طموحات فصائل عراقية مسلحة في رسم مستقبل البلاد

تمدد الفصائل المسلحة

Shelly Kittleson
Shelly Kittleson

طموحات فصائل عراقية مسلحة في رسم مستقبل البلاد

بغداد– تعج هذه المدينة في شوارعها وعلى الإنترنت- على حدٍّ سواء- باللوحات الإعلانية المكرسة لإحياء ذكرى "المقاتلين الشيعة" الذين قُتلوا في معارك ضد قوات أميركية إبان احتلال العراق، فيما أخذت الجماعات العراقية المسلحة، المرتبطة بإيران كما يُعتقد على نطاق واسع، في تصعيد خطابها ضد القوات الأميركية في المحافظة في أوائل يونيو/حزيران الجاري.

وتأتي هذه التهديدات من جماعات مسلحة موالية لإيران، بالإضافة إلى كتائب أخرى، لم تكن معروفة من قبل، والتي بدأت في الظهور لأول مرة على "تلغرام".

وكانت القوات الأميركية في العراق رسميا انتقلت من المهام القتالية إلى "دور المشورة والمساعدة والتمكين" مع حلول نهاية عام 2021. وقد طالبت مجموعات مسلحة شيعية كثيرة منذ فترة طويلة بمغادرة جميع القوات الأميركية العراق، وهددت باستخدام العنف لإجبارها على القيام بهذا، معتبرة ذلك "واجبا دينيا".

وأعلنت مجموعة تسمي نفسها "كتائب كربلاء" في بيان نُشر على تطبيق "تلغرام" يوم 3 يونيو/حزيران "الجاهزية الكاملة لمواجهة الوجود الأميركي" في العراق.

انتقلت القوات الأميركية في العراق رسميا من المهام القتالية إلى "دور المشورة والمساعدة والتمكين" مع نهاية عام 2021. وطالبت مجموعات مسلحة منذ فترة بمغادرة القوات الأميركية وهددت باستخدام العنف

وتأخذ كتائب كربلاء اسمها من مدينة في العراق يزورها ملايين كل عام. ووفق بيان المجموعة، فإن هدفها هو "الدفاع عن أرضنا وكرامتنا حتى يتحقق النصر الكبير، أي طرد الاحتلال من عموم العراق".

وشددت المجموعة في بيانها على أن ذلك يأتي "بعد فشل الحكومة الحالية، التي أصدرت تصريحات عدة تُعتبر خيانة لشعبنا وإضرارا بقضيتنا".

ولم تحدد المجموعة التصريحات التي كانت تشير إليها، إلا أن الحكومة اتخذت عدة إجراءات قُوبلت بعدم رضا من الميليشيات، على الرغم من أن الحكومة الحالية تشكلت بدعمٍ قوي من الفصائل السياسية التي يعتبرها كثيرون مقربة من إيران.

وسبق إعلان كتائب كربلاء قبل يوم واحد صدور تقارير عن جماعة مزعومة أخرى تطلق على نفسها اسم كتائب الصابرين تعهدت بأنها ستبدأ "عمليات عسكرية" ضد القوات الأميركية.

وعلى نحو مشابه، يُعتقد أن هذه الجماعات غير المعروفة التي أعلنت مسؤوليتها عن هجمات فيما مضى إنما هي واجهات لفصائل شيعية متشددة يمكنها التنصّل منها.

ووجهت "المجلة" أسئلة لقادة في فصائل "الحشد" حول ما إذا كانت تهديداتهم تتعلق فقط بالقوات الأميركية أو ما إذا كانوا يضمون قوات الناتو إلى جانبها، ولكنها لم تحصل على أي إجابة.

وعلى الرغم من كون الولايات المتحدة جزءا من الناتو، إلا أنها لا تقود مهمة التدريب العسكري لقوات الجيش العراقي. وفي تصريحات لـ"المجلة"، قال القائد الإيطالي لبعثة الناتو في العراق، الجنرال جيوفاني يانوتشي، المنتهية ولايته، إن إصلاح مؤسسة الجيش العراقي وتحديثها سيستغرقان حتماً وقتا أطول، ولكن ذلك سيحقق في النهاية مكاسب أعلى بكثير".

Shelly Kittleson
لافتة في بغداد لمقاتلين في "الحشد الشعبي"، تتصدرها صورة لأبي مهدي المهندس، الذي قُتل برفقة قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" الإيراني في غارة جوية أميركية عام 2020

وقال: "نحن نعمل على التعليم الحديث،" وذلك جزئيًا بالاستثمار في "الأجيال العراقية الشابة"، و"تقديم دورات وتمارين للشباب العراقي خارج البلاد" بالإضافة إلى "تمكين النساء العراقيات من المنافسة والقيام بدور في قطاع الأمن".

وأوضح الجنرال الإيطالي، قبل أيام فقط من تسليمه القيادة إلى نظيره الإسباني، أنه "لا يزال هناك كثير من العمل الذي يتعين القيام به، ولكن بناءً على تجربتي، أرى التزاما حقيقيا من نظرائنا العراقيين للمضي قدمًا في هذا الصدد".

