أردوغان يدشن بولاية ثالثة المئوية الثانية للجمهوريةhttps://www.majalla.com/node/292271/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A3%D8%B1%D8%AF%D9%88%D8%BA%D8%A7%D9%86-%D9%8A%D8%AF%D8%B4%D9%86-%D8%A8%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8A%D8%A9-%D8%AB%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A6%D9%88%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AB%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9
انتخب الأتراك يوم الأحد رئيسهم الـ 13 لولاية مدتها خمس سنوات في جولة انتخابية ثانية، تزامنت مع دخول البلاد المئوية الثانية للجمهورية التركية.
وتأكد فوز رجب طيب اردوغان مساء الأحد، ليكون أول رئيس ينال ثلاث ولايات رئاسية منذ تأسيس الجمهورية التركية في 1923. وبذلك، يكون قد أمضى اردوغان في السلطة، في مناصب مختلفة، عقدين من المئوية الاولى للجمهورية.
لكن كيف وصل اردوغان الى هنا؟
ولم يتسنّ لأي من المرشحين الأربعة في الجولة الأولى الحصول على 50 في المئة من الأصوات+ صوت واحد، فحصل رجب طيب أردوغان من تحالف الشعب على 49.24 في المئة، تلاه كمال كليشدار أوغلو من تحالف الأمة بـ45.07 في المئة، ثم سنان أوغان من تحالف آتا بـ5.17 في المئة. أما المرشح الرابع، محرم إينجه، فانسحب قبل أيام قليلة من الانتخابات، ولكن كان من المستحيل بسبب ضيق الوقت تغيير ورقة الاقتراع المطبوعة، فبقي اسمه وصورته، وصوّت لصالحه 216.470 شخصا.
فات الفوزُ أردوغان في الجولة الأولى بهامش ضيق للغاية بلغ أقل من 1 في المئة (0.76 في المئة)، بينما فاز حزبه، حزب العدالة والتنمية، بأغلبية في مقاعد البرلمان مرة أخرى. ومع ذلك، مقارنة بانتخابات 2018، فإن حصّة أردوغان من الأصوات تراجعت بنسبة 3.35 في المئة في الانتخابات الرئاسية، بينما تراجعت حصة حزب العدالة والتنمية بنسبة 6.98 في المئة من الأصوات، وخسر 28 نائبا في الانتخابات البرلمانية.
وسعى كل من المرشّحَين اللذين جاءا في المقدمة، أردوغان وكليشدار أوغلو، إلى توحيد ناخبيهما استعدادا للجولة الثانية، وإقناعهم بالتصويت كلّ لمرشحه مرة أخرى، وحث الناخبين الآخرين من مختلف الخيارات.
في معسكر حزب العدالة والتنمية، لا يزال أردوغان الشخصية المهيمنة والشعبية، حيث يعتقد أنصاره أنه، على الرغم من ارتكابه أخطاءً مثلما يفعل أي إنسان، لا يزال رجل الدولة والسياسي الوحيد القادر على حكم تركيا والتعامل مع مشاكلها بالشكل السليم.
في معسكر حزب العدالة والتنمية، لا يزال أردوغان الشخصية المهيمنة والشعبية، حيث يعتقد أنصاره أنه، على الرغم من ارتكابه أخطاءً مثلما يفعل أي إنسان، لا يزال رجل الدولة والسياسي الوحيد القادر على حكم تركيا والتعامل مع مشاكلها بالشكل السليم
وشكّل حزب الحركة القومي، الشريك الرئيس لحزب العدالة والتنمية، إحدى المفاجآت الكبرى في الجولة الأولى، فبينما كانت التقديرات تعطيه 6-7 في المئة من الأصوات في أحسن الأحوال، تمكن الحزب من جنيِ 10.07 في المئة من الأصوات.
لقد دخل أردوغان وحزبه، العدالة والتنمية، الانتخابات وهو يعاني الكثير من نقاط الضعف، أهمها الأزمة الاقتصادية الخطيرة، والزلزال المدمر في 6 فبراير/شباط، ومزاعم الفساد، والمعاملات التجارية المافيوزية، والفضائح التي عصفت بدوائر حزب العدالة والتنمية، وبينها وزراء أردوغان وحزب العدالة والتنمية، وقد تركت جميعها أثرها السلبي على الحملة الانتخابية.
ولكن أردوغان استطاع أن يدفع القضايا الأمنية إلى المقدمة ويُرجع الاقتصاد إلى الصفوف الخلفية، وصوّر منافسه الرئيس كليشدار أوغلو بأنه يساير المنظمات الإرهابية ويريد التراجع عن كل ما حققه أردوغان في عهده، وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب والصناعات الدفاعية.
وأقنع أردوغان قاعدته وناخبيه بأنه، على الرغم من وجود مشاكل في الاقتصاد، سيكون، إذا ما أعيد انتخابه، قادرا على إصلاح الأمور.
وتمكن من إقناع الناجين من الزلزال بتعهداته بإعادة الإعمار، مع أقلّ الخسائر، فحافظ على أصواته حتى في المناطق الأكثر تضررا من الزلزال.
من ناحية أخرى، لا يبدو أن الموالين له يهتمون كبير اهتمام بمزاعم الفساد. وساهمت قدرات أردوغان وحزب العدالة والتنمية في مجال الإعلام والاتصالات، إلى جانب التأثير الكبير، بل حتى السيطرة المطلقة على معظم الصحافة في تركيا، ساهم كل ذلك في نجاحهما في الجولة الأولى، ناهيك عن استخدام امتيازات الرئاسة وموارد الدولة.
لا يبدو أن الموالين له يهتمون كبير اهتمام بمزاعم الفساد. وساهمت قدرات أردوغان وحزب العدالة والتنمية في مجال الإعلام والاتصالات، إلى جانب التأثير الكبير، بل حتى السيطرة المطلقة على معظم الصحافة في تركيا، ساهم كل ذلك في نجاحهما في الجولة الأولى
على الجانب الآخر في تحالف الأمة، أدار كليشدار أوغلو حملة نشطة وذهب شوطا بعيدا في الهجوم، لكنه لم يكن قادرا على كسر وحدة أنصار أردوغان أو انتزاع الناخبين القوميين/المحافظين من بين صفوفه.
لقد ركّز أردوغان وتحالف الشعب على فكرة أن كليشدار أوغلو وحزبه، حزب الشعب، كانا يتعاونان مع حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية. وحاولوا إخافة القوميين بأن كليشدار أوغلو، في حال انتخابه، سوف يطلق سراح زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، والرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرتاش.
بالطبع، رفض كليشدار أوغلو هذه المزاعم ووصفها بأنها أكاذيب وأراجيف باطلة، وأكّد لناخبيه أن حزب العدالة والتنمية هو من تعامل مع حزب الشعوب الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني، وأن مقاطع الفيديو التي تداولها البعض على وسائل التواصل الاجتماعي حول أعضاء حزب العمال الكردستاني وهم يهتفون بشعارات داعمة لحزب الشعب كانت ملفقة (وقد اعترف الرئيس أردوغان نفسه قبل أيام قليلة بأنها كانت ملفقة بالفعل). ومع ذلك، لم ينجح كليشدار أوغلو في إقناع الناخبين القوميين وكثير من أولئك الذين لديهم شعور قومي طاغٍ.
سريالية الانتخابات التركية
ولكن الوضع السياسي بمجمله غريب وسيريالي إلى حد ما، ففيه يقف حزب الحركة القومية، بطل القومية التركية في تركيا، في صفّ واحد مع حزب القضية الحرّة (Hüdapar)، الذي يهيمن عليه أكراد إسلاميون متطرفون، بل إن الحزب كما يُقال ليس أكثر من ذراع سياسية لـ"حزب الله" في تركيا، سيئ الصيت والمسؤول عن جرائم قتل ذات دوافع أيديولوجية.
ويمثل الحزب في البرلمان لأول مرة في التاريخ بأربعة نواب تم انتخابهم على قائمة حزب العدالة والتنمية. ويُشاع أن نواب "Hüdapar" ربما يمتنعون عن أداء القسم التقليدي عند افتتاح البرلمان، لأن النواب يقسمون أساسا على الولاء لـ"الأمة التركية". وفي العادة، يجب أن ينفجر حزب الحركة القومية غضبا، ولكنهم يظلون صامتين.
يواصل أردوغان، استعداده للجولة الثانية، بالتركيز على القضايا الأمنية، ويتهم كليشدار أوغلو بالحصول على دعم من حزب العمال الكردستاني. من ناحية أخرى، يتعامل كليشدار أوغلو الآن مع القضايا المتعلقة بالقومية أكثر مما كان يفعل من قبل. ويؤكد بشكل متكرر على مركزية الحفاظ على تركيا آمنة وإعادة المهاجرين غير الشرعيين من السوريين والأفغان وغيرهم.
