التماهي مع التطرف
ليس من قبيل الصدفة تطابق خطاب الإعلامية المصرية مع خطاب لنائب الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم حول عدم أهلية المرأة المطلقة للعمل في الوظائف التربوية وخصوصا التعليم حيث يعتبر قاسم أنه في حال "كانت المرأة تعمل في مجال التدريس ولديها أفكار خاصة في كيفية إدارة الحياة، فلنتصور أنها تريد أن تنظّر عن كيفية العيش، وإذا كانت معلمة ومطلقة وتقضي حياتها في المشاكل ومن الخراب الذي وقعت فيه تريد أن تعطي نصائح للبنات كي لا يقعن في ما وقعت فيه، ماذا ستكون نصيحة شخص واقع في مشكلة".
ذلك التبخيس العنيف للمرأة المطلقة يتهمها بالفشل في إدارة حياتها لمجرد خروجها من مؤسسة الزواج، ويسقط عنها الأهلية لممارسة أية أدوار تربوية ويعتبرها كائنا مأزوما لا يصلح لإسداء النصح وذلك بغض النظر عن أي صفات وقدرات. المرأة في نظر قاسم تصبح بطلاقها خارج المجتمع، وهو يكاد يرسم تصورا لها يجعلها أقرب إلى المجرمين والمرضى النفسيين الخطيرين محاولا تركيب الحجج لشرعنة إقصائها عن صناعة التأثير.
يُصوّر دور الزوجة بوصفه حياة المرأة وكيانها وهويتها، وصانع قيمتها ومانح المعنى لوجودها، ومهمة سامية يخرجها الفشل في المحافظة على متطلباتها التي تشترط الطاعة وتذويب الطموح والكرامة والشخصية، من دائرة الحق في امتلاك صفات وكيان.
التوافق في وجهات النظر بين ممثل تيار متطرف وبين إعلامية تقدّم نفسها بوصفها منتمية الى عالم التحديث والانفتاح خطير، إذ إن الخطاب، الذي قد يسهل رفضه ورده إلى مرجعية سلبية في حال قاسم، يصبح متماسكا وأكثر صلابة حين نطالعه عبر وسيط وجه ياسمين عز الجميل.
الأمر نفسه يتكرر لناحية الإحالة الى المصادر ومحاولة تفكيك أصل الخطاب وفصله.مرجعيات الخطاب المتطرف ومشاريعه واضحة المعالم، وللمرأة فيها وظيفة تقوم على إنتاج المقاتلين وتنشئتهم ليكونوا صناع موت. ذلك المسار يفترض تحويل البيوت إلى ميادين تدريب على تذويب الذات لصالح الزوج الذي يمثل الانعكاس المطلق للسلطات، لكن السؤال يكمن في البحث عن مصادر ياسمين عز ومرجعيات خطابها التي تسمح لها بالتطابق مع مشروع متطرف.
ليست تلك المرجعيات سوى تنويعات على الأفكار الثابتة السائدة حول الإعلاء من قيمة الصبر والتضحية وربطها بأدوار الأم والزوجة، وتبرير ظلم المرأة واضطهادها وعملها من دون أجر أو بأجور زهيدة للغاية الذي كان سائدا في مراحل مظلمة من تاريخ العالم والمنطقة. كل ذلك يعاد إنتاجه وتقديمه الآن بتنويع إعلامي يتمثل في دعوة مقدمة برنامج "كلام الناس" لممارسة الشكل نفسه من العمل وبالشروط نفسها من داخل المؤسسة الزوجية.
نشاط المرأة داخل تلك المؤسسة منفصل عن ذاتها فهي لا تخاطب الرجل بصوتها الرقيق الذابل أو تسعى للظهور في هيئة مغرية وجميلة، كما تطالبها عز، لأنها تمتلك تلك الصفات وتوجّه لمنحها للرجل او التعامل معه انطلاقا منها، بل لأن ذلك كله يشكل جزءا من عدة الشغل ومتطلبات مهنة الزوجة. المرأة ليست رقيقة وجميلة ومغرية في أصل تكوينها، لكن تلك هي شروط عملها وليست صفاتها.
بلا صفات
المرأة كما ينظر إليها كل من قاسم وعز لا تملك صفات أصلية، بل لديها وظيفة يتجلى معناها في تأبيد السلطات الذكورية القائمة، ونفي الفكر الأنثوي الذي يدعم منطق التوازن والتسويات والتفاهم ويمثل العقلنة خلافا للمنطق السائد الذي يربط بينها وبين الذكورية في حين ينسب للأنثوية الانفعال.
تكفي نظرة واحدة إلى اضطراب أحوال العالم المسيطر عليه ذكوريا لنكتشف أنه عالم يعادي العقلنة وأن الركون إلى الخطاب الأنثوي ضرورة اجتماعية وسياسية واقتصادية.
الخطاب المشرعن للعنف ضد المرأة هو خطاب الحرب الدائمة واعتقال النساء في غياهب منازل تحولت إلى سجون، هو تحريض على استمرار الجريمة المتمادية ضد المرأة من ناحية، واعتداء على زمان العالم ولحظته التي تبلور نزوعا نحو التسويات وتعزيز الحضور الأنثوي في المجالات كافة، من جهة أخرى.
إلقاء نظرة سريعة الى الكيفية التي يفكر فيها عالم اليوم ستجعلنا نعرف أن منطق ياسمين عز القائم على دفع المرأة إلى إقامة جبرية في دور زوجة بمواصفات أشبه بالدمى الآلية المبرمجة على الطاعة الكاملة كما صورها فيلم "زوجات ستيبفورد" من إخراج فرانك أوز وبطولة نيكول كيدمان وماثيو برودريك، ليس سوى منطق معاد للمصلحة العامة لأي مجتمع يسعى إلى أن يكون في قلب العالم ومساهما في إنتاجه.