طوال النصف الثاني من القرن العشرين تعايشنا مع فكرة مفادها حتمية انهيار، أو سقوط، الإمبريالية الأميركية، وأن المستقبل للتقدم والاشتراكية، وذلك بفضل، أو بواسطة، رافعة تاريخية تتمثل في منظومة الدول الاشتراكية، وعلى رأسها الاتحاد السوفياتي.
المفاجأة، فيما بعد، لم تكمن فقط في سقوط تلك الفكرة، وإنما أيضا في حقيقة أن الاتحاد السوفياتي هو الذي انهار، أو تفكّك، من تلقاء ذاته، أي من دون فعل داخلي أو خارجي، وأن معظم الدول التي كانت متمثلة في تلك المنظومة انحازت نحو الغرب في علاقاتها الدولية، ونحو الديمقراطية- الليبرالية في نظمها السياسية، ونحو الرأسمالية في الاقتصاد؛ بل إن هذه الحيثية الأخيرة تشمل الصين، التي تحولت إلى رأسمالية، بقيادة الحزب الشيوعي.
هكذا، بينت التجربة أن تلك الفكرة كانت نتاج عقلية آيديولوجية مغلقة، منفصمة عن الواقع ومعطياته، ونتاج نزعة إرادوية مبنية على الأوهام، وليس على الحقائق والإمكانيات، وهو ما يمكن ملاحظته اليوم، أيضا، في المراهنات التي تبنى على صعود مجموعة "بريكس" (الصين وروسيا والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا)، كمنافس للغرب، من كل النواحي، أي في السياسة والاقتصاد، والأمن.
وللعلم، فإن كل تلك المراهنة يعتورها كثير من السلبيات، أو المعيقات. إذ هي، مثلا، تستند إلى صعود الصين وحدها، في العقدين الماضيين، ولا تلاحظ أن مجموعة "بريكس" تلك بالكاد تتدبّر أمورها مع سكان يناهز عددهم 3.2 مليار نسمة، أي أكثر من ثلث عدد سكان العالم. أما روسيا فتخضع لعقوبات مشددة اقتصاديا وعلميا وتكنولوجيا، من قبل الغرب، وهذا يشمل الصين في مستوى معين، ما يشكل عامل ضغط عليهما، وكبحا لنموهما، وأن الهند، وهي ثاني أهم قطب في "بريكس"، هي جزء من تحالف "كواد" مع الولايات المتحدة وأستراليا واليابان.