أدب الطعام في كتابات عربية راهنةhttps://www.majalla.com/node/292326/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%B9/%D8%A3%D8%AF%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%86%D8%A9
على الرغم من أهميته الكبرى التي لا شك فيها لدى الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم، إلا أن طائفة قليلة من الكتّاب والأدباء العرب اهتموا بالتوقف طويلا أمام الطعام ورصد أهميته ودوره في حياتهم وحياة الناس قديما وحديثا. بل إن المهتمين بالمخطوطات التراثية يشيرون إلى بعضها التي تتحدث عن الطعام لكنها لم تنل حظها من التحقيق والتوثيق مثل كتاب "نزهة النفوس والقلوب في لذة المأكول والمشروب" لموسى الدمهراوي (ت:1000هـ)، وهو ملحمة شعرية تصف الكثير من المأكولات في مصر في ذلك الوقت، وربما ذاع صيت الكتابات الساخرة عن الطعام مثلما نجد في نوادر منسوبة إلى جحا وأشعب وغيرهما، ناهيك عن الكتب التي تناولت الحديث عن الحيوان وعلاقة الإنسان به، أو البيئات والأماكن التي أفردوا لكلٍ منها كتابا يعرضون فيه تفاصيله وآثاره، وربما جاء الحديث عن الطعام واختلافاته في معرض حديثهم عن هذه الحيوانات وتلك الأماكن، لكن التوقف عند الأكل والأطعمة وتخصيصهما بالكتابة يظلّ نادرا.
رواية عمر طاهر وجبة شهية تعيد إلى القارئ علاقته بالطعام، وتجعله يتأمل كيف يتشكل وكيف يؤثر على مزاجه وعلاقته بالآخرين، وكيف تبقى حياته يتنازعها على الدوام ذلك الحنين إلى ماضٍ كالحبهان وتأمل في حاضر يبدو كالكحل في العيون
المطبخ العربي .. وزرياب
في بحثه عن كتابات تؤرّخ للجوانب المادية في الحضارة العربية يعود المؤرخ والناشر السوري فاروق مردم بك إلى كتابات حبيب الزيات في مجلة "المشرق" اللبنانية أوائل القرن التاسع عشر، التي يتحدّث فيها عن أصناف الطعام والفواكه التي تشتهر بها دمشق، وكتب رسالة خاصة عن "فن الطبخ وإصلاح الأطعمة في الإسلام" يعود فيها إلى عدد من المراجع التاريخية التي تذكر أصناف الطعام وطرق إعداده والتعامل معه، كما يهتم بأصول تسمية بعض المأكولات والفواكه لغويا على عادة القدماء. هكذا يفتح الزيات شهية مردم بك لكتابة عددٍ من المقالات الخاصة بالطعام في البيئات العربية المختلفة، ويفرد له مساحة خاصة بالفرنسية في مجلة "قنطرة"، ويبقى الكتاب غائبا عن المكتبة العربية حتى يلتفت له "مشروع كلمة" الإماراتي في 2015 فيصدر بترجمة جان جبور ليكون من أوائل الكتب التي تناولت ثقافة الطعام في العصر الحديث في البيئات العربية المختلفة.
اختار الكاتب أن ينسب المطبخ إلى زرياب وهو الموسيقي أبو الحسن علي بن نافع (لقب بزرياب لعذوبة صوته وشبهه بالطائر الأسود الحسن الصوت زرياب) الذي كان أول من اهتم بالذوق الفني في الأندلس واهتم بالمطبخ وأدخل فنونا خاصة بالمائدة. في "مطبخ زرياب" يجمع فاروق مردم بك بمهارة بين عدد من "الوصفات" الخاصة بالأطعمة ويتناول في كل فصلٍ من كتابه نوعا منها، ويقدّم عليها جميعا الباذنجان الذي يرى أن العظماء أهانوه وسخروا منه وذلك بسبب شعورهم الطبقي نحو هذه الثمرة السوداء ذات الشعبية الكبيرة بين الفقراء والمساكين، حتى إن الأوروبيين أطلقوا عليه أسماء ذات دلالات سيئة مثل "التفاحة المجنونة" و"البيضة الفاسدة"، إلا أن الباذنجان يحظى بمكانة كبيرة عند شعوب المنطقة العربية من الخليج إلى المحيط.