وغالبا ما يكون قادة وحدات الحشد الشعبي والمقربون منهم أقل حماسا تجاه الفروع الأخرى للجيش وقوات الأمن العراقية. وقد طلب كثير من قادة الحشد الشعبي على مر السنين منحهم سيطرة أكبر على أمن البلاد، زاعمين أن قدراتهم تفوق قدرات الجيش العراقي وقوات وزارة الداخلية.

غالبا ما يكون قادة وحدات "الحشد" والمقربون منهم أقل حماسا تجاه الفروع الأخرى للجيش وقوات الأمن العراقية. وقد طلب كثير من قادة "الحشد" على مر السنين منحهم سيطرة أكبر على أمن البلاد

بل إن أحد قادة وحدات الحشد الشعبي المسؤول عن منطقة بالقرب من الحدود العراقية السورية ادعى خلال مقابلة سابقة أن "الجيش العراقي ضعيف. لا يستطيع السيطرة على أي شيء"، متهما إياه بأنه واقع "تحت سيطرة الأميركيين".

تمدد الحشد الشعبي

تولت الحكومة الحالية في العراق برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني السلطة في أكتوبر/تشرين الأول بعد أكثر من عام على إجراء الانتخابات.

وانخفضت الهجمات التي نفذتها فلول تنظيم "داعش" في البلاد انخفاضا شديدا، وهو الأمر الذي يدل على تحسن الوضع الأمني.

كما تراجعت أيضا هجمات الجماعات الشيعية المسلحة ضد وجود القوات الغربية في البلاد إلى حد كبير.

وتلقى السوداني دعما قويا من الأحزاب السياسية التي تتمتع بصلات تاريخية وثيقة مع إيران، والتي ترتبط أيضا ارتباطا وثيقا بوحدات داخل وحدات الحشد الشعبي التي يهيمن عليها المكون الشيعي.

وقد تم إنشاء وحدات الحشد الشعبي رسميا في عام 2014 بعد فتوى أصدرها  علي السيستاني بغرض محاربة تنظيم "داعش". وقد استُمدت النواة من الجماعات العراقية الشيعية المسلحة التي كانت تدعمها إيران منذ فترة طويلة، والتي ادعت أنها تشارك في حرب ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.

أنشئت وحدات "الحشد" رسميا عام 2014 بعد فتوى أصدرها علي السيستاني بغرض محاربة تنظيم "داعش". وقد استُمدت النواة من الجماعات العراقية المسلحة التي كانت تدعمها إيران منذ فترة طويلة.

آنذاك، جُند عشرات الآلاف من الشباب في غالب الأمر. ويتلقى الآن معظمهم رواتب حكومية، وذلك على الرغم من إعلان العراق انتصاره على تنظيم داعش في ديسمبر/كانون الأول 2017، وثمة القليل من العمل الفعلي لمعظمهم.

ينظر كثيرون في العراق إلى الحشد الشعبي على أنهم أبطال، إذ إنها لعبت دورا هاما في تحرير البلاد من تنظيم داعش بالتعاون مع الجيش العراقي، وجهاز مكافحة الإرهاب.

وقد تطلبت الحرب التي نجحت في النهاية والتي استمرت من 2014 إلى  2017 جهودا وتضحيات هائلة من العراق والعراقيين. كما قدم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة أشكالا متعددة من الدعم.

Shelly Kittleson
لافتة في وسط بغداد للحشد الشعبي تحث على المقاومة لتحرير فلسطين

ومع ذلك، يوجد الآن كثير من الشبّان الذين يعرفون كيفية حمل السلاح ولكن معلوماتهم قليلة جداً من المعارف الأخرى. فيما شارك بعضهم في انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، وفق تقارير عدة لمنظمات حقوقية دولية.

وقد أصدرت منظمة العفو الدولية يوم 5 يونيو/حزيران بيانا صحافيا جاء فيه أنه "يجب على السلطات العراقية أن تتخذ إجراءات ملموسة نحو الكشف عن مصير ومكان ما لا يقل عن 643 رجلا وفتى اختفوا قسرا في يونيو/حزيران 2016 على أيدي وحدات الحشد الشعبي في سياق العمليات العسكرية التي جرت لاستعادة الفلوجة" من أيدي "داعش".

ويتابع البيان ان المنظمة "لم تتلقَّ "حتى يومنا هذا... رداً جوهريا يشرح بالتفصيل مصير ومكان وجود المختفين".

وقال أحد الأعضاء الشباب في واحدة من فصائل المقاومة من جنوب العراق لمراسلة "المجلة" خلال زيارتها إلى منزله جنوبي العراق في الأشهر الأخيرة، إنه بعدما قاتل إلى جانب إحدى فصائل الحشد لسنوات، أصيب بخيبة أمل منها، وخاصة مع الأفعال التي انخرطت فيها الجماعة عبر الحدود في سوريا.

ودُمج هو وآخرون قاتلوا معه على جانبي الحدود السورية العراقية في وحدات الحشد الشعبي التي تتقاضى رواتب حكومية. وقال إنه ممتنٌّ لحصوله على وظيفة، وبالتالي لا ينوي ترك الوحدة التي يعمل بها بأي حال من الأحوال.

font change

مقالات ذات صلة