صبيحة السادس من فبراير/شباط 2023، وعلى وقع كارثة الزلزال التي ألمت بإحدى عشرة مدينة تركية تمثل 16,4 في المئة من سكان تركيا و9,4 في المئة من اقتصادها، وخلفت عشرات آلاف الضحايا، عدا الدمار الهائل مدنيا واقتصاديا، راهن كثرٌ من الأتراك والعالم أن تلك الكارثة كفيلة أن تنهي حكما استمر لأكثر من 20 عاما. وكان زلزال إزميت عام 1999، قد مهد لقيام هذا الحكم، نظرا الى فشل الإدارة الاقتصادية آنذاك في التعامل مع أزمة كبيرة أدت إلى تدهور الليرة وسوق الأسهم، وظن كثيرون أنه سيزول على وقع زلزال فبراير/شباط المنصرم في ظل الظروف نفسها.
رجب طيب أردوغان، الشخصية المميزة ذات الكاريزما العالية، الواثقة بمكانتها ورسوخ عقيدتها في نفوس أكثر من نصف الأتراك، ها هو يثبت قدميه لخمس سنوات رئاسية جديدة ممتدة منذ عام 2014، بعدما شغل سابقا منصب رئيس مجلس الوزراء من عام 2003 الى عام 2014، وقبلها رئيسا لبلدية اسطنبول عام 1994 لأربع سنين.
يكاد الرئيس الفائز، يكون المتفائل الوحيد في قدرته على إخراج تركيا من مأزقها الاقتصادي الحالي، في وقت تجتاح السوداويةُ غير المسبوقة معظم التحليلات الاقتصادية، ولا تقف عند شخص الفائز بالحكم.
من الازدهار الى الانهيار؟
قبل عرض الوقائع والتوقعات عن المستقبل الاقتصادي لتركيا، من المفيد فهم ماهية الاقتصاد التركي والمراحل التي مر بها خلال عقدين من الزمن. يحتل الاقتصاد التركي المرتبة 19 بين أقوى اقتصادات العالم بناتج محلي إجمالي وصل إلى نحو 900 مليار دولار في 2022، محققا نموا بلغ 5,6 في المئة في العام نفسه بحسب تقديرات البنك الدولي.
وعلى الرغم من أن البعض يُرجع هذا النمو إلى اجراءات اقتصادية وهمية اتخذتها الحكومة لرفد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لصالح أردوغان، وهو الذي اعتدّ بالرخاء الذي حققه في البلاد مع ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من نحو 3600 دولار عام 2002 إلى 10,650 دولارا حاليا (كما توقع أن يصل إلى 15 ألف دولار في الأشهر المقبلة كما قال لـ "سي. إن. إن" في 19 مايو/أيار الجاري اثر جولة الانتخابات الأولى)، إلا أن هذا النجاح الاقتصادي اعتمد بشكل كبير على الاندماج في الأسواق الأوروبية التي افادت من دور تركيا كبلد رخيص للعمالة المتخصصة بالصناعات الموجهة الى تلك هذه الأسواق.