تحيي منظمة العمل الدولية اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال في 12 يونيو/حزيران من كل عام، ومع تردي الأوضاع الاقتصادية العالمية التي أثرت بشدة في المجتمعات العربية، وزادت الحرب الروسية الأوكرانية الفقر بلة، ناهيك عن الحروب والنزاعات في الدول العربية. وقد شكّل هذا كله أسبابا رئيسة لتفاقم عمالة الأطفال الذين اغتيلت براءتهم ليخرجوا إلى سوق العمل في سن مبكرة بدل أن يحاطوا بالأمان والفرح في منازلهم ومدارسهم.
صار الأطفال العاملون مشهدا عاديا في دول كثيرة، مع ما لهذه الظاهرة من انعكاسات سلبية على المجتمع عموما والأطفال خصوصا. سنوات بل عقود من العمل مرت على مناهضة عمالة الأطفال بالمبادرات والقوانين، واندفاع كثير من الدول إلى اتخاذ مواقف حازمة ضد عمل الأطفال، وتصديقها على كثير من الاتفاقات الدولية المتعلقة بحماية الأطفال من الاستغلال الاقتصادي وصولا إلى أهداف التنمية التي تضعها الدول العربية في سياساتها الاقتصادية والاجتماعية. إلا أن عددهم في تزايد، ولاسيما في المهن الصعبة، عدا عن المخاوف من استغلال حاجتهم وضعفهم من أجل تحقيق مصالح شخصية.
ارتفعت نسبة عمالة الأطفال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عموما، بسبب النزاعات والحروب والنزوح الجماعي على مدار العقد الماضي
منظمة العمل الدولية
الأرقام إلى ارتفاع
منذ 2002، تروج منظمة العمل الدولية لـ"يوم مكافحة عمل الأطفال"، بهدف تركيز الاهتمام على حجم انتشار هذه الظاهرة وتعزيز الجهود اللازمة للقضاء عليها. كذلك يدعو الهدفان السابع والثامن من أهداف التنمية المستدامة التي أقرها قادة العالم عام 2015 إلى "اتخاذ تدابير فورية وفاعلة للقضاء على السخرة وإنهاء الرق المعاصر والإتجار بالبشر لضمان حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال واستئصاله، بما في ذلك تجنيدهم، والقضاء على عمل الأطفال بأشكاله كلها بحلول عام 2025".
ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن ليست وليدة اللحظة، على الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية، إلا أن الواقع يشي بمعدلات مخيفة، خاصة منذ دخلت اليمن دوامة الحرب في العام 2014. ارتفعت معدلات عمالة الأطفال إلى أكثر من ثلاثة أضعاف.#اليوم_العالمي_للطفولة#خيوطhttps://t.co/CGmMNSrJuD
وتشير الإحصاءات إلى عودة ظاهرة عمالة الأطفال الى الارتفاع بشكل كبير خلال الأعوام الأخيرة في الدول العربية وشمال افريقيا عموما، بسبب موجات عدة من الحروب والنزاعات المسلحة واللجوء والنزوح الجماعي، وهو ما أثر على أكثر من نصف هذه الدول التي تشمل العراق والأردن ولبنان وليبيا والصومال والسودان وسوريا وتونس والضفة الغربية وقطاع غزة واليمن. يضاف إلى ذلك المشاكل الاجتماعية والتفكك الأسري وهشاشة الاقتصاد ونقص فرص التعليم.
ويوضح تقرير لمنظمة العمل الدولية أن آثار الصدمات الاقتصادية الأخيرة والاضطرابات السياسية أدت إلى تفاقم مستويات عمل الأطفال عما كانت عليه في السابق، كما تسببت في قلب مسار التقدم الذي كانت البلدان العربية قد أحرزته في مكافحة عمل الأطفال من خلال سياسات وإجراءات عملية كانت قد وضعتها.
وأضاف: "كما هي الحال في كل أنحاء العالم، كانت النساء والأطفال أشد المتضررين من النزاع في المنطقة. ونتيجة لذلك، برزت مشكلة عمل الأطفال لتكون أهم المسائل المتعلقة بحماية الطفل في المنطقة، والتي تتطلب اهتمامنا واتخاذ إجراءات عاجلة".
استعباد الأطفال بالملايين
وأفاد التقرير بوجود نحو 160 مليون طفل عامل في العالم، يعمل كثير منهم بدوام كامل وفي ظروف بائسة في معظم الاحيان. هذا ويعمل أكثر من نصفهم في بيئات خطيرة أو يعاني من الاستعباد وغيره من أشكال العمل الجبري والأنشطة غير المشروعة بما في ذلك تهريب المخدرات والدعارة، وكذلك التورط في النزاعات المسلحة.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يوجد حاليا قرابة 9,2 ملايين طفل عامل (8,4 في المئة من العدد الإجمالي في العالم)، تحاصرهم ظروف الفقر وانتشار البطالة وتدني جودة التعليم، مما يؤدي إلى تسربهم المبكر من المدرسة. ومعظم هؤلاء الأطفال يعمل في الزراعة، ونحو 57 في المئة منهم في أعمال خطيرة.