كذلك يفرد للفول فصلا خاصا، ويقول عنه:
يُمتدح الفول بأنه يقوم للفقير مقام اللحم، ولكن هذا الاعتراف بمنافعه الغذائية الكبيرة يجعله في الوقت ذاته أسير وضع اجتماعي يكاد يتعذر تجاوزه. والواقع أن الفول عالمي من حيث أصوله وتاريخه، وهو يختزن من الأسرار أكثر مما يذخر به من البروتينات والأملاح المعدنية، وربما كان يحتوي على السر الاعظم، سر الحياة والموت. هذا ما آمن به، قبل أربعة آلاف سنة، كهنة مصر، وطن الفول، فكانوا يسمّون المكان الذي تقبع فيه أرواح الموتى في انتظار تناسخها من جديد 'حقل الفول'".
هكذا يسرد فاروق مردم بك بأسلوب شيق مئات الوصفات للأطعمة المختلفة، متنقلا بين أصناف الفول والباذنجان والتمر والمشمش والزعفران، والوجبات التي تعدّ باستخدام الأرز والكسكسي والعنب، حتى ينتهي الكتاب إلى طائفة من المأكولات الخاصة بكل بلد من الأرزّ بدبس التمر الخليجي، وفتّة المكدوس السورية، إلى مرقة المشمش التونسية، والبطاطا الحلوة بالزعفران المغربية، واللحم بالزبيب الجزائري إلى المقلوبة الفلسطينية، والعجة الإسكندرانية، وحلوى الأرز اللبنانية، والمسفوف المغربي ويخنة الفول الأخضر التونسية، إلى مرقة الملوخية المصرية، ومن مطبخ الجزائر المظلوم إلى العجائن الإيطالية الشهيرة وإمبراطورية الحواس التركية الخاصة وغيرها من وصفات ومشهيات.
كحل وحبهان... وصفات الحياة الطيبة
لكنّ الأمر يختلف عند تناول الطعام بالحديث عنه في الأدب والروايات، إذ نجد الروائي عمر طاهر يجمع في روايته "كحل وحبهان" (دار الكرمة، 2019) بين سرد حكاية روائية طريفة وبين التوقف عند فلسفة الطعام وأثره على بطل روايته. وإن كان الوصف يأتي أكثر شمولية وعمومية، لكنه لا شك يلفت نظر أي قارئ بل وربما يجري لعابه. تتناول الرواية حكاية الفتى عبد الله الذي يحلم بحضور حفلة منير في بلدته ويحكي لنا كيف قضى خمسة أيامٍ في الانتظار، ثم كيف كبر وأصبح شابا يعاني من الوحدة ويبحث عن الحب، وكيف أنه بين هذا وذاك يستلهم فلسفته الخاصة في فهمه للحياة المأخوذة عن الطعام:
"لا يوجد ما هو أشهى من طعام استقر لفترة داخل فخارة في النار، تماما كالتجارب التي تسوّي جاذبية الواحد على مهل. الفاكهة التي أعود بها من السوق لا ضامن لها، وهي غدّارة مثل اختيارات الواحد العاطفية. الخبز يقول إنه لا بد من شريك. يكبر الواحد فيهرب من أهله، مثلما يسقط اللحم الناضج عن عظم مفصل الفخذ الذي لولاه ما تشكل وتماسك".