وقد برز المرشح الرئاسي الثالث عن تحالف آتا، سنان أوغان، في الجولة الأولى، كصانع ملوك بما حصل عليه من الأصوات، 5.28 في المئة (2.796.613 صوتا)، فكان السؤال الكبير هو: من الذي سيدعم أوغان في الجولة الثانية. وقد أعلن أوغان تأييده لأردوغان، ولكن اتضح أن قراره كان خيارا شخصيا أكثر منه خيارا يعبر عن التحالف بأكمله. وعلى ما يبدو، لن يكون قادرا على إقناع أكثر من نسبة صغيرة من الأشخاص الذين صوتوا له ليصوتوا إلى جانب أردوغان.
يتألف تحالف آتا، الذي دعم أوغان كمرشح رئاسي، من خمسة أحزاب سياسية، أكبرها حزب النصر وهو الذي يشكل العمود الفقري للتحالف. وفي تناقض مع تفضيل أوغان لأردوغان، أعلن الحزب ومكونات أخرى من التحالف دعمهم لكليشدار أوغلو، ووقعوا بروتوكولًا يتكون من سبع مواد تغطي النقاط المتعلقة بالوحدة الوطنية لتركيا وسلامتها، ومكافحة الإرهاب، وحماية الحدود من تدفق اللاجئين، وعودة السوريين.
لقد كانت قضية "السوريين في تركيا" قضية رئيسة لبعض الوقت، ولكنها تنحّت قليلا بشكل أو بآخر قبيل الانتخابات، لتعود الآن، مع صعود القومية وظهور الحزب الوطني على المسرح، لتحتل مركز الصدارة من جديد.
وفي العموم، قد تتباين الأحزاب السياسية حول السوريين تباينات طفيفة، ولكن معظمها متفق على وجوب عودة السوريين وإغلاق حدود تركيا حتى لا تواجه تدفق الغرباء مرة أخرى. وتؤكد الأطراف كافة على ضرورة أن يتم كل ذلك في إطار القانون الدولي.
لقد كانت قضية "السوريين في تركيا" قضية رئيسة لبعض الوقت، ولكنها تنحّت قليلا بشكل أو بآخر قبيل الانتخابات، لتعود الآن، مع صعود القومية وظهور الحزب الوطني على المسرح، لتحتل مركز الصدارة من جديد
الاتفاق بين كليشدار أوغلو وحزب النصر مهم من حيث الأرقام والتأثير النفسي لصالحه وصالح تحالف الأمة. ولكن السؤال المطروح هو كيف سيكون رد فعل الأكراد أو بالأحرى ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي على الاتفاق الموقع بين كليشدار أوغلو والقوميين المتطرفين.
خاض حزب الشعوب الديمقراطي الانتخابات تحت اسم حزب اليسار الأخضر لتجنب أي حظر أو إغلاق محتمل. وجاءت نتائج حزب الشعوب الديمقراطي أقلّ من التوقعات، ولكنه استطاع مع ذلك الحصول على 4.803.218 صوتًا (8.86 في المائة) وإرسال 61 نائبا إلى البرلمان، علما أن الحزب لم يرشح أحدا لمنصب الرئيس، وأدلى ناخبوه بأصواتهم بكثافة لصالح كليشدار أوغلو.
عقد الرئيسان المشاركان لحزب الشعوب الديمقراطي مؤتمرا صحافيا، قالا فيه إن: "أردوغان لا يمكن مطلقا أن يكون خيارا لنا. الخيار الوحيد هو تغييره واستبدال السلطة التي يمثلها. سنذهب جميعا إلى صناديق الاقتراع وسنغير معا نظام الرجل الواحد". وكان ذلك دعما واضح جدا لكليشدار أوغلو.
فإذا وضعنا ذلك كله في الميزان، وافترضنا أن كلا الجانبين سيحتفظان، بشكل أو بآخر، بأصواتهما التي كانا حصلا عليها في الجولة الأولى، فهناك جملة من الأصوات التي يأمل كلا المرشحين الاستفادة منها.
برلمان بلا أغلبية
اليقين أي مرشح سيستفيد من هذه المجموعة، لكن حجب هذه الأصوات يمكن أن يحول الانتخابات لصالح أي من المرشحين.
وحصل المرشح الرئاسي سنان أوغان على 2.7 مليون صوت في الجولة الأولى، واستبعد من الجولة الثانية. الآن سيصوت الأشخاص الذين صوتوا لأوغان لصالح أحد المرشحَين، علما أن غالبيتهم تميل أكثر إلى تفضيل كليشدار أوغلو.
