قبل عشرين عاما من تولي صدّام حسين رئاسة العراق، تورط في محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي عبد الكريم قاسم عام 1959. وحين أخفقت المحاولة، شقّ طريقه هاربا إلى سوريا المجاورة، وحاول الالتحاق بكلية الحقوق في جامعة دمشق. نظر الدكتور أحمد السمّان، رئيس الجامعة الذي تلقّى تعليمه في جامعة السوربون، إلى سجل صدام الأكاديمي الرديء ورفضه بلطف، ناصحا إياه أن يبحث عن مكان آخر يتابع فيه التعليم العالي. فصرخ صدام غاضبا: "لكنني من الموالين للرئيس جمال عبد الناصر". كانت سوريا في ذلك الوقت جزءا من الجمهورية العربية المتحدة، التي وحّدت لزمن قصير بين سوريا ومصر برئاسة جمال عبد الناصر. ابتسم السمان بأدب، وأجاب: "إذن دعه يسجلك في جامعة القاهرة إن شاء. هذه جامعة دمشق وتاريخنا يمنعنا من قبول أي شخص لا يرقى إلى معاييرنا".
في ذلك الوقت، كانت الجامعة تبلغ من العمر 37 عاما فحسب، لكن أحمد السمّان كان يعلم أنها أفضل مؤسسة باللغة العربية للتعليم العالي في الشرق الأوسط. هذا العام، مضى على إنشاء جامعة دمشق 100 سنة، على الرغم من أنها في الواقع أقدم من ذلك عهدا بعشرين عاما، إذ تأسست أول مرة ككلية للطب في عهد السلطان عبد الحميد الثاني عام 1903.
كلية الطب في دمشق
كان قرار السلطان بإنشاء مدرسة طبية من الدرجة الأولى في دمشق نتيجة مباشرة لإعجابه بالمدينة، التي أطلق عليها العثمانيون اسم "شام شريف"، لكن الأهم من ذلك أنه كان يدرك الحاجة الملحة لدعم كلية الطب التي تديرها الدولة في إسطنبول، لتحدي الجامعتين الخاصتين في بيروت: الجامعة اليسوعية، والمدرسة التبشيرية المرموقة التي يديرها الأميركيون: الكلية السورية البروتستانتية (التي عُرفت لاحقا باسم الجامعة الأميركية في بيروت).
كانت الدراسة في أي من هذه الجامعات الثلاث مكلفة بالنسبة إلى السوريين المحليين ولم تكن تحظى بجاذبية شديدة لدى المسلمين المحافظين، الذين كانوا يشعرون بالاستياء من تلقيهم التعليم على أيدي رجال دين مسيحيين. وكان يجب على الطلاب القادمين من دمشق الإقامة في مساكن الطلبة أثناء وجودهم إما في بيروت وإما في إسطنبول؛ لذلك كانت فكرة إنشاء معهد في دمشق مناسبة للغاية، حيث إنه سيريح السوريين من المصاعب وكلفة السفر.