تشهد العلاقات الأفغانية الإيرانية، منذ وصول حركة طالبان إلى السلطة، توتراً هو الأسوأ، مقارنة بعهد الحكومة الأفغانية السابقة. وتُظهر طهران توجساً من تعامل الحكومة الجديدة إزاء الملفات الخلافية بينهما، وأهمها قضية المياه ونهر هلمند جنوبي أفغانستان، إلى جانب التهديدات الناجمة عن الحدود واللاجئين والقضايا الأمنية.
وبالرغم من اتفاقية "شفيق– هويدا" التاريخية التي وقّعتها كل من أفغانستان وإيران عام 1973 في عهد الملك الراحل "محمد ظاهر شاه" بشأن تقاسم مياه نهر هلمند، المتدفق من أفغانستان باتّجاه شرق إيران، خاض الجانبان خلافات عدة على امتداد عقود واندلعت اشتباكات في مناسبات عدة لكنها نادراً ما أدت إلى وقوع إصابات. واعتاد المسؤولون الإيرانيون إلقاء اللوم على حكومة كابول ومؤخراً على طالبان لتجاهلها القوانين الدولية والبروتوكولات الحدودية منذ استيلائها على السلطة في أفغانستان قبل عامين.
ولا يمكن فصل الاشتباك الذي وقع يوم 27 مايو/أيار في نقطة حدودية بين ولاية نمروز الأفغانية ومحافظة سيستان بلوشستان الإيرانية عن اتهامات الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لحكام طالبان في أفغانستان بتقييد تدفق المياه إلى المناطق الشرقية لإيران وانتهاك اتّفاقية 1973، وتحذيره: "لن نسمح بانتهاك حقوق شعبنا" خلال زيارته لمحافظة سيستان بلوشستان في 18 مايو/أيار أي قبل أيام من وقوع الاشتباك. كذلك لا يمكن تبرير ضراوة الاشتباك الذي استمر عدة ساعات ووصفه عدد من وكالات الأنباء المحلية والعالمية بـ"الدموي"، واستخدمت فيه الأسلحة الثقيلة والصواريخ وأدى إلى سقوط قتلى وجرجى من الجانبين، أو تبرير إقدام السلطات الإيرانية على إغلاق معبر "ميلاك– زارانج" التجاري الهام بين الدولتين حتى إشعار آخر، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية.
ورغم نفي حركة طالبان لاتهامات رئيسي ودعوتها إلى "حل المشكلة" وفق المعاهدة، لم تسمح كابول لخبراء إيرانيين بزيارة مجرى النهر ومعاينة الواقع عن قرب. وفي المقابل فإن تحذير مساعد وزير الخارجية الإيراني لشؤون جنوب آسيا رسول موسوي بأن أي صراع بين إيران وأفغانستان سيكون "خسارة استراتيجية" لكلا البلدين، والرد الذي نقل عبر وسائل الإعلام عن أحد قياديي طالبان :"إذا سمح شيوخ الإمارة الإسلامية لمـجاهدي الإمارة الإسلامية، فإن مجاهدي الإمارة الإسلامية سيحتلون إيران خلال 24 ساعة بإذن الله، نقول لإيران لا تختبروا قوتنا". وهو ما يوحي بما لا يقبل الشك بأن الخلاف يتخذ طابعاً وجودياً بما يتجاوز مسألة الخلاف المائي الذي تتعايش معه أكثر من دولة في المنطقة.
الخلاف المائي الأفغاني- الإيراني
لطالما ألقت الصلات المائية بظلالها على العلاقات الدبلوماسية والاستراتيجية بين أفغانستان ودول الجوار التي تشترك معها في معظم الأنهار الرئيسة شمالاً باتجاه آسيا الوسطى وشرقاً باتجاه باكستان وغرباً باتجاه إيران. ودون الحاجة للعودة إلى تاريخ النزاع الإيراني الأفغاني الذي يعود لعام 1882، وإلى محاولات إيران زيادة حصتها من نهر هلمند الذي يصل طوله إلى 1100 كلم ويصب في بحيرة هامون المشتركة بين إيران وأفغانستان، فقد توصل رئيس الوزراء الأفغاني موسى شفيق مع نظيره الإيراني آنذاك، أمير عباس هويدا، في 12 مارس/آذار 1973 إلى توقيع اتفاقية تقسيم مياه نهر هلمند بين البلدين التي اشتهرت لاحقًا بـ"اتفاقية شفيق– هويدا". وبموجب هذه الاتفاقية تحظى إيران بـ26 متراً مكعباً من المياه في الثانية الواحدة، وهذه الكمية أقل من 10 في المائة من إجمالي المياه التي كانت إيران تحصل عليها من أفغانستان سابقاً.