تنتقل الرواية بين ماضي البطل وحاضره عبر لقطات ذكيّة دالّة، تجمع بين ذلك الحنين إلى الماضي الذي عرفه قراء عمر طاهر عنه وبين رصد تفاصيل الحياة البسيطة، ومحاولة التغلب على ما يواجهه الفرد فيها من مشكلات وأزمات. تنتظم الرواية كلها كوجبة شهية، تعيد إلى القارئ علاقته بالطعام، وتجعله يتأمل كيف يتشكل وكيف يؤثر على مزاجه وعلاقته بالآخرين، وكيف أن حياته يتنازعها على الدوام ذلك الحنين إلى ماضٍ كالحبهان وتأمل في حاضر يبدو كالكحل في العيون.
هكذا يؤسس النعاس لعالم بطله وروايته من خلال العلاقة بالطعام، وذلك المكوّن الأساسي فيها وهو الخبز ويجمع ببراعة بين مهارة الوصف الدقيق لعالم الخباز وعرضه لتفاصيل حياته، وكيف بدأت تتشكل على هذا النحو مثل عجين على نارٍ هادئة
طاولة الخال ميلاد... الخبز طعم الحياة
من ليبيا تأتينا رواية "خبز على طاولة الخال ميلاد" (دار رشم، 2021) لمحمد النعاس، التي حازت "بوكر" العربية 2022، وأثارت الكثير من الجدل وردود الأفعال الغاضبة، كونها تتعرّض لحكاية بطلها الرجل الذي يغاير مكانه في نظام المجتمع، فيرضى أن يبقى في المطبخ ويمنح زوجته حقها كاملا في أن تبقى هي التي تخرج للعمل، لكن علاقة ميلاد بالمطبخ لم تكن وليدة ظرف زواجه الخاص تلك، بل يعود بنا الكاتب إلى سنوات تشكّل ذلك الشاب وعلاقته بأخواته البنات، وكيف كان الخبز وتشكيله وسيلته أيضا للتغلب على مشقات الحياة:
"إنّ مزاجي مرتبط بالخبز على الدوام. لم أرتبط بأيّ شيءٍ آخر في حیاتي بأكملھا كما فعلت معه. في أیّام المعسكر كنتُ أتعذّب لابتعادي عن أرغفتي في الكوشة. كنتُ سيء المزاج بعد ذلك، لفقداني الرغبة في التواصل معه مجددا. حتّى الأیّام التي تلحق محاولاتي الفاشلة في صنع رغیفٍ جدیدٍ، كانت سیّئة وسخیفة وغیر محتملة. إذا دخلت المطبخ لأبدأ العجن، أصبغ مخاوفي، سعادتي، طموحاتي، مطامعي، رغباتي، حزني، كآبتي، شھوتي، دموعي، شكوكي، لھفتي، اطمئناني، سكینتي، روعي، قلقي وجفافي في رغیفي الذي یتأثّر شكله بتلك المشاعر".
لم يكن الخبز وصناعته بالنسبة إلى ميلاد إلا معادلا موضوعيا للحياة وطريقة تعامله معها، ونحن إذ نتعرف إلى نشأته وتربيته نتلمّس فيه منذ البداية تلك الحساسية الخاصة في التعامل مع النساء ومع الحياة بشكل عام، فهو يرفض عددا من الممارسات الذكورية التي يتفاخر بها أقرانه، ويبقى في عزلته الخاصة وعالمه حتى يجد زوجته ويبدأ معها حياة جديدة، لكنه في الوقت نفسه لا يسلم من أذى المجتمع ومراقبته له!
هكذا يؤسّس النعاس لعالم بطله وروايته من خلال العلاقة بالطعام، وذلك المكوّن الأساسي فيها وهو الخبز ويجمع ببراعة بين مهارة الوصف الدقيق لعالم الخباز وعرضه لتفاصيل حياته، وكيف بدأت تتشكل على هذا النحو مثل عجين على نارٍ هادئة.
