لا تسير الأمور على ما يرام بالنسبة لريشي سوناك. فرئيس الوزراء البريطاني الذي لم يمضِ على تولّيه منصبه أكثر من ستة أشهر منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يتجه نحو هزيمة حتمية في الانتخابات العامة المقبلة، إذ من المفترض أن تجري انتخابات عامة على مستوى البلاد بحلول يناير/كانون الثاني 2025 على أبعد تقدير، فيما تشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن حزب سوناك، حزب المحافظين، متأخر بمعدل 18 نقطة عن حزب العمال المعارض.
ويبدو أن الأخبار السيئة بالنسبة لسوناك تتوالى مع مرور الأيام والأسابيع. ففي أوائل شهر مايو/أيار الماضي، تعرض حزب المحافظين لهزيمة ساحقة في انتخابات المجالس المحلية، حيث خسر الحزب قرابة 978 مقعدا في 47 مجلس محلي، كما شاهد حزب العمال وهو يتجاوزه ليصبح أكبر حزب في الحكومات المحلية. بعد ذلك بوقت قصير، أعلن كثير من النواب التابعين لسوناك، بمن فيهم النائب السابق لرئيس الوزراء دومينيك راب، أنهم سيتقاعدون في الانتخابات المقبلة، وتكهن كثيرون أن هذا القرار جاء لتجنب الإهانة التي ستصاحب فقدانهم مقاعدهم. ويتعلق الجدل الأخير بالتحقيق المستقل الذي طال انتظاره في بريطانيا بقضية تعامل الحكومة البريطانية مع جائحة كوفيد-19، حيث تحاول رئاسة الوزراء منع اللجنة المشرفة على التحقيق من الوصول إلى البيانات الحساسة التي قد تدين رئيس الوزراء شخصيا.
إرث مضطرب
وبالنسبة للمراقبين الخارجيين، يبدو سوناك أكثر يأسا. وعلى الرغم من أنه يبدو أكثر تألقا وأقل فوضوية من سلفيه المباشرين، ليز تراس، وبوريس جونسون، إلا أن الناخبين البريطانيين يبدون غير مقتنعين به. فكيف ساءت الأمور بالنسبة لسوناك بهذه السرعة؟ وهل ثمّة أي أمل له في النجاة؟
لم تكن المشاكل الكثيرة التي واجهت حزب المحافظين الذي يقوده سوناك من صنع يديه بشكل كامل، فالرجل تسلم رئاسة الوزراء في أكتوبر/تشرين الأول بعد فترة حكم تراس القصيرة والكارثية، التي كانت قبل عدة أسابيع قد فازت على سوناك برئاسة الحزب، وشهدت فترة حكمها سلسلة من الأزمات الاقتصادية الناجمة عن خطة "الميزانية المصغرة" التي أفضت إلى أكبر نسبة استقطاعات ضريبية في بريطانيا منذ عام 1972، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف الرهن العقاري وتراجع الجنيه الإسترليني.
وتسببت الأزمة هذه في توتر كبير بين أعضاء البرلمان المحافظين الذين أجبروا تراس على الاستقالة بعد 49 يوما فقط من استلامها المنصب، ما فتح الباب أمام سوناك للوصول إلى المنصب.
لكن، لم يكن على رئيس الوزراء الجديد التعامل مع هذا الإرث الاقتصادي فحسب، بل كان عليه أيضا أن يتعامل مع تداعيات الفترة التي أمضاها بوريس جونسون في المنصب والذي حلت تراس محله لاحقا. في غضون ثلاث سنوات، انقلب الوضع بالنسبة لجونسون من انتصار كاسح في الانتخابات العامة في 2019 إلى إجبار على الاستقالة من قبل وزرائه... انتُخب جونسون بعد وعد بـ"إنجاز خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي"، بعد أن ساهم مقترح خروج بريطانيا من الاتحاد في شل سياسة المملكة المتحدة.
واستطاع جونسون الحفاظ على شعبيته في السنوات الأولى لولايته بعد تمكنه أخيرا من التوصل إلى توافق مع بروكسل من أجل "البريكسيت". وعلى الرغم من ارتفاع معدل الوفيات في بريطانيا خلال جائحة كوفيد، إلا أن جونسون حاز أيضا بعض الإشادة بسبب حملة التطعيم الناجحة التي أطلقها في المملكة المتحدة.
وكم فوجئ الجميع عندما تبين أن مقر رئيس الوزراء جونسون في داونينغ ستريت أقام حفلات غير قانونية متكررة خلال فترات الحظر أثناء جائحة كوفيد-19، وأن جونسون نفسه حضر البعض منها. وأدى ذلك إلى ما يسمى بفضيحة "بارتي غيت" والتي شهدت تغريم جونسون لخرقه قواعد كوفيد-19 الخاصة به، ولا زالت التحقيقات جارية للتحقق مما إذا كان قد ضلل البرلمان عن قصد عند شرحه لأفعاله.
بالإضافة إلى ذلك، تعثر الاقتصاد بعد الوباء، ما أدى إلى خلق أزمة تكاليف المعيشة التي تفاقمت بسبب ارتفاع تكاليف الوقود والحواجز التجارية الجديدة التي وضعت بسبب اتفاقية جونسون الخاصة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. أخيرا، أدى ميل جونسون لمكافأة أصدقائه وحلفائه بالمناصب الرفيعة والعلاقات الحكومية، فضلا عن دفاعه عن كثير من النواب بعد خرقهم لقواعد البرلمان، إلى تفاقم حالة الفساد العامة وفقدان ثقة الجمهور ليس فقط في جونسون، ولكن أيضا في حزب المحافظين بشكل عام.