"هل يبذر الملح من يرتجي القمح"
أمل دنقل من "سفر التكوين"
تعرّض الاقتصاد السوري إلى خسائر مرعبة خلال فترة النزاع، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022 أقل من ثلث قيمته في عام 2010، وتجاوز إجمالي الخسائر الاقتصادية، بما فيها الفرص الضائعة، خلال الاثني عشر عاما 700 مليار دولار أميركي أي أكثر من 35 ضعف الناتج المحلي لعام 2022 (التقديرات في هذا المقال تستند إلى المركز السوري لبحوث السياسات).
وتشمل هذه الخسائر التدهور في القيمة المضافة المنتجة سنويا، بالإضافة إلى الخسائر المرتبطة بالثروة المتراكمة أو رأس المال التراكمي. هي خسائر دمرت عقودا من العمل والثروة وتحتاج لعدة أجيال لإعادة البناء، آخذين بعين الاعتبار أن هذه التقديرات محافظة؛ حيث استندت إلى القيمة الحقيقية التاريخية وليس القيمة الاستبدالية لرأس المال وفق الأسعار والشروط التقنية الراهنة، كما أنها لا تشمل الخسائر المستقبلية المقدرة نتيجة الأضرار التي لحقت بالاقتصاد أو الأضرار التي لحقت بالبيئة نتيجة الحرب.
ترافق تدهور الناتج الاقتصادي ودمار أو تعطل رأس المال التراكمي بما في ذلك البنية التحتية والتجهيزات مع اختلالات اقتصادية كبرى أبرزها تراجع المشاركة في النشاط الاقتصادي ووصول معدلات البطالة إلى أكثر من 40 في المئة حيث خسر الملايين فرص عملهم بالإضافة إلى غياب شروط العمل اللائق، كما قارب عجز الميزانية العامة 50 في المئة من الناتج المحلي مع اضمحلال الإيرادات العامة وتدهور الإنفاق العام باستثناء الإنفاق العسكري مما راكم دينا عاما غير مسبوق يفوق 250 في المئة من الناتج المحلي لعام 2022، هذا العبء سيلتزم الأجيال المستقبلية بسداده لعقود قادمة.
ومع تلاشي الصادرات وزيادة الاعتماد على الاستيراد تجاوز العجز التجاري 40 في المئة من الناتج وانعكس ذلك في سقوط حر لقيمة الليرة السورية لتصل إلى 8500 ليرة للدولار حاليا مقابل 47 ليرة للدولار عام 2010. وترافق ذلك مع معدلات تضخم جامح حيث تضاعفت الأسعار بأكثر من 100 مرة في نهاية 2022 مقارنة بعام 2010 وترتب على ذلك تآكل حاد للقوة الشرائية لدخول السوريين ومعاناة غالبيتهم من الفقر واعتماد الكثيرين على المساعدات الإنسانية.