حراك فرنسي جديد لإنهاء محنة لبنانhttps://www.majalla.com/node/293476/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D9%83-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D9%8A-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF-%D9%84%D8%A5%D9%86%D9%87%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D8%AD%D9%86%D8%A9-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86
لم تتوانَ الإدارة الفرنسية عن إطلاق أفكار ومبادرات حول لبنان رغم سلسلة الإخفاقات منذ أغسطس/آب 2020 بعد كارثة تفجير مرفأ بيروت.
ولم يؤد الفشل حديثاً في مسعى تمرير معادلة سليمان فرنجيه- نواف سلام، داخلياً وخارجياً، إلى الانطواء بل إلى الإصرار على لعب دور مواكبة الاستحقاق الرئاسي من خلال تعيين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزير خارجيته السابق جان إيف لودريان موفداً خاصاً إلى لبنان، وذلك في محاولة جديدة لتفكيك العقدة في أسوأ أزمة متعددة الأبعاد تشهدها "بلاد الأرز".
ويمكن الإحاطة بالموقف الفرنسي بشكل أفضل عبر مراقبة مجريات تكليف لودريان بالملف اللبناني وما إذا كان التغيير في المضمون أم في الشكل، وذلك بعد جلسة 14 يونيو (حزيران) للبرلمان اللبناني، والتي على الأرجح لن يتم فيها انتخاب رئيس جديد.
ومهما تكن توجهات الرئاسة الفرنسية في المرحلة القادمة، فإن باريس تملك ورقة هامة كون فرنسا هي القوة الخارجية الوحيدة المتابعة عن كثب والمهتمة بملف معقد، لكن ذلك لا يعدّ كافياً إذا لم يكن هناك من تصحيح للمسار قبل تسجيل فشل جديد لا تتحمله فرنسا ولا يتحمله لبنان.
مهما تكن توجهات الرئاسة الفرنسية في المرحلة القادمة تملك باريس ورقة هامة كون فرنسا هي القوة الخارجية الوحيدة المتابعة عن كثب والمهتمة بملف معقد، لكن ذلك لا يعدّ كافياً إذا لم يكن هناك من تصحيح للمسار قبل تسجيل فشل جديد لا تتحمله فرنسا ولا يتحمله لبنان
المسألة اللبنانية إحدى أولويات باريس
تهيمن الحرب في أوكرانيا على الأجندة الدولية والعمل الخارجي للاتحاد الأوروبي، لكن المسألة اللبنانية تبقى إحدى أولويات باريس التي تطمح للحفاظ على دور المنسق الدولي لإدارة الأزمة اللبنانية، خاصة أنها تخشى انهيار الدولة في بلد يعاني من تآكل اقتصادي كامل. بلد بلا رئيس جمهورية منذ سبعة أشهر ونيف، وتسيره حكومة مستقيلة.
ولذا حثت الدبلوماسية الفرنسية الأطراف اللبنانية على "تحمل المسؤولية لتسهيل انتخاب رئيس جديد بسرعة وتشكيل حكومة كاملة قادرة على تنفيذ الإصلاحات التي يحتاجها لبنان بشدة".
وتكرر نفس الكلام في الإعلان السعودي- الأميركي- الفرنسي المشترك في سبتمبر (أيلول) 2022، والذي ركز أيضا على أهمية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، و"ضرورة تطبيق الحكومة اللبنانية لأحكام قرارات مجلس الأمن الدولي 1559 و1701 و1680 و2650 والاحترام الدقيق لاتفاق الطائف".
وفي اتجاه هذا الجهد نفسه انضمت جمهورية مصر العربية ودولة قطر إلى لقاء خماسي لمتابعة الملف اللبناني. ومنذ المداولات الأولى واجتماع باريس الخماسي في فبراير/شباط الماضي، استندت باريس في قيادة إدارة الملف إلى "دعم أميركي مبدئي يقترب من عدم الاهتمام"، وركزت على إقناع الرياض بالمشاركة بشكل أكبر في الملف اللبناني.
لكن المملكة العربية السعودية، انطلاقا من تجارب سابقة، أوضحت أنها ترفض التدخل في التفاصيل اللبنانية، وتتمسك بموقفها المبدئي الذي لا يهتم بأسماء المرشحين للانتخابات الرئاسية، بل ببرنامج والتزام إعادة بناء الدولة اللبنانية والقيام بالإصلاحات اللازمة.
في هذه الأثناء كان الشغور الرئاسي يستمر، نظرا لاستمرار ربط لبنان بعجلة المحور الإيراني وإصرار "حزب الله" على ديمومة نفوذه في دوائر القرار، مستفيدا كذلك من الانقسام الداخلي الحاد في مجلس نيابي لا توجد فيه أكثرية حاسمة.
وهذا الاستنتاج قاد "خلية الإليزيه" للاستمرار في النهج المتبع نفسه منذ زيارتي الرئيس إيمانويل ماكرون إلى لبنان في العام 2020، والذي يعتمد مقاربة برغماتية تقر بالأمر الواقع وتمنح الأولوية للحوار مع "حزب الله".
وبالرغم من أن هذه السياسات ساعدت على إعادة منح شرعية للمنظومة القائمة في انتخابات 2022 وربما أسهمت جزئياً في التوقيع على "اتفاق الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل"، وقيادة مجموعة "توتال كونسورتيوم" للتنقيب عن الغاز الموعود. لكن الاستعصاء الداخلي بقي على حاله و"حزب الله" أراد أيضا الاستفادة من ظروف الانفراج الإقليمي لكي يعزز سيطرته في لبنان.
