نضال الأحمدية امرأة ذكية بلا شكّ، فقلة (باستثناء حزب الله وما يسمى محور الممانعة) استطاعوا الجمع بين المعاداة العنصرية السادية المتبرئة من كلّ حسّ أخلاقي، للإنسان السوري، ولاسيما اللاجئ، وتقديم ضروب الطاعة والولاء إلى النظام السوري في الوقت نفسه. هذا جوهر "الجرأة" الظاهرة في خطاب الأحمدية، وكلّ من تحاكيه ويحاكيها، وهي جرأة وجدت في محاباة النظام السوري، وتصوير اللاجئين بأنهم "دواعش" (خطاب الممانعة ومبرر دخول حزب الله إلى سوريا)، فرصة ذهبية للتنفيس عن مكوّن عنصري أصيل لدى قلة من اللبنانيين لطالما نظروا إلى العرب جميعا، وليس إلى السوريين وحدهم، نظرة فوقية استعلائية، قوامها شعور غامض بالتفوق، وخطابية شعبوية مبتذلة حول مزايا استثنائية يتمتع بها الإنسان اللبناني دون سواه من شعوب المنطقة.
بالنسبة إلى هذا الخطاب العنصري الجوّال، والذي يستطيع الانتقال بسهولة من الخليجي إلى الفلسطيني إلى السوداني إلى الأفارقة والآسيويين كافة، هناك دائما من يريد حرمان اللبناني من هويته، ثرواته، شخصيته، أرضه، ثقافته إلخ. وإذ رأى أصحاب هذا الخطاب، على سبيل المثال، التقدّم الكبير الذي تشهده دول الخليج العربي، خلال العقود القليلة الأخيرة، لم يجد سبيلا سوى الكلام اللفظي البائس على الصحراء والجمل والبداوة أو على البترودولار، وغير ذلك من مفردات تنسب تلك الدول وشعوبها، إلى مكوّن ما قبل مديني وما قبل حضاري (علما أن هذه الشعوب استطاعت التعامل بفخر مع تراثها، في خضمّ مضيها نحو التقدم)، وتحتفظ لقائليه بتقدّم حضاري لا يهزّه شيء، لا الانهيار الاقتصادي، ولا الدمار العمراني، ولا التحلل القيمي، ولا التبعية السياسية، ولا الفساد، ولا الفقر، لا شيء يهزّ هذه القناعة الراسخة بأننا أفضل، ليس بتقدّم ما ننجزه، ولا بثقافة ما نبشّر بها، ولا بقيم عليا نحافظ عليها، بل بمجرّد أننا موجودون؛ وهذا جوهر العنصرية الخالص.
من ليس معنا فهو ضدّنا، بل عدوّنا، هو الدرس الذي تعلمته الأحمدية أخيرا، بسذاجة التابع وليس بحنكة الفاعل والمؤثر، وهذا يعني في قاموسها، أن مجرّد كون أيّ شخص مناهض سياسيا لأفكارها (إن كانت لها أفكار سياسية)، فهو قطعا شخص "ملوّث" و"قذر"
في حالة نضال أحمدية، التي تدرّجت في الصحافة الصفراء، هبوطا وليس صعودا، إلى الدرك الأسفل منها، فإن الأمر هذه المرة اتخذ سمة كوميدية محضة. السيدة التي تحتمي بما تحسبه "صوابية سياسية" تروّج لها القوى الحاكمة في لبنان، وعلى رأسها حزب الله، رأت في الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، ويفاقم منها وجود اللاجئين، دون أفق واضح للحلّ، فرصة لممارسة شعبويتها حتى الثمالة. من ليس معنا فهو ضدّنا، بل عدوّنا، هو الدرس الذي تعلمته الأحمدية أخيرا، بسذاجة التابع وليس بحنكة الفاعل والمؤثر، وهذا يعني في قاموسها، أن مجرّد كون أيّ شخص مناهض سياسيا لأفكارها (إن كانت لها أفكار سياسية)، فهو قطعا شخص "ملوّث" و"قذر". مفهوم "الطهارة" أو "النظافة"، وهي كلمة تستخدم عربيا للدلالة على شخص يحمل مبادئ سامية ويدافع عنها، يصبح صالحا للاستخدام والتعميم. فالسوري الذي تحبّه الأحمدية هو السوري القويّ الممسك بتلابيب السلطة، أما السوري الذي تكرهه فهو السوري المهزوم والضعيف، هو اللاجئ الهارب من بلاده لأسباب شتى قد لا يكون من ضمنها أساسا المناهضة السياسية للنظام. وهذا السوري المهزوم هو بالضرورة، بالنسبة إلى خطاب الأحمدية نفسه، وبما أنه بالنسبة إليها "وسخ" سياسيا، فلابدّ من أنه وسخ في كلّ شيء، في جسده، وملابسه، وأفكاره، وثقافته، وصولا إلى لغته، التي تراها الأحمدية بدائية لا ترقى إلى مصاف التطوّر الذي يمثله "سويسرا الشرق".
لقد أصبحت الأحمدية في غضون ساعات من انتشار تعليقاتها مسخرة حقيقية، لا بسبب حماسة الطرف المقابل أو وطنيته أو إنسانيته إلخ، بل لأنّ كلامها نفسه يحمل "مادة" ضخمة للسخرية والتهكم، لاسيما واقعة "الشوكولامو"
المفارقة، أن كلام الأحمدية هذا، الذي ما كان لينتشر ويكون متاحا بهذه الطريقة، لولا تفشي منصات التواصل الاجتماعي، وجد الردود المناسبة عليه، عبر المنصات نفسها. ما لا تدركه الأحمدية هو أن الشعبوية سيف ذو حدّين، وأن سيولة كلامها وسهولته، ستقابلهما سيولة في الردّ الذي وصل في حالتها إلى حدود إبداعية حقيقية، بحسب ما رأينا من ردود مؤثرين سوريين ولبنانيين على منصات التواصل الاجتماعي. لقد أصبحت الأحمدية في غضون ساعات من انتشار تعليقاتها مسخرة حقيقية، لا بسبب حماسة الطرف المقابل أو وطنيته أو إنسانيته إلخ، بل لأنّ كلامها نفسه يحمل "مادة" ضخمة للسخرية والتهكم، لاسيما واقعة "الشوكولامو"، ولعلّ من أطرف الردود التي رأيتها على الأحمدية، هو ردّ إحدى الفتيات اللبنانيات التي قالت إن الفرنسيين أنفسهم لا يعرفون ما هو "الشوكولامو" بل لم يسمعوا بكثير من المفردات الفرنسية أو المتفرنسة التي يستخدمها أمثال الأحمدية، إثباتا لتحضّر بات يصعب إثباته، وتأكيدا لتفوق بات من المستحيل تأكيده.