لم يعد من السهولة القول بأنّ المتعصّبين القتلة باسم الله والدين يتكئون على نصوص دينية للقيام بممارساتهم الإرهابية، فمجمل ما يحدث يقول لنا إن هناك أشياء أخرى غير النصوص وراء كل ما حدث ويحدث.
الأسبوع الماضي حاول لاجئ سوري قتل أربعة أطفال فرنسيين باسم المسيح معتقدا أنّه سيخلّصهم من فساد الدنيا مبكرا، ولكن ما ظهر من خلفية هذا الشخص يقول لنا إنّه عاش حال اغتراب خاصّة بعد أن رُفض طلب لجوئه إلى فرنسا بسبب حصوله على لجوء سابق في السويد التي لم يرق له مواصلة العيش فيها.
هل هذا يكفي كدافع للقيام بعمل عنف؟ بالتأكيد لا، ولكن لا أحد يعرف الخلفية النفسية الأخرى لهذا الشخص منذ حياته في سوريا وصولا إلى تركيا ثم السويد.
شخصية المسيح، في الأدبيات المسيحية، تظهر متضادة مع العنف والإرهاب "من ضربك على خدّك فأعرض له الآخر، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك"، ولكن التاريخ يقول غير ذلك، كان يكفي رفع شعار انقاد المسيح أو الانتصار له لتحدث حروب شتى، حتى ما بين مذاهب الدين نفسه. وهو الحال الذي وجدناه عند المسلمين، ما إن يرفع أحدهم صوته مناديا للدفاع عن الله! حتى يحتشد مئات الآلاف، بل والملايين، وجميعهم يعتقدون أنّهم يدافعون عن الله الذي يكرّسون في كل وقت إنّه قادر وقويّ و"غني عن العباد".
كُتب التاريخ تكشف لنا أن الصراعات كانت تجري لمسائل دنيوية تحت شعار الدين، بما في ذلك ما سمّي بالحروب الصليبية، فقد رأينا، حسب ما نقل لنا منها أمين معلوف (في كتابه: الحروب الصليبية كما رآها العرب)، مسلمين يتعاضدون ضد مسلمين آخرين ومسيحيين يتنازعون فيما بينهم. وهذا ما سنجده في تصرّفات كثيرة تتنافى مع أبسط التعاليم الدينية التي يتكئ عليها المتطرّفون، كقيام شخص ينتمي لتنظيم داعش بقتل كاهن في الكنيسة الكاثوليكية لبلدة سان إتيان روفري الفرنسية عام 2012، وهي الكنيسة نفسها التي تبرّعت عام 2000 بقطعة أرض لبناء مسجد للمسلمين بعد أن بحثوا كثيرا للحصول على مكان لعبادتهم.
من المهم التفريق بين القتل المدعوم بالأيديولوجية والقتل الممارس كهواية، أو ما يشبه ذلك، فقد صار هذا النوع الأخير من القتل منتشرا في كلّ مكان ويمارسه أفراد وجماعات وأحزاب ودول
هذا التطرّف القاتل لا يقتصر على أتباع ديانات محدّدة فقد رأينا ظهوره لدى الهندوس والبوذيين وغيرهم، وبتناقض واضح مع نصوص متسامحة ومسالمة تحفل بها بعض هذه الديانات الكبرى. كما أنّه يشمل النزعات القومية والعنصرية المتطرّفة، فمن وجهة سياسية، طلبت النيابة الفرنسية لمكافحة الإرهاب بداية هذا الشهر محاكمة ثلاثة عشر رجلا وثلاث نساء بتهمة تخطيطهم لأعمال عنف ضد مسلمين بين عامي 2017 و2018 تستهدف هجمات على المساجد و"قتل مائتي إمام متطرف" وتسميم الطعام الحلال، وفي منازلهم عثرت على أسلحة نارية ومواد لتصنيع متفجرات، وهو ما اعتبرته النيابة مهدّدا "لثقافة الشعب الفرنسي وسلامته"، وصار من الواضح تنامي التحريض ضد المسلمين في أوروبا بعد الهجمات والعمليات الانتحارية التي نفذها متطرفون إسلاميون في الكثير من مدنها.
وهكذا، من المهم التفريق بين القتل المدعوم بالأيديولوجية والقتل الممارس كهواية، أو ما يشبه ذلك، فقد صار هذا النوع الأخير من القتل منتشرا في كلّ مكان ويمارسه أفراد وجماعات وأحزاب ودول، ولا غرابة من تنامي حق حمل السلاح بقوانين وتصريحات رسمية. سيقول البعض إنّ ظروف الفقر والجهل والتعليم الديني، أو التعليم السيء، أو حياة المنافي والاغتراب والاستبداد السياسي، هي ما يدفع إلى العنف والتطرّف، وهذ صحيح في بعضه، لكن القتل لم يعد في إطار لنشخّصه بعد أن انفلت تماما، وصار يبدو حروبا صغيرة متولّدة من حروب كبيرة، إنّه معاش يومي نراه كلّ يوم في الشارع ونشاهده في الأفلام والمسلسلات دليلا على شجاعة وإقدام وقدرة. وهو بذلك أحد معالم الانفجار التواصلي، ولا أقول المعلوماتي المعرفي، إذ صارت حدّية الألفاظ والاستهانة والتنمر مرافقة لأي نقاش.
هل يعني هذا أنّه قد تُرك الحبل على الغارب، كما يقول العرب؟
قد تحدّ بعض القوانين من أعمال العنف وتناميه على كل المستويات، كما قد تساهم التوجهات الأخرى في التربية والتعليم والتثقيف والرياضة والفنون والآداب والسياسة في ذلك
قبل أيّام رأيت شخصين في حافلة نقل عام، في مدينة فرنسية، وهما يتشاتمان بكلمات حادّة، أحدهما كان أكثر غضبا في الفاظه، لكنّه كان يكتفي بالاقتراب من الآخر فقط، ولا يمدّ يده ليعنّفه، إنّه يعرف القانون الذي لن يتساهل معه وقد يدخل السجن بسبب أي اعتداء بسيط.
لهذا، قد تحدّ بعض القوانين من أعمال العنف وتناميه على كل المستويات، كما قد تساهم التوجهات الأخرى في التربية والتعليم والتثقيف والرياضة والفنون والآداب والسياسة في ذلك، إلا أنّ من المؤكّد أن هناك أشخاصا، ولأسباب كثيرة خاصّة بهم، تنفلت منهم الأيدي والصفعات، وربما التفجيرات، غير مبالين بعقوبة أو بحياة.