وفي هذا السياق اقترح الفريق الفرنسي المكلف بالملف اللبناني أن يتم التوافق على مرشح "حزب الله" للرئاسة الوزير السابق سليمان فرنجية، وذلك في إطار سلة متكاملة تشمل تسمية نواف سلام (المحسوب على المعسكر المقابل) رئيسا للحكومة مع تعهدات بعدم التعطيل والوصول إلى الإصلاحات.
المسألة اللبنانية تبقى إحدى أولويات باريس التي تطمح للحفاظ على دور المنسق الدولي لإدارة الأزمة اللبنانية، خاصة أنها تخشى انهيار الدولة في بلد يعاني من تآكل اقتصادي كامل، بلد بلا رئيس جمهورية منذ سبعة أشهر ونيف، وتسيّره حكومة مستقيلة
لكن هذا الاقتراح لم يحظ بترحيب من باقي اعضاء اللقاء الخماسي، ومرة أخرى لم تتطابق حسابات باريس مع الوقائع اللبنانية "القاسية"، إذ إن "الأضداد المسيحيين" (سمير جعجع، وجبران باسيل، وسامي الجميل) كما غالبية القوى المسيحية والسيادية رفضت هذا الاقتراح، واتضح لباريس حجم الصعوبات والخروج من الركود بعد زيارة البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى الفاتيكان وباريس، وبعد نجاح المعسكر المعارض لـ"حزب الله" في "التقاطع التوافقي" على اسم الوزير السابق جهاد أزعور. ومن هنا كان قرار ماكرون بتغيير إدارة الفريق المكلف بمتابعة الملف اللبناني.
دلالات تعيين لودريان موفداً خاصاً
ونظراً لخطورة استمرار الوضع القائم، قرر الرئيس إيمانويل ماكرون تعيين وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان موفداً شخصياً إلى لبنان، حيث إنه تعامل طويلا مع الملف وله خبراته وصلاته اللبنانية والإقليمية خصوصاً مع المملكة العربية السعودية.
وحسب مصدر دبلوماسي فرنسي فإن "تعيين لودريان يعكس الأولوية التي توليها فرنسا للوضع في لبنان ومشاركتها في مساعدة لبنان والشعب اللبناني على الخروج من هذه الأزمة".
ويُعتبر لودريان الرجل المناسب للعب هذا الدور، إذ تميز خلال توليه وزارتي الدفاع والخارجية بمزيج من "العناد"، و"الواقعية"، حسب وصف أحد المقربين منه.
كما أن جان إيف لودريان يعرف لبنان جيداً وهو أول من وضع إصبعه على الجرح في يوليو/تموز 2020، عندما قال: "على اللبنانيين مساعدة أنفسهم حتى يساعدهم العالم". وبصراحته المعهودة قال الوزير السابق في ديسمبر/كانون الأول 2020 أن "الانهيار السياسي والاقتصادي في لبنان يشبه غرق سفينة "تيتانيك" لكن من دون موسيقى".
وقبل مغادرته الكي دورسيه إثر انتخاب ماكرون من جديد في أبريل/نيسان 2020، تسربت انتقادات من الوزير المغادر لعمل خلية الإليزيه حول كثير من الملفات (علماً أن السياسة الخارجية من الميادين الحصرية للرئيس) ومنها الملف اللبناني.
وبالفعل خلال حكم الرئيس إيمانويل ماكرون، لم يكن هناك تنسيق محكم وتكامل بين فريق الرئيس ووزارة الخارجية. ولذا ربما يمثل تعيين لودريان موفداً إلى لبنان إشارة إلى تغليف إمكانية التراجع عن الترويج لمعادلة فرنجية- سلام، وخطوة على طريق تصحيح المسار أو تعديل السياسة المتبعة.
اقترح الفريق الفرنسي المكلف بالملف اللبناني أن يتم التوافق على مرشح "حزب الله" للرئاسة الوزير السابق سليمان فرنجية، وذلك في إطار سلة متكاملة تشمل تسمية نواف سلام (المحسوب على المعسكر المقابل) رئيسا للحكومة مع تعهدات بعدم التعطيل والوصول إلى الإصلاحات
إزاء الانقسام العمودي في لبنان وتخوف باريس من اضطراب الوضع والحرص على الاستقرار، سيعمل لودريان على تدوير الزوايا، وسيقترح على الأرجح خيار "المرشح الثالث" الذي يطمئن الجميع ويعطي ضمانات بشأن الإصلاحات وبدء ورشة الإنقاذ.
وتندرج هذه المهمة في سياق التصميم الفرنسي على عدم التخلي عن لبنان والعمل على منع انهياره، ويرتبط ذلك من دون شك بالمصالح الفرنسية الاقتصادية والاستراتيجية والتاريخية، نظراً لموقع لبنان الجيوسياسي في منطقة حساسة وحيوية.
وفي كل الأحوال، تبدو مهمة لودريان صعبة لكنها ليست مستحيلة إذا اقترنت بأفكار جديدة ومزيد من الجرأة في تسمية الأشياء بأسمائها وتحديد المسؤول عن الاستعصاء وتعطيل الدولة.