مطبخ نعمة... أدوات تؤسس الحياة
وإذا كان عالم ميلاد يتشكل في مخبزه، فإن مطبخ نعمة وما فيه من أدوات، يكشف لنا أسرار ذلك البيت والعلاقات بين أفراده، في روايتها "الحياة السرية لسكان مطبخ نعمة" (دار المعرفة، 2023) تقدّم شيماء هشام سعد وصفة مختلفة للرواية والطبخ والحياة والعلاقات بينها، انطلاقا من أجهزة المطبخ وأدواته التي تكشف أسرار ساكنات البيت، بداية من زيجاتهن مرورا بالمشكلات التي يمررن بها وصولا إلى تلك النهاية التي تحمل مفاجأة خاصة.
نتعرّف في البداية الى أجهزة المطبخ وأدواته، من الثلاجة إلى الغسالة والبوتغاز وحتى المعالق والصحون والفناجين، يبدأ كل منها في تحديد وظيفته للآخرين، وسرعان ما تتسابق لتأدية الوظائف المهمة المطلوبة منها. بالتوازي مع ذلك تستعرض الكاتبة أطرافا من حياة ومواقف سكان هذا البيت، تحكيها "رائحة المطبخ" التي تقوم بدور السارد العليم:
"هناك دائما فترة يستغرقها كل زواجٍ حتى يستقر، وقت يلزم الرجل والمرأة كي يتشرّب كلٌ منهما الآخر وينسجم معه، ومن خبرتي كرائحة مطبخ تابعت عن كثب وبتركيز زواج نعمة وحالات مزاجها من خلال طبخها، بوسعي أن أقول إن هذه الفترة لا ينبغي أن تطول فيحترق الزواج في انتظار انسجامٍ لا يحدث، كما لا ينبغي أن تقصر فيكون الزواج نيئا والعلاقة هشّة تتداعى مع أول هبة ريح. الوقت يلزم الزوجين حتى يتعرضا معا لأنواع المشاكل وتنضج علاقتهما على نار التحديات، التي يمكن أن تكون خلافات مع الأهل، أو مشاكل لاختلاف الطباع وصعوبة التعود، أو ضيق العيش".
ومن صيادية السمك ومحشو الملفوف/الكرنب الذي يبدأ الزوجان بهما حياتهما إلى كعكة القرع بالتوابل والملوخية الخضراء الجيدة القوام، ننتقل مع العائلة إلى وصفات المطبخ الشهية التي تعبّر عن حالات العائلة الصغيرة، ففي وقت الولادة يظهر مشروب "المغات" ويظهر الخبز الطري، كما يأتي حساء العدس المثالي لأيام المتعبة والمطيرة.
هكذا تنقلنا الكاتبة ببراعة بين وصفات الطعام والمأكولات التي تعد في البيت وبين حالة سكان البيت، كما تضع مع كل وصفة طريقة العمل وتقيس عليها علاقة الأفراد بعضهم ببعض وكيف تتأثر تلك العلاقة بينهم، تماما كما يحدث في إعداد الطعام، وهي بين هذا وذاك تمزج باقتدار بين عالم الرواية وأبطالها من البشر والأدوات، وتقدم سبيكة متماسكة لا تفتقر للمتعة والإدهاش.
