أول مغنية أوبرا سعودية: أنتمي إلى مشروع التحديث الثقافيhttps://www.majalla.com/node/293386/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%A3%D9%88%D9%84-%D9%85%D8%BA%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%88%D8%A8%D8%B1%D8%A7-%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D9%86%D8%AA%D9%85%D9%8A-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%B4%D8%B1%D9%88%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D9%8A
فاجأت الفنانة الثلاثينية سوسن البهيتي الجمهور السعودي والعربي عام 2019 بتقديم السلام الوطني السعودي بطريقة أوبرالية في افتتاح الحفل الذي حمل اسم "رحلة أوبرالية".
نجحت المغنية في استجلاب ردة فعل حماسية وصاخبة، شكلت مفتاحا لقبول الأذن السعودية لهذا النوع الجديد من الفن، وعزّزت مشروع الدفع بالمرأة السعودية إلى واجهة الحدث الثقافي واحتلال موقع الريادة والصدارة فيه.
لطالما كان استقبال الفن الأوبرالي عربيا بشكل عام سلبيا ومشوبا بسوء التقدير والتهكم. قد تكون تجربة اثنين من كبار الأوبراليين العرب مثل اللبناني محمد البكار والمصري حسن كامي واضحة في دلالتها على سوء استقبال هذا النوع من الفن. البكار نادرا ما يذكر وقد ظهر كامي، وهو صاحب تجربة أوبرالية عريضة في إطار ساخر، ومثّل في أفلام يحضر فيها الغناء الأوبرالي بصورة كاريكاتورية.
اختلف المشهد كثيرا في الآونة الأخيرة، وعرفت الساحة العربية ظهور تجارب أوبرالية مختلفة ومتنوعة، تعيد إحياء العلاقة العربية مع هذا النوع المتطلب والصعب من الغناء.
فن الأوبرا تأسس في إيطاليا في القرن السادس عشر، ودخل إلى العالم العربي مع دار الأوبرا المصرية الخديوية التي افتتحت عام 1871 بعرض "أوبرا عايدة" للموسيقار الإيطالي المعروف جوزيبي فيردي.
استجاب الجمهور السعودي بشكل مدهش للغناء الأوبرالي وأبدى إعجابه بالقدرات الصوتية العالية التي يبرزها، ولكنه جمهور محب للكلمة لذا فإن تقديم الأوبرا بالعربية سيساهم في تقريبها من المزاج العام وزيادة شعبيتها
سوسن البهيتي
حاليا تحفل الساحة الأوبرالية العربية بمجموعة أسماء نسائية مثل زينة برهوم من الأردن، وأماني الحجي من الكويت، وأميرة سليم من مصر، واللبنانية هبة قواص.
ما يمنح تجربة البهيتي خصوصيتها أنها حرصت على طرحها من خلال العمل على تقريب هذا الفن من مزاج جمهور يقيم وزنا كبيرا للغة.
تناولت الفنانة الشابة العمل الأكثر ألفة وانتشارا في الوسط السعودي وهو السلام الوطني بما يحمله من قيمة معنوية وعاطفية عالية، تجعل من التعامل معه وتطويعه لمتطلبات الغناء الأوبرالي، مهمة شديدة الخطورة والحساسية.
طريقة الأداء التي اختارتها خرجت الى النور في إطار رؤية فنية خاصة، تدافع عن فكرة الانسجام بين طبيعة اللغة العربية الصوتية ومتطلبات الغناء الأوبرالي، وتؤمن أن المزاوجة بينهما يمكن أن تنتج أعمالا فنية تقرّب الأذن السعودية خصوصا والعربية عموما من هذا النوع الخاص من الغناء.
حول هذه التجربة وواقع الغناء الأوبرالي وخصوصيته، ومدى تقبل الأذن السعودية له، ومشاريع التدريب على مهارات الصوت، وموجة التحديث الثقافي الشاملة التي تخوضها الإدارة السعودية، وارتباطها بتفعيل حضور المرأة السعودية في المجال العام وغيرها من العناوين، كان لـ "المجلة" لقاء مع الفنانة السعودية.
قوة التعبير
تقدم البيئة السعودية والعربية غناء شرقي الملامح، يخالف في طبيعته وطرق أدائه الغناء الأوبرالي، وكذلك فإن التنشئة الموسيقية للبهيتي التي تعلمت العزف على الغيتار وأغرمت في مرحلة من حياتها بموسيقى الروك والبوب لا تقدم تفسيرا واضحا للانتقال المفاجئ إلى مجال موسيقي وغنائي مختلف تماما في كل تفاصيله.
