حال تجارة الذهب في مصر متأرجحة متقلبة مذ تواترت دورات الأزمة الاقتصادية والنقدية في البلاد. لكن الضربة الكبرى جاءت مع الصراع العسكري في السودان، ما أثر سلبا على الاقتصاد المصري المنهك ووضعه المتأزم، والذي يعاني من تبعات الحرب الروسية الأوكرانية التى ضغطت على قيمة الجنيه في مقابل الدولار، وباتت بوادر تعويمه الكامل تلوح في الأفق لعدم تمكن احتياط النقد الأجنبي من استعادة عافيته تزامنا مع ارتفاع التضخم الى معدلات قياسية.
ويبدو أن الحرب الدائرة بين الجيش السوداني و"قوات الدعم السريع"، والاضطرابات السياسية الحالية، قضت على أي أمل بانتعاش قريب، فكان لها تأثيرات كبيرة على كميات الذهب التي تتجه من السودان إلى مصر، ليساهم الصراع العسكري المتفاقم في السودان في نقص المعروض من الذهب فى السوق المصرية، مما أدى إلى تذبذب قوي في أسعاره، مع ارتفاعات صاروخية جراء عدم الثقة بالمستقبل وفي العملة المحلية. واستطاع ذهب السودان أن يكون حاضرا بقوة على طاولة نقاشات المصريين وهمومهم، وهم الذين سارعوا إلى اقتناء السبائك والعملات الذهبية، عقب تراجع استيراد الذهب من خلال السياحة السودانية الوافدة إلى مصر ومن خلال القادمين إليها بغرض العلاج. وبات الذهب يُتداول داخليا فى مصر فأصبحت السوق منغلقة على نفسها، مما أثر في طبيعة الحال على المعروض منه. وتوقف الذهب عن كونه سلعة مسعّرة وفق عوامل وأسس محددة كالسعر العالمي وسعر صرف الدولار في السوق المحلية، ليخضع للعرض والطلب العشوائي، وتشهد سوق المعدن الأصفر تلاعبا على أيدي تجار يحددون أسعاره وفقا لأسعار السوق الموازية للدولار، في ظل احتكار نحو أربع إلى خمس شركات لسوق السبائك في مصر. وأضحى من يمتلك الذهب هو القادر على تسعيره.
في ظل أوضاع اقتصادية صعبة، دوليا ومحليا، وعلى الرغم من الارتفاعات القياسية في أسعار الذهب، أنفق المصريون 986,6 مليون دولار على شراء الذهب خلال الربع الأول من السنة الجارية، أي بارتفاع 34 في المئة عن الفترة نفسها من العام المنصرم، بحسب التقرير الصادر عن مجلس الذهب العالمي، وقدّر التقرير حجم طلب السوق المصرية من المعدن النفيس بنحو 16,2 طنا خلال الشهور الثلاثة الأولى في مقابل 12,2 طنا خلال الفترة نفسها من 2022.