في خطوة أثارت حفيظة النُخب الثقافية والفنية والأكاديمية والرأي العام في البلاد، طرحت السلطات الإيرانية عشرات المواقع الأثرية التاريخية للبيع، في مزاد علني على الإنترنت، كجزء من سعيها لتسويق وخصخصة المزيد من "أصول الدولة"، للحصول على المزيد من السيولة المالية، في ظل أزمة اقتصادية "خانقة" تمر بها البلاد، تجاوزت فيه نسبة التضخم 40 في المئة خلال بضعة أشهر، فيما تتراجع قيمة العملة الوطنية بشكل شبه يومي.
المواقع المعروضة للبيع تُصنف ضمن "النفائس المعمارية". ويعود تاريخ بعضها إلى أكثر من عشرة قرون مثل "قلعة راين" الواقعة في محافظة كرمان. وبعضها الآخر كان مقصداً دائماً للسياحة الخارجية والداخلية مثل "قصر الأمير ناصر الدين ميرزا القاجاري"، فيما كان قسم منها يُعتبر "متنفساً شعبياً"، مثل "حديقة هيراندي" التاريخية.
جزء واسع من الرأي العام الإيراني، إلى جانب مئات الأكاديميين والمثقفين والفنانين والمؤرخين، اعتبروا الخطوة بمثابة تنازل من قِبل السلطات عن تاريخ إيران الذي هو ملك المجتمع والأجيال القادمة من الإيرانيين كما أنه مؤسس للهوية الوطنية والذاكرة الجمعية، حسب رأيهم. وليست في أي حالٍ مجرد عملية اقتصادية، يمكن استثمارها أو منحها للقطاع الخاص، الذي سيستخدمها كأداة للمكاسب المالية فحسب، دون أي اعتناء بديمومتها المستقبلية، مع الحفاظ على جوهرها الثقافي والفني- التاريخي، كما من المفترض أن تفعل مؤسسات الدولة.
اللجنة المشرفة على عملية البيع مؤلفة من ممثلي أعلى المستويات السياسية والحكومية في البلاد، مثل النائب الأول لرئيس الجمهورية ووزراء الاقتصاد والداخلية وبناء المدن، إلى جانب شخصيات من مؤسسة التخطيط الأعلى والبرلمان والسلطة القضائية، ما خلق مخاوف لدى المهتمين، من إمكان أن يكون هذا الحدث "مجرد مقدمة"، لسلسلة مشابهة من طرح "النفائس التاريخية" الإيرانية للبيع والخصخصة.
من جانبها، تعتبر السلطات الإيرانية ذلك بمثابة إعادة إحياء للتراث الثقافي والتاريخي الإيراني، عبر الشراكة مع القطاع الخاص، مستندين إلى تقارير سابقة صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، التي حذرت من "انهيار" العشرات من المواقع الأثرية الإيرانية، بسبب سوء الرعاية والحماية الحكومية، التي لا تخصص ميزانيات لها، ولا تستخدمها في الترويج والاقتصاد السياحي والثقافي، مثلما تفعل مع المقامات والمواقع الدينية، التاريخية والحديثة.