وقد شهد العقد الماضي تقدماً كبيراً في مكافحة عمل الأطفال في المنطقة العربية، إذ صدّقت الدول العربية كلها تقريباً على أهم اتفاقات منظمة العمل الدولية الخاصة بعمل الأطفال، وأبدت التزاماً بمواجهة هذه الآفة، وطبق كثير منها تدابير لحماية الأطفال كرفع الحد الأدنى لسن العمل.
كما وضعت دول عربية كثيرة تشريعات وقوانين وقرارات متعددة تستهدف القضاء على عمالة الأطفال. كذلك أقرت كثيرا من الخطط لتقليص نطاق هذه الظاهرة وصولاً إلى التخلص منها تماماً بحلول سنة 2025.
ويشير تقرير صدر عن جامعة الدول العربية إلى أن الأطفال في الدول العربية التي تشهد أعلى معدلات الفقر يعملون لساعات طويلة، في حين تنخفض النسبة في الدول العربية ذات الاقتصادات المزدهرة، ويرجح معدو التقرير أن الحروب والنزاعات ساهمت في انتشار ظاهرة التسرب من التعليم للانخراط في سوق العمل.
يوجد حاليا نحو 9,2 ملايين طفل عامل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (8,4 في المئة من العدد الإجمالي في العالم)، تحاصرهم ظروف الفقر وتدني جودة التعليم، مما يؤدي إلى تسربهم المبكر من المدرسة
"صبي مكوجي"... و "فجلة"
في مصر، تقدم عضو مجلس النواب أيمن محسب قبل شهرين بطلب إحاطة موجه إلى وزير القوى العاملة بشأن غياب الرقابة والتفتيش على عمالة الأطفال في الأعمال والصناعات الخطيرة، ومن بينها تصنيع الزجاج، وهو ما يعد انتهاكاً للحقوق التي أقرها الدستور والقانون لصالح الطفل المصري بحظر تشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر.
وأكد محسب أن الحكومة لا تمتلك توثيقاً حديثاً لعمالة الأطفال. فآخر مسح قومي بهذا الخصوص أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2010 أعلن أن هناك 1,6 مليون طفل عامل في مصر، يتعرض 82,2 في المئة منهم إلى العمل في ظروف سيئة وغير آمنة.
مينا (14 عاماً)، يعمل "صبي مكوجي" في محافظة أسيوط، نزح إلى القاهرة قبل عام هو وابن عمه للعمل معا في محل "مكوجي" (مغسلة ملابس)، وفي الوقت نفسه، يدرس في الصف الثاني الإعدادي، بنظام التعليم المنزلي، ويعتمد هذا المسار على التعلم الذاتي للطالب. فبعد تسجيل الطالب إلكترونياً تسلمه الوزارة الكتب والمواد التعليمية التي يحتاج إليها، ويدرسها بنفسه ويتقدم إلى الامتحانات نهاية السنة. يتقاضى مينا نحو 1500 جنيه شهرياً يحتفظ بجزء منها إلى جانب البقشيش الذي يحصل عليه ويرسل الجزء الأكبر إلى والده الذي يعول شقيقين أصغر منه لا يزالان في المدرسة. يعملمينا وينام ويراجع دروسه في مكان العمل.
حال مينا لا يختلف عن عبد الرحمن وشهرته "برميل" (12 عاما)، الذي تخلى عن تعليمه ليعمل في مخبز المطرية بعدما غادر قريته في محافظة المنيا إلى القاهرة لزيادة دخل الأسرة. ورغم صغر سنه، يدير أمور المخبز في غياب صاحبه.
أما محمد وشهرته "فجلة" (11 عاماً)، فيعمل في ورشة لإصلاح السيارات، مقابل 1200 جنيه شهرياً يأخذ القليل منها ويرسل النصيب الأكبر إلى والده الذي يعمل حمالا في محل، ليعينه على ظروف الحياة القاسية.
معظم الأطفال العاملين تتفاوت أوضاعهم الاجتماعية بين الفقر والمستوى المتوسط، وهم أسرهم في تكاليف المعيشة، وجميعهم تتشابه ظروفهم الصعبة بسبب الأوضاع الاقتصادية والجهل وكثرة الإنجاب.
يشار إلى أن مصر أقرت الكثير من القوانين التي تنص على منع عمالة الأطفال أو تنظمها، لكن الواقع يؤكد أن معدل عمل الأطفال في مصر أعلى بكثير في المناطق الريفية، ولا سيما في المحافظات الريفية الواقعة على الحدود. ويمثل قطاع الزراعة أكثر القطاعات استقطاباً لعمالة الأطفال بنسبة 63 في المئة، أما قطاع التعدين والتشييد والصناعات التحويلية فيضم 18,9 في المئة من إجمالي عمالة الأطفال، فضلاً عن قطاع الخدمات الذي يضم 17,6 في المئة وفق دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.
مع كل ما سبق، هل ستتمكن الدول العربية من القضاء على عمالة الأطفال نهائيا بعد عامين كما وعدت في خططها من دون معالجة الأزمات المترتبة على ظواهر التهجير واللجوء والصراعات العسكرية؟