرتها المنظمة الدولية للهجرة في وقت سابق من هذا الشهر، لقي نحو 3800 حتفهم على طرق الهجرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا العام الماضي، في أعلى رقم مسجل منذ عام 2017.
ويُعتقد أن قارب الصيد القديم غادر مصر ثم أخذ ركابا من مدينة طبرق الساحلية الليبية في العاشر من يونيو/حزيران. وقال الناجون الذين تحدثوا إلى السلطات اليونانية إن كلا منهم دفع 4500 دولار للسفر إلى إيطاليا. وتقول السلطات اليونانية، التي راقبت القارب على مدى 15 ساعة قبل غرقه بعدما تلقت تنبيها من روما بشأنه في اليوم السابق، إن ركابه رفضوا مرارا المساعدة قائلين إنهم يريدون الذهاب إلى إيطاليا.
وأعتقلت اليونان تسعة أشخاص يحملون الجنسية المصرية ويشتبه بأنهم مهربون وضالعون في الكارثة الأخيرة.
وفي الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، رصدت دول الاتحاد الأوروبي أكثر من 50300 عملية عبور غير نظامية عبر هذا الطريق، وهو أعلى رقم مسجل منذ عام 2017، وفقا لوكالة الحدود الأوروبية "فرونتكس".
وأضافت "فرونتكس" أن "وسط البحر الأبيض المتوسط لا يزال طريق الهجرة الرئيس إلى الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أنه شهد نحو نصف حالات الدخول غير النظامية المبلغ عنها عام 2023
وبلغ العدد الإجمالي لعمليات الدخول التي تم إبلاغ "فرونتكس" بها 102 ألف، بزيادة قدرها 12% على مدى عام.
وأوضحت "فرونتكس" أن ثاني أكثر الطرق نشاطا كان عبر غرب البلقان، مع أكثر من 30700 عملية دخول، وهو ما يمثل انخفاضا بنسبة 25 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
ولفتت إلى أن جميع طرق الهجرة باستثناء وسط البحر الأبيض المتوسط شهدت أيضا تراجعا تراوح بين 6 بالمئة في غرب البحر المتوسط و47 بالمئة عبر طريق غرب إفريقيا.
وأرجعت الوكالة الانخفاض أساسا إلى فترات طويلة من سوء الأحوال الجوية، ما جعل الرحلات الخطرة أصلا على متن قوارب غير صالحة للإبحار أكثر خطورة لكنها أضافت أن ضغوط الهجرة في المنطقة لا تزال مرتفعة، مضيفة أنه توقع زيادة نشاط المهربين في المنطقة في الأشهر المقبلة.
ووفقا لاحصاءات مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وصل عدد اللاجئين في نهاية العام الماضي إلى 19 مليون لاجئ مقارنة بنفس الفترة من عام 2021، بزيادة قدرها 21٪. وبلغ العدد الإجمالي للاجئين حوالي 108 مليون. هذا الرقم هو الأعلى على الإطلاق ويشمل النازحين داخل بلادهم وكذلك اللاجئين. وقبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011 ، كان الرقم في التقرير السنوي للوكالة ثابتًا عند حوالي 40 مليونًا، فيما أدت الحرب الروسية-أوكرانيا العام الماضي إلى نزوح 11.6 مليون شخص في أوكرانيا.
ومع كل كارثة غرق قارب في البحر، تناشد الأمم المتحدة الدول الأوروبية بأن تفتح مزيدا من قنوات الهجرة النظامية وتعزز تقاسم المسؤولية، وتضمن اتخاذ الترتيبات اللازمة لاستقبال جميع من يتم إنقاذهم في البحر بسرعة وعلى نحو يضمن لهم السلامة، وتوفير وسائل الرصد والمراقبة المستقلة للسياسات والممارسات المتعلقة بالهجرة.
وتعد اليونان إحدى الطرق الرئيسية لدخول اللاجئين والمهاجرين من الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا إلى الاتحاد الأوروبي، فيما تعتبر تونس محطة رئيسية للهجرة غير القانونية، ودعت من قبل إلى تنظيم قمة تجمع دولا من ضفتي البحر الأبيض المتوسط. وتقول السلطات التونسية إنها لن تعمل كحرس حدود للاتحاد الأوروبي.
وتشهد تونس، التي يبعد بعض أجزاء الساحل منها أقل من 150 كيلومترًا عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، باستمرار محاولات مهاجرين ومعظمهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، للتوجه إلى إيطاليا.
ويعد العنف والاقتتال الداخلي في بعض البلاد السببين الرئيسيين في الهجرة غير القانونية. ففي الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، تم إحصاء نحو مليون نازح جديد في جمهورية الكونغو الديموقراطية على خلفية أعمال عنف دامية في شرق البلاد، بالإضافة إلى نزوح أكثر من مليون طفل في الشهرين الماضيين جراء النزاع في السودان بين الجيش و"قوات الدعم السريع"، وفقا لإحصاءات المنظمة الدولية للهجرة ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف).