تعيد "المجلة" نشر مقابلة خاصة أجراها رئيس التحرير الأسبق عبدالرحمن الراشد مع وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر، عام 1992 في نيويورك، وذلك بمناسبة بلوغ كيسنجر اليوم عامه الـ 100. وهذا هو نص المقابلة كما نُشر قبل 31 عاما:
ربما يجوز أن نبدأ الحديث من آخره، فبعد الانتهاء من إجراء الحوار مع الدكتور هنري كيسنجر التفت متسائلاً: لماذا دائماً يلومونني هناك. أي في العالم العربي، على أمور كثيرة؟ قلت له: قد يكون السبب حصيلة أحداث السبعينات وما قيل عن علاقتك الخاصة بالسادات. رد قائلاً: ولكنني لم أتوقع على الإطلاق أن يشن السادات حربه عام 1973، فقد كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة إلي. فكيف أكون طرفاً في القضية؟
وعلاقة كيسنجر بالمنطقة العربية مليئة بالكره والاحترام على حد سواء، وهي تقوم مبدئياً على الشك فيه بحكم يهوديته، وتفسر الكثير من النتائج وفقاً لنظرية المؤامرة. لكن الكثيرين من السياسيين العرب يعترفون بقدرته العجيبة على إنجاز المعجزات السياسية في ظروف صعبة تماماً. وهو كان صاحب الطرح المعروف بأن في بطن كل أزمة فرصة للحل قد لا تتوفر في الأوقات العادية. وهو مبتدع أسلوب ديبلوماسية الخطوة- خطوة لحل القضايا الكبيرة.
والغريب في الأمر أن هذا الديبلوماسي المخضرم لم يفقد حيويته رغم بعده عن كراسي الحكومة. وكان موعد لقائي به، في مكتبه في الدور السادس والعشرين في إحدى ناطحات شارع بارك أفينيو في نيويورك، قد صادف تناوله تقريراً عن أحداث خطيرة في فنزويلا. وخلال لحظات صار مثل دب قلق يذرع مكتبه جيئة وذهاباً. وكان يحاول أن يرتب لنفسه رحلة عاجلة إلى هناك. "المعذرة، فالمسألة قد تصبح خطيرة، أرجو أن يتسع صدرك للانتظار". قالها وراح يكمل دورانه في مكتبه. وفي داخل مكتبه الشخصي، انتشرت عشرات الصور الشخصية له مع زعماء العالم، من بينها صورة خاصة مع أنور السادات وضعت لوحدها تأكيداً لتقديره الشخصي له. وهناك صور أخرى مع الملك حسين ورئيسه السابق ريتشارد نيكسون وغيره من رؤساء أمريكا السابقين. بل هناك صورة جانبية لنائب الرئيس الأمريكي الحالي دان كويل وقد كتب عليها: "شكراً لمشورتك". ولا أعتقد أن كيسنجر سيفخر كثيراً باعتزاز كويل.
ويعاب على كيسنجر اعتزازه واعتداده بنفسه كثيراً، وهو لا يخفي مثل هذا الشعور. إنه أستاذ في القانون في جامعة هارفارد وبروفسور في العلاقات الدولية وصاحب نظريات في العلوم السياسية.
وكان كيسنجر قد حقق وقف إطلاق النار في فيتنام، ومن خلاله وقف المد الشيوعي في بقية دول جنوب شرق آسيا. كما أنه فاجأ الجميع بـ"فتح" الصين وإقامة علاقة غير عادية مع الحزب الشيوعي هناك. وهو الذي وضع أسس اتفاقيات الحد من سياق التسلح مع الاتحاد السوفييتي في عهد ليونيد بريجنيف. وله الدور الأول في اتفاقيات وقف إطلاق النار بين الجانبين العربي والإسرائيلي. فضلاً عن العلاقة مع مصر السادات التي انتهت بإخراج السوفييت منها.
سألت كيسنجر عما ذكره ستيف أمبروز في مؤلفه الثالث الذي صدر حديثاً عن "نيكسون: الحطام والشفاء 73- 1990"، وما ذكره عنه شخصياً، فأبدى امتعاضه ووصف مصادره بأنها ثانوية وقال: "تصور أنه لم يتصل بي ليسألني وجهة نظري حول ما كتبه عني؟". - لكن، لماذا لا يعود وزراء الدولة السابقون إلى العمل فيها مرة أخرى؟ قال: حالات نادرة عاد فيها وزير إلى منصبه... هذه هي الطريقة الأميركية."