تنقلنا شيماء هشام سعد ببراعة بين وصفات الطعام والمأكولات التي تعدّ في البيت وبين حالة سكانه، كما تضع مع كل وصفة طريقة العمل وتقيس عليها علاقة الأفراد بعضهم ببعض وكيف تتأثر تلك العلاقة بينهم، تماما كما يحدث في إعداد الطعام
الطاهي يقتل الكاتب ينتحر
تختلف عن كل ذلك، الوصفة الشديدة الفرادة والخصوصية التي يقدمها عزت القمحاوي في كتابه "الطاهي يقتل الكاتب ينتحر" (الدار المصرية اللبنانية، 2023) التي يمزج فيها للمرة الأولى بين فنون الطهي وفنون الكتابة، ويجري عددا من المقابلات الطريفة والالتقاطات الذكية بين العالمين، فيتحدث عن علاقة المجتمعات البشرية بالحكاية والطبخ على السواء، وكيف صار هذا الأخير يجمعهم أمام وليمة أو حكاية سبب من أسباب التقارب والوحدة. يتأمل القمحاوي في كتابه كل ما يمكن أن يربط بين الكتابة والطبخ، فيرصد في البداية علاقة كل من الطبّاخ والكاتب بالمادة التي يستعملها:
"لا يرتكب الطبَّاخ القتل إلا بسبب وجود من يُقدِّر فعلته، ويُقبل على الأشباح التي يصنعها، ويشكره لأنه ارتكب نيابة عنه حماقة قطف كل هذه الأرواح، الكاتب يختلف قليلا عن الطاهي، فهو لا يقتل، بقدر ما ينتحر... ويظل الرافد الأساسي لنهر الرواية هو روح الكاتب نفسه. يكتب الروائي آلامه ومخاوفه هو في العادة؛ يمنح كل شخصية من شخصياته شيئا من أفكاره، من ذكرياته، من أحلامه. وكل مجهوده أثناء الكتابة أن يخفي أي أثر لحياته وملامحه، أي أن يتقن قتل روحه ليخلق منها شبحا".
يتحدث القمحاوي عن الشغف بالكتابة، والإنصات للروح والتأمل، وكيف تكون كلها عوامل مهمة لأي كتابة جادة، مثلها كمثل ما يقوم به الطباخ الماهر من إعداد يسبق وجبته الشهية، بل يشير أيضا إلى حاجة الكاتب إلى قدرٍ من الانسحاب من العالم والإصرار على النصر بالحيلة، واعتياد البقاء في الظل!
لا شك أن الحديث عن الكتابة يستحضر تلك الأنواع بين الرواية والشعر، وللقمحاوي تمييز واضح بينهما، ورؤية لكل دور منهما، إذ نراه يقول:
"ما دمنا في صدد الحديث عن أبجدية ولغة، وإذا سلَّمنا بأن الحلوى شعر؛ فالخبز هو الرواية؛ نثر الحياة، له سلطة العادي، سلطة الضرورة. لا يستغني عنه أحد. لحظة ابتكار الخبز هي اللحظة التي ودَّع فيها البشر الخوف من الموت جوعا. لم يعد تناول الطعام رهنا بحظ الصيَّاد، ولا رهنا بمواسم الثمار. ولحظة معرفة الرواية هي اللحظة التي صار الإنسان فيها سيدا على الأرض، قريبا من التحكم في مصيره. وصارت الرواية مستودع أحلامه وأفكاره وذكرياته. يمكن أن يستغني بها عن الكثير من الكتب الأخرى، وبالمثل يمكن لنا أن نأكل الخبز مع كل شيء، ويمكن أن نكتفي به وحده لحظة خروجه ساخنا من الفرن".
يتأمل القمحاوي ويرصد حالات الكتابة المختلفة، والعلاقة بين الكاتب وأدواته والطباخ وعالمه، بطريقة شيقة وذكية، فنراه يذكر في "حكمة الشكل" ضرورة الاهتمام بالتفاصيل في الكتابة، وأنه مهما كانت الحكاية بسيطة و"حريفة" ففي إمكان الكاتب المحترف أن يجعل لها شكلا جذابا يمنحها وجودها وخلودها بين الروايات والآداب العالمية، ويعود أكثر من مرة إلى بناء "ألف ليلة وليلة" وكيف جاء مدهشا محكما، يحوي الكثير من ثيمات القص العادية لكنه يضيف إليها في كل مرة ومع كل حكاية ما يجعلها متميزا وفريدا.
يدور بنا "الطاهي يقتل" بين روايات ماركيز ويوسا ونجيب محفوظ، وغيرهم من النماذج والأمثلة التي يقودها ليدلل بها على مهارة الكاتب وقدرته الخاصة على سبك روايته وإحكام بنائه، كل ذلك بالتوازي مع عالم الطهاة الثري الذي يتقن رصد أدواته وطهي مكونات وجبته على نارٍ هادئة حتى يخرج لنا بوجبة شهية.