مع كل خطوة للتقارب بين الصين ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تشعر مجموعة الدول السبع الكبار (G7) باحتمال فقدان مواقع قدم اقتصادية وسياسية، في منطقة استراتيجية تقع وسط العالم، وتحتوي على اكبر احتياطات الطاقة والمعادن المطلوبة لصناعات المستقبل في العالم.
هل قيام تحالف جديد بين مبادرة طريق الحرير الصيني، ورؤى التنمية الاستراتيجية لعدد من الدول العربية منها "رؤية السعودية 2030"، هو مجرد مصادفة؟ وهل مصادفة أيضا أن يتطور الود الصيني العربي ايجابيات اقتصادية، في وقت تشهد العلاقات مع الشركاء التقليديين بعض النفور وكثيرا من البرودة، تنعكس سلبا على حظوظ الشركات الغربية في الاحتفاظ بأسبقية الافادة من المشاريع الاقتصادية بضغوط سياسية؟
من واشنطن إلى باريس مرورا بلندن وبرلين، هناك اقتناع بأن الشرق الأدنى يزداد كل يوم بُعدا، وبأن الحرب الروسية في أوكرانيا تُعجّل قيام نظام عالمي جديد، قد يكون على حساب القوى التقليدية ونفوذها العالمي لصالح التنين الأصفر. هل تحققت مقولة نابليون بونابرت الشهيرة: "عندما تستفيق الصين سيرتجف العالم"؟ المقصود العالم الأبيض.
طريق الحرير الجديد
اتفقت الصين والدول العربية في ختام الدورة العاشرة لـ "مؤتمر رجال الأعمال اﻟﻌﺮب والصينيين" الذي استضافته الرياض هذا الاسبوع، على "خدمة المصالح المشتركة للطرفين في إطار رؤى واستراتيجيات الدول العربية ومبادرة الحزام والطريق الصينية، بما يحقق النهضة الاقتصادية المطلوبة ويعالج صعوبات تحديات التنمية". يتبلور المعنى التنفيذي لهذا البلاغ في تكامل المصالح الاقتصادية والاستثمارية والمالية، بغطاء ديبلوماسي ناعم، وتشريعات وقوانين تُسهل عمل الفاعلين الاقتصاديين، بما يكفل تحقيق أهداف كل طرف.
وهناك رغبة من رجال الأعمال والحكومات على السواء بإعطاء الأولوية للقطاعات ذات الأهمية الراهنة مثل الطاقة المتجددة، والاقتصاد الرقمي، والصناعات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي والابتكار. وهي تقريبا القطاعات نفسها التي رصد لها الاتحاد الأوروبي 300 مليار يورو تحت اسم البوابة العالمية (Global Gateway) لمنافسة طريق الحزام الصيني في دول الجنوب ومنها الشرق الأوسط وأفريقيا. كما رصدت الولايات المتحدة 55 مليار دولار خلال القمة الأميركية الأفريقية نهاية العام المنصرم في واشنطن لتسريع التنمية والتجارة.
في نظر المراقبين، منح مؤتمر الرياض بعض الأفضلية لمشروع طريق الحرير الصيني، الذي انضمت اليه غالبية الدول العربية. وتشمل المبادرة ضخ استثمارات ضخمة لتطوير البنى التحتية والمواصلات والاتصالات والتكنولوجيا والصناعةفي أكثر من 70 دولة، بتكلفة إجمالية تصل الى تريليون دولار.
هذا لا يعني التخلي عن البرامج المنافسة، أوروبية أكانت أم أميركية، لكن الجديد هو قيام تنسيق مؤسساتي بين مبادرات الرؤى العربية ومبادرة الطريق الصينية، مما سيُضفي زخما جديدا على التعاون الاقتصادي والاستثماري بين الصين والمنطقة العربية، خاصة دول الخليج ذات القدرات الاستثمارية الكبيرة.
تجاوزت قيمة الصفقات والاتفاقيات في مؤتمر رجال الأعمال العرب والصينيين في الرياض 10 مليارات دولار #صحيفة_الشرق_الأوسط #صحيفة_العرب_الأولىhttps://t.co/O1Bbvtm6nD
— صحيفة الشرق الأوسط (@aawsat_News) June 14, 2023
وتعتزم السعودية استغلال موقعها الجغرافي وقدراتها المالية وريادتها النفطية والإقليمية، لربط البلدان العربية مع الصين بعلاقات اقتصادية أكثر متانة، بعد إطلاقها طريق حرير عصريا جديدا من شأنه تحقيق نهضة شاملة لدول المنطقة وشعوبها، وخلق فرص متنوعة وواعدة للشباب العربي، وزيادة حجم التبادل التجاري بعدما تجاوز نصف تريليون دولار.
غيرة غربية
قد لا يبدو هذا التعاون الصيني - العربي مرغوبا فيه من وجهة نظر بعض الأطراف الغربيين الذين يعتبرون كل تقارب بين بكين والمنطقة العربية إبعادا لهم من منطقة نفوذ تقليدية. وهو أمر قد لا يرضي الحلفاء التقليديين في مجموعة الدول السبع الكبار والاتحاد الأوروبي التي تسيطر على 40 في المئة من الناتج الإجمالي العالمي. وتحرص الصين من جهتها على التأكيد أنها "مهتمة بالانخراط الاقتصادي في الشرق الأوسط، وغير مهتمة بالانخراط في صراعات المنطقة"، وتنفي رغبتها في ملء أي فراغ قد تتركه الولايات المتحدة، مؤكدةً أن بكين ستدعم دول المنطقة لحل قضايا الأمن الإقليمي، وستدعم الشعوب في استكشاف مسارات التنمية بشكل مستقل. وهو تطمين ضمني للغرب على كون أهدافها اقتصادية وليست سياسية أو ثقافية. في وقت تشهد العلاقات بين بعض الدول العربية وشركائها التاريخيين نوعا من الفتور والتباعد قد يفيد الجانب الصيني، الذي طور علاقاته التجارية مع الدول العربية فزادت قيمتها 200 مليار دولار في عامين وكانت تقدر بـ 300 مليار دولار خلال فترة كوفيد-19.
وكتبت صحيفة "لوموند" ان الصين "أصبحت خلال السنتين الأخيرتين الشريك التجاري الرئيس لدول مجلس التعاون الخليجي وغدت بكين اكبر المشترين للنفط الخام السعودي وهي تحصد الفوائد السياسية لاستثماراتها الاقتصادية. وتحولت الصين إلى لاعب سياسي جديد في الشرق الأوسط".