ويقال أن عددا غير معروف من مؤيدي حزب الخير امتنعوا عن التصويت لصالح كليشدار أوغلو في الجولة الأولى، ولكنهم قد يتأثرون في الجولة الثانية بقرار الحزب الوطني الرئيس والتصويت له.
ولا يسمح تشكيل البرلمان الجديد المكون من 15 حزبا و600 نائب لأي حزب أو تحالف بالمضي قدما في سياساته بالشكل الذي يشاء.
على سبيل المثال، يعد تغيير الدستور أمرا مهما بالنسبة للبرلمان الجديد، ولكن مع الأرقام الحالية، لا يمتلك أي حزب أو تحالف بمفرده نسبة ثلثي النواب (400 صوت) المطلوبة لتعديل الدستور أو حتى ثلاثة أخماس النواب (360 نائبا)، لأخذ التعديلات المقترحة للاستفتاء.
ويجادل مؤيدو أردوغان بأنه إذا فاز كليشدار أوغلو، فإنه لن يكون قادرا على الحكم بشكل سلس لأن تحالف الشعب يتمتّع بأغلبية المقاعد في البرلمان مع 322 نائبا من أصل 600، بينهم 267 من حزب العدالة والتنمية.
ولكن المعارضة لا ترى أي مشكلة في الحكم وتقول إنه مع وجود أغلبية تحالف الجمهور في البرلمان، فإن انتخاب كليشدار أوغلو كرئيس من شأنه أن يحقق نظاما صحيا من فصل السلطات (الضوابط والتوازنات) ويدعم بالتالي الديمقراطية. أما إذا فاز أردوغان فسيجمع كلّ السلطات التنفيذية كرئيس، بينما يسيطر حزب العدالة والتنمية على البرلمان، وبالتالي فإن مبدأ الضوابط والتوازنات لم يعد موجودا ولن تكون هناك مساءلة تقريبا، كما يقول أنصار كليشدار أوغلو.
عد تغيير الدستور أمرا مهما بالنسبة للبرلمان الجديد، ولكن مع الأرقام الحالية، لا يمتلك أي حزب أو تحالف بمفرده نسبة ثلثي النواب (400 صوت) المطلوبة لتعديل الدستور أو حتى ثلاثة أخماس النواب (360 نائبا)، لأخذ التعديلات المقترحة للاستفتاء
وفي انتخابات عام 2023، سيطرت قضايا الأمن القومي على المسرح السياسي وتشير نتائج الجولة الأولى إلى أن كليشدار أوغلو فشل في إقناع الجماهير القوميين/المحافظين بأنه سيفعل ما هو أفضل من أردوغان في هذا المجال.
في المقابل، أثمرت حملة تحالف الشعب في خلق تصور بأن حزب الشعوب الديمقراطي يدعم كليشدار أوغلو، مما قوض حملته الناجحة تماما.
ويبقى الاقتصاد قنبلة موقوتة، وتأثيره محسوسا في الحياة اليومية لجميع المواطنين. ويتعرض ناخبو حزب العدالة والتنمية وأنصار تحالف الشعب لضغوط، فيما يتعلق بالتضخم وغلاء المعيشة. لكن بطريقة ما، لم تنعكس شكاواهم على سلوكهم الانتخابي.
أما كليشدار أوغلو فقد راجع سياساته، في الفترة التي تسبق الجولة الثانية، وأجرى التعديلات اللازمة، وصار تركيزه الآن أكبر على قضايا الأمن القومي.
نجح كليشدار أوغلو في حشد دعم تحالف آتا وما يسمى القوميين المتطرفين. ومن المحتمل أن يكون هذا الإنجاز قد ترك انطباعا لدى الجمهور القومي الأوسع، مما يجعل البعض منهم أميل إلى التصويت لصالح كليشدار أوغلو هذه المرة.
باختصار، يبدو أردوغان، إذا ما اعتمدنا على نتائج الجولة الأولى حسابيا، أقرب للفوز في الجولة الثانية من منافسه بكثير. ولكن، مع افتراض أن مؤيدي كلا الجانبين سيظلون مخلصين ويتمسكون بتفضيلاتهم كما حدث في الجولة الأولى، فإن المجموعة التي تضم نحو 10 ملايين شخص، كما بيّنت بإيجاز أعلاه، هي في النهاية من سيحدّد النتيجة.