تشرح البهيتي دوافع هذا التحول معتبرة أن "طريقة استخدام الصوت في الغناء الأوبرالي تتيح اطلاق قوة تعبيرية كبيرة، كما أن صعوبة إتقانه تفرض تحديا ممتعا. لم أجد كل هذه العناصر في الأنواع الأخرى من الغناء، لذلك أشعر أن غناء الأوبرا يعبر عني".
تمكين صورة المرأة السعودية كان الدافع الأساسي وراء خيار احتراف فن الأوبرا، لأنه فن يجمع بين الشهرة العالمية والرقي والفخامة، ويربط كل هذه العناوين بصورة المرأة السعودية وصورة المملكة
سوسن البهيتي
السلام الوطني أوبراليا
يتعامل أي شعب مع سلامه الوطني بقدر كبير من الفخر والحساسية التي قد تعيق تناوله الفني وتثبت إلى حد كبير طريقة تقديمه وأدائه. تجربة البهيتي في تقديم النشيد الوطني السعودي كانت مغامرة فنية وعاطفية.
تنظر البهيتي إلى الموضوع من زاوية مغايرة تعتبر "أن الحساسية قد تنشأ في حال تم تغيير لحن النشيد الوطني أو كلماته، ولكنها لا ترتبط إطلاقا بطريقة الغناء. لست أول من يغني النشيد الوطني بطريقة مختلفة، لكنّ ردة فعل الجمهور غلب عليها الاحتفاء والإعجاب بالأداء. والسبب في ذلك يعود إلى أن أسلوب الغناء الأوبرالي أقرب إلى الأسلوب الكلاسيكي في الغناء، وهو الأسلوب المعتمد في غناء أي نشيد وطني في العالم".
تشهد المملكة العربية السعودية ورشة تحديث شاملة في المجالات كافة وبشكل خاص في الميدان الثقافي حيث يسود طابع المأسسة والدفع في اتجاه الاتقان والاحترافية.
تعتبر البهيتي نفسها نفسها جزءا من عملية التحديث الشاملة من خلال افتتاحها لاستوديو يقدم تدريبا شاملا على كل مهارات الصوت.
تقول في هذا الصدد: "أنا جزء من عملية التحديث السعودية في المجال الثقافي والفني. دوري هو نشر الوعي حول أهمية التدريب الصوتي، وتقديم هذه الخدمة للهواة والمحترفين بشكل عملي ومحترف، ومن قبل مدرب صوت مختص ومرخص".
العربية والأوبرا
الأوبرا فن ينتمي الى أصول غربية بالكامل في لغتة وأساليب تقديمه، لكنّ الفنانة السعودية تؤمن بوجود انسجام بين اللغة العربية ومتطلبات الغناء الأوبرالي، وهو رأي جدلي وخلافي.
تشرح وجهة نظرها: "قدمت الأوبرا بلغات عديدة من ألمانية وروسية وإيطالية وفرنسية وغيرها، ولكن في كل مرة كان يتم العمل على تغيير مخارج الحروف والنطق اللغوي لتأمين التناسب المطلوب مع أسلوب الأوبرا، والأمر كذلك مع اللغة العربية".
ترى البهيتي أن السبب في عدم ملاحظة إمكانيات الانسجام بين العربية والأوبرا عائد إلى "التأخر في القيام بالدراسات، ومحاولات اختبار إمكانية إجراء مثل هذا الدمج بنجاح. لقد سررت حين سمعت بعض مغنيات الأوبرا العربيات يقدمن الأوبرا باللغة العربية وبأسلوب جميل يجمع بين جماليات العربية وأسلوب الأوبرا".
ومن ناحية أخرى تلفت الى أن "الجمهور السعودي استجاب بشكل مدهش للغناء الأوبرالي وأبدى إعجابه بالقدرات الصوتية العالية التي يبرزها، ولكنه جمهور محب للكلمة لذا فإن تقديم الأوبرا بالعربية سيساهم في تقريبها من المزاج العام وزيادة شعبيتها".
