غيبوبة
يوصّف الكاتب الجزائري العربي رمضاني، في مدونته "دون كيشوت في شوارع الجزائر" ذكرياته في بوفاريك، في ولاية البليدة، عاكسا التحول الذي طاول الإنسان الجزائري، خلال العقود الماضية، وتحوله نحو الراديكالية الدينية، من خلال تبدّل أشكال الجمال في بلدته، إلى نظرات مخيفة من أشخاص متشدّدين، يحملون التعاليم الدينية -أيا كان فهمها- لترهيب الناس وقمعهم.
وخلال سرده يضع رمضاني ملامح الحياة الجزائرية، من خلال حديثه عن العادات والتقاليد، وأثرها في ترسيخ السجون داخل الإنسان، ويتحدّث عن الحياة الرتيبة، وانعدام الأفق، والمحاولات المشبعة بالخسارات لدى أجيال متلاحقة من الشباب، وانسداد الطريق، الذي يدفعهم إلى العمل في مجالات لا تمُتّ بِصلة للشهادات العلمية، التي يحملونها.
وينقل رمضاني، صوت الناس والكادحين، الأشخاص الذين حملتهم الحياة وألقتهم في غيبوبة مع الزمن، فصاروا في منطقة ما بين الموت والحياة، مهمّشين على جانب الطريق السريع.
ينقل الكاتب صرخة أحد الأشخاص خلال حواره معه، إذ يقول:
"كما ترى أنا خمسينيٌّ، بلا منزل أو زوجة أو راتب، أكدحُ كالبغل في ورشاتِ البناء، وأحيانا أعملُ حارسا ليليَّا في الحقول وأنام في الحمَّامات الشعبيَّة، وأتحمَّلُ الرطوبةَ والبرد وسخافةَ وإزعاجَ بقيَّة النزلاء. منذ سنوات وأنا على هذه الحال".
كما يظهر رمضاني الإحباط الذي يحمله الجزائريون من التغيير، مبينا تفاصيل محاولات التغيير السياسي، الذي همّ المواطنون إليه في الميادين، بعد عام 2011، لكنه فشل بسبب الهيمنة السلطوية، والتآمر ضد المواطنين.
وتظهر نبرة الأمل في سردية رمضاني، على استحياء، من خلال حواراته مع أصدقائه، ومن خلال تعامله مع الأشخاص المنهكين في الشوارع، الذين يصرّون على حمل الابتسامة، بالرغم من ضنك العمر.
يخرج رمضاني بهذه الخلاصة:
"نحتاجُ ثورة فكرية شاملة تزيحُ الوهمَ والتوحُّشَ وتنظّفُ العقول قبل التفكير في الإطاحة بالنظام الذي يبقى انعكاسا للمجتمع. لم تقفزْ علينا هذه الوجوهُ الكريهة من السقف أو خرجتْ من أعماق الأرض".
خدمة إلزامية
أما الكاتب أحمد م. أحمد من سوريا، ففي مدونته "عائد إلى طرطوس"، يصف الحياة في بلاده بأنها "خدمة إلزامية"، ويتساءل عن موعد انتهائها!
ويجسّد أحمد العائد من أميركا، عبثية الحياة السورية، وانحراف المقاييس اللذين جعلا الإنسان يدور حول نفسه، يحاكيها، باحثا عن ثغرة تخرجه من عتمة لا تتوقف، لكنه لا يجد مخرجا.
يكتب أحمد:
"في سوريا احترقتْ دارةُ التغذية واللوحةُ الأمُّ ومفاتيحُ التشغيل… والروحُ، وغابتِ الدفاعاتُ الحيوية، فباتتِ البلادُ مزرعة لـ اللا أمل، والموتِ البطيء اللَّذيذ".
فيما يتحدث أحمد عن زهد المواطن السوري، في الحياة، في الأكل -إن توفّر _ وعن الزهد في الحب والأخلاق، يحث تحولت الحياة إلى عيش على الكفاف.
