تعيد "المجلة" نشر سيرة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر بعد رحيله عن عمر يناهز المئة عام:
قلة قليلة من السياسيين في تاريخ الولايات المتحدة الحديث ظلوا على صلة وثيقة بالسياسة العالمية، بعد ما يقرب من خمسين عاما من تركهم لمناصبهم. وأقلّ منهم من بلغ المئة من العمر ولا يزال يتمتع بقدراتٍ عقلية مثالية. هنري كيسنجر هو دون أدنى ريب واحد من هؤلاء القلائل ومن جميع الجوانب.
وقد يجد الأميركيون الشباب صعوبة في تذكر كيف كان دوايت أيزنهاور يبدو، ولن يكون بوسعهم تسمية وزير خارجيته أو تسمية وزراء خارجية رؤساء أحدث مثل جيمي كارتر. ولكن قلة منهم فقط سيخفقون في تسمية وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر- عملاق القرن العشرين- الذي سيبلغ 100 عام يوم 27 مايو/أيار 2023. وحتى العام الماضي كان كيسنجر واحدا من اثنين من المعمرين في السياسة الأميركية، والثاني هو صديقه وخلفه، جورج شولتز، الذي توفي عن عمر يناهز المئة في عام 2021. ومع رحيل شولتز، أصبح كيسنجر أكبر وزير خارجية على قيد الحياة في الولايات المتحدة، والباقي الوحيد الذي على قيد الحياة من إدارة نيكسون.
وُلد هاينز كيسنجر لعائلة يهودية فرت من الاضطهاد في ألمانيا النازية، وانتقل إلى الولايات المتحدة في سن الخامسة عشرة حيث عمل في مصنع لفِرَش الحلاقة قبل أن يخدم في فرقة المشاة 84 التابعة للجيش التاسع خلال الحرب العالمية الثانية. وتم تكريمه لاحقاً لمشاركته في الهجوم الذي شُنّ في نوفمبر/تشرين الثاني 1944 على خط دفاع سيغفريند الألماني، الذي بني في مواجهة خط ماجينو الشهير في فرنسا. وعند تسريحه من الجيش الأميركي، تقدّم بطلب إلى كل من جامعتي برينستون وكولومبيا، ولكنهما رفضتا طلبه، فانتهى به المطاف للدراسة في جامعة هارفارد بعد حصوله على منحة دراسية. وكان معجبا جدا في مرحلة الدراسة بأعمال الموسوعي الألماني والمؤرخ أوزوالد شبنغلر، والذي كان يجادل بأن الثقافات والحضارات البشرية تشبه الكيانات الحيوية، لكل منها عمر محدود ومتوقع وحتمي المسار.
لقد تناول كيسنجر في رسالة الدكتوراه التي قدّمها دبلوماسيةَ المستشار النمساوي كليمنتس فون ميتيرنيخ بعد حروب نابليون– وهي الدبلوماسية التي اشتهرت بأنها أعادت توازن القوى في أوروبا بعد عقود من الحروب والثورات. ومن المحتمل أن إعجابه بميتيرنيخ ساهم في تشكيل صورة السياسي العالمي الشهير الذي هو عليه اليوم، ولقد حاول بالفعل السير على خطى ميتيرنيخ، ونجح في ذلك نجاحا باهرا.