يمكن إجراء تغييرات محدّدة كي تصبح المادة الأوبرالية مناسبة للجمهور العربي، كما حدث مع كثير من أعمال الأوبرا التي خضعت خلال تاريخ عرضها لجملة تغييرات بغرض التناسب مع الجمهور
سوسن البهيتي
يوميات مغنية أوبرا
ليست الأوبرا وظيفة أو مهنة بل شكل حياة متكامل له متطلباته وطقوسه اليومية التي تختصرها النجمة السعودية في عدة عناوين هي "ضرورة العناية بالجسد بشكل عام، لأن جسد المغني هو آلته ما يفرض نظاما غذائيا متوازنا، وشرب الماء بشكل دائم للحفاظ على ترطيب الحبال الصوتية، والحرص على الحصول على ساعات كافية من النوم".
يضاف إلى ذلك "المثابرة على تدريب الصوت، والحفاظ على لياقته من خلال التدريب اليومي المستمر مع محترف، حرصا على تطوير الأداء".
صورة المرأة السعودية
كان لنجاح البهيتي وغيرها من الوجوه النسائية السعودية أثر لافت في إنشاء صورة مغايرة للصورة التقليدية عن المرأة السعودية. تشير البهيتي إلى أن "تمكين صورة المرأة السعودية كان الدافع الأساسي وراء خيار احتراف فن الأوبرا، لأنه فن يجمع بين الشهرة العالمية والرقي والفخامة، ويربط كل هذه العناوين بصورة المرأة السعودية وصورة المملكة".
تلفت إلى ظهور "موجة دعم عامة لانضمام المرأة إلى ميدان النشاط الثقافي اجتماعيا وعائليا. لقد نجحت المرأة السعودية في الحصول على هذا التقدير الكبير لمكانتها ودورها بعد أن أثبتت أنها قادرة على الحفاظ على قيمها وهويتها حين تعمل في المجال الثقافي".
الخصوصيات الثقافية والأوبرا
المواضيع التي تتناولها الأوبرا مستقاة مما يعتمل في قلب البيئة الغربية من صراعات وأزمات، وخطابات اجتماعية وسياسية، وتحولات في طرق العيش والتفكير، وهي تخضع في ذلك لجملة تأثيرات يختلف طابعها ومنطقها عن المادة التي يستقي منها الفن العربي الغنائي مادته ومواضيعه.
لا تنكر البهيتي هذا الأمر وتقرّ أن "إنتاجات الأوبرا كلها قادمة من ثقافات تختلف عن الثقافة العربية" ولكنها من جهة ثانية ترى أن الحل بسيط ويكمن "في إجراء تغييرات محدّدة كي تصبح المادة الأوبرالية مناسبة للجمهور العربي، كما حدث مع كثير من أعمال الأوبرا التي خضعت خلال تاريخ عرضها لجملة تغييرات بغرض التناسب مع الجمهور".
المقارنة بين الأوبرا والموسيقى العربية وفق البهيتي "ليست صحيحة لأن الأوبرا فن مسرحي قريب من المسرحيات الدرامية التي تروي القصص بأساليب مختلفة، وهي كانت أحدى أقوى الوسائل التي استخدمت في سبيل تحقيق التغيير الاجتماعي في أوروبا".
أما توظيف الأوبرا في سياق عربي فيفترض "محاكاة مواضيع اجتماعية عربية وتقديم هذا النوع من الفن بأسلوب جديد".
خصوصية الأداء
نجحت المغنية السعودية في خلق بصمة خاصة بها في عالم الغناء الأوبرالي على الرغم من أن الساحة العربية تشهد حضور مجموعة من مغنيات الأوبرا القديرات.
عن عناصر الخصوصية التي خلقت لها موقعا متميزا تقول "كل صوت له بصمة خاصة تميزه عن غيره وتعكس هويته، وقد تكون ممارستي لأنواع مختلفة من الغناء مثل الروك والبوب والطرب العربي قد منحت صوتي خامة مميزة".
الخصوصية ليست كما تراها البهيتي سوى نتيجة "التطوير المستمر في تقنيات الصوت والأداء".
تعزيز حضور الصوت النسائي، وبروز شخصيات موسيقية وغنائية نسائية، يساعد على طرح المواضيع المرتبطة بتمكين المرأة في الإنتاج الأوبرالي، والإضاءة على دورها في كل المجالات
سوسن البهيتي
تطويع القوالب
في كل عملية مزج لا بد من تطويع كل عنصر للقالب الذي يتشكل منه الآخر مع الحفاظ على سماته. المزاوجة بين الموسيقى الشرقية والأوبرا تتطلب برأي سوسن البهيتي "تطويعا لقوالب الموسيقى الشرقية لتتناسب مع قوالب الأوبرا وليس العكس، لأنه خلافا لذلك ستبقى تلك الموسيقى غارقة في شرقيتها".