ويسخر الكاتب من الأمل، ويسأل عنه بالنسبة إلى طالب يذهب لتقديم امتحانه، في أبرد الشتاءات، وعليه أن يدرس في العتمة، والبرد القارس، بينما يضيء، ويتدفأ بِظل شمعة، قد تحترق به وببيته، في أية لحظة.
ويستمر في السخرية من الواقع عبر حواره مع رجل يكتفي بأكل البطاطس، هو وزوجته، ليتمكنا من تعليم ابنيهما، وتوفير الأكل الجيد لهما للاستمرار. يدوخ الرجل في مكان عام، من الزهد في الأكل، ولكنه ما زال يتمسك بالأمل!
يتحدث أحمد عن الحرب وصناعتها، وتجّارها، والمتنفعين من حلبة الموت التي يزج بالسوريين فيها، ويوصف حال الناس خلال حرب استمرت لسنوات، متداخلا في سرده مع التفاصيل الصغيرة، تعكس بؤس الناس في وطنه.
يكتب:
"عن الحيادِ تجاه خَشَبةِ مسرح العبثِ أو اللامعقول السوريَّة: قراراتِ المساخرِ الحكوميَّة، تقنينِ الوقود والكهرباء والزيت والأرزِّ والخبز لدرجة أن الحشرةَ لا يمكنها الاعتياشَ على ما يرميه لنا لصوصُ الحرب!".
ويعبّر أحمد عن خيبة ظنه في العودة إلى سوريا، تلك البلاد التي يصفها بالمكان الذي لا يصلح للعيش، ويحتقر حياة الناس، ويجعل منها ظلا أسودا في العالم.
يكتب:
صورتي وأنا أبتسمُ في مدينة أميركيّة على "فيسبوك" صورةٌ كاذبة. الصورةُ الحقيقيَّة هي صورةٌ ظلّيّة -رمز صورة، شبحٌ، صورةُ رجل يرتعد في داخله".
ديليفري
لكن الكاتبة سماح البوسيفي من تونس، وعبر مدونتها "ديليفري الأمل" تنقل الطرح لمنطقة مخصصة بالمرأة في معظم الأوقات، فتقول بداية: "النساء هنا بألف رجل، يحرثن اليأس بحثا عن لقمة العيش".
وتلمح الكاتبة إلى الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المرء التونسي، وصعوبة الواقع الذي يعايشه المجتمع التونسي، فتكتب: "(هوني حد) ما يحلم أكثر من تحصيل قوته اليومي".
فيما تكشف الكاتبة عن زيف الأمل، وعدم قدرته على مجاراة الواقع، وتروسه المسننة، متناولة اليوم الذي أشعل فيه محمد البوعزيزي النار في البلاد وفي حياته، في عام 2011، وكان بؤرة لانطلاق الثورات في الوطن العربي.
وتصف الكاتبة السلطة البوليسية وسطوتها على الشباب التونسي وقت الثورة، والاعتداءات التي تعرض لها الطلاب الثائرون، وتبيّن كيف أنها هربت من فك الحوت السلطوي، الذي لاحقها خلال أحداث الثورة. وتوضح كيف خضع شعبها لأقسى الظروف في ظل نظام بن علي، فتكتب: "الشعب التونُسي تعرَّض للتهميش والتفقير والإقصاء على امتداد 23 سنة، ووحدُه الأمل الذي كان يربِّيه كلُّ فردٍ في صدره هو الذي جعل أحلام التغيير شرعية "، لكنها تعود للتساؤل: هل بعد رحيل بن علي، أصبحت تونس حرّة؟
ترى بوسيفي أن الأمل في الحياة التونسية يتجسّد في المرأة، التي تعمل في محطّة وقود، في حين يلاحقها الاستهجان والامتعاض، في مجتمع محافظ.
وتراه في خروج المرأة من عتبة البيت، وتخطيها الأسوار، أو تقويضها، عبر المحاولات المستمرة من أجل تغيير صورتها الاجتماعية، إنه الأمل "ديليفري"، مستمر في توصيل الناس.
وتكمل: "الأمل أن تعمل وتربّي طفليها، ولا تأبه لهراء الملتصقات بكراسيهن، العاجزات عن الحركة، ليغيرن واقعهن".