— المتحدث الرسمي لوزارة الثقافة (@SpokespersonMoC) June 14, 2019
لا تنوي البهيتي إعادة إنتاج الأغاني الشرقية بأسلوب الأوبرا. تعلن تفضيلها "العمل على موسيقى جديدة تقدم الأوبرا بحلة عربية، والاكتفاء بتجربة غناء الموسيقى الشرقية بأسلوب الأوبرا في الحفلات".
عبد الحليم حافظ
الفنان الذي يحتل مكانة خاصة في قلب البهيتي وعقلها هو العندليب الراحل عبد الحليم حافظ الذي تصف علاقتها به قائلة "تأسرني أغانيه وألحانها وفي حفل عبد الوهاب السيمفوني قُدمت بعض أغاني عبد الحليم بتوزيع جديد يعتمد النمط السيمفوني، ولكنني أتطلع إلى أن أغنيها بطريقة الأوبرا".
مسؤولية كبيرة
من يفتتح مسارا أو يطلق مشروعا تنسب له الريادة والفضل ولكن، في الوقت نفسه، تلقى على عاتقه مسؤوليات جسيمة. لم تخرج تجربة البهيتي عن هذا الإطار المحدد فكونها مغنية الأوبرا السعودية الأولى منحها ألق الريادة، ولكنه أحاطها كذلك بدائرة من المسؤوليات الكبرى.
"حين أذاع الإعلام السعودي أنني أول فنانة أوبرا سعودية انتابتني مشاعر متناقضة هي مزيج من السعادة والخوف" تروي البهيتي .السبب يعود إلى "المسؤولية الكبيرة التي يفرضها تقديم مثل هذا الفن العظيم للجمهورالسعودي من جهة ومسؤولية تمثيل المملكة أمام العالم كله".
ذلك الثقل الكبير للمسؤولية الوطنية والفنية يخلق "حافزا جميلا يدفع إلى تطوير النفس بشكل مستمر للوصول إلى مستويات احترافية عالمية".
الموهبة لا تكفي
تؤمن البهيتي بالعمل المؤسساتي، وتعتبر أن الموهبة وحدها لا تصنع فنانين محترفين، وترى أن هناك أزمة عامة في التعامل معها والعناية بها. من هنا تعتبر أن مدرسة التدريب على الصوت التي أطلقتها يمكن أن تجعل من السعودية مركز انطلاق مسار غنائي جديد قد ينعكس إيجابا على الغناء السعودي والعربي.
أهداف تأسيس استوديو تدريب الصوت "سولفول فويس" تكمن وفق وجهة نظرها في "إحداث نقلة نوعية في وسط ممارسي الغناء في المملكة، ومنحهم معرفة معمقة حول مختلف أنواع الموسيقى التي يقدمونها، وترسيخ أهمية ربط الموهبة بالتدريب الاحترافي والمستمر".
انحياز للصوت للنسائي
لا تخفي الأوبرالية السعودية انحيازها للصوت النسائي معلنة عن تعصبها له بلطف. لا تنظر إلى الموضوع من زاوية الذائقة الفنية وحسب، بل تراه مرتبطا بفكرة التطوير الغنائي والاجتماعي ومسألة تمكين المرأة.
تؤكد أن "تعزيز حضور الصوت النسائي، وبروز شخصيات موسيقية وغنائية نسائية، يساعد على طرح المواضيع المرتبطة بتمكين المرأة في الإنتاج الأوبرالي، والإضاءة على دورها في كل المجالات".
تختم سوسن البهيتي حديثها لـ "المجلة" ببشرى سارة قد نشهد تحققها قريبا إذ تؤكد "أن عملية التطوير الشاملة التي أطلقتها المملكة، والتي تهتم بشكل خاص بتحديث الثقافة والفنون، ستسفر قريبا، وقريبا جدا، عن ظهور عمل أوبرالي سعودي خالص تلحينا وغناء وتأليفا".
تعيد تأكيد أنها لا تتحدث عن حلم أو أمنية بل عن مشروع جدي سيكون بمثابة هدية إلى الجماهير السعودية والعربية قائلة "الأمر أقرب مما تتصورون".