دانتي والإسلام
من أشهر الأعمال التي ترجمها توفيق، بالتعاون مع المستعرب الإيطالي روبرتو روسّي تيستا، كتاب "دانتي والإسلام" (العنوان الأصلي: علم الأمور الأُخرَوِيَّة الإسلامية في الكوميديا الإلهية)، وهو العمل الرئيس والأكثر شهرة للمستعرب الإسباني ميغال آسين بالاثيوس (1871-1944)، الذي نشر عام 1919، ولم يُترجم إلى اللغة الإيطالية سوى في عام 1997، بسبب اعتراضات الأوساط الأدبية المختصة بدراسات أدب دانتي.
كتب الناقد والأديب وأستاذ الأدب المعاصر في "الكوليج دو فرانس" في باريس كارلو أوسّولا في مقدمة الكتاب أنه "يفيض بذخيرة لا تنضب من المصادر والتشابهات والتماثلات، وتتم مقارنة الرؤية الأخروية للكوميديا الإلهية لدانتي أليغييري بشكل منهجي مع عوالم أخرى موصوفة في الأعمال الأدبية والدينية العربية". وقد أثار هذا الكتاب عند ظهوره جدالا كبيرا، وخاصة بين دارسي دانتي الإيطاليين، غير المستعدّين لقبول فرضية تأثير الفن والفكر العربيين الإسلاميين على "الكوميديا الإلهية" (وأيضا اللحظة الدقيقة من إصدار الكتاب، عشية الاحتفالات بالذكرى المئوية السادسة لوفاة دانتي والتي كانت ستختم صورته كأقصى ضامن لقيمة الأدب الإيطالي في العالم).
قام ميغال آسين بالاثيوس نفسه بتوثيق ردود الفعل التي أثارها الكتاب، وضمّنها في مؤلفه "في التاريخ وانتقاد الجدال"، وهو مراجعة للنقد السلبي والإيجابي للمختصين بأدب دانتي، وكذلك للمستعربين والمؤرخين واللغويين. نُشر الكتاب في عام 1924 وتابع المؤلف تحديثه حتى بداية الأربعينات. بعد خمسين عاما على وفاة بالاثيوس، نشرت دار "براتيكا" مؤلف بالاثيوس في الترجمة المتقنة لروبرتو روسّي تيستا ويونس توفيق، ومنذ ذلك الحين أعيد طبع الكتاب، حتى الإصدار الحالي، الذي تضمّن عشرين سنة من التحقيقات، ومن الأبحاث الموازية التي أجرتها ماريا كورتي، ثم المزيد من الباحثين الشباب، من أندريا تشيلي إلى لوتشيانو غارغان. أصبح واضحا من خلال الدراسات، أن "كتاب المعراج" Liber de scala كان واسع الانتشار في الدول الناطقة باللاتينية، حتى أنه ذُكرت نسخة منه في جرد لمكتبة في مدينة بولونيا، عاصمة مقاطعة إميليا رومانيا، أنجزها أحد الآباء الدومينيكان في زمن دانتي.
وعن كتاب بالاثيوس يقول أومبرتو إيكو، في مقال نشر عام 2014 على صفحات مجلة "لاسبريسّو": "في عام 1919 نشر ميغال آسين بالاثيوس كتابا ("علم الأمور الأُخرَوِيَّة الإسلامية في الكوميديا الإلهية") أحدث ضجة كبيرة على الفور. إذ أنه حدّد عبر مئات الصفحات أوجه التشابه المذهلة بين نص دانتي والنصوص المتعددة للتقاليد الإسلامية، ولا سيما النسخ المختلفة من معراج النبي محمد. في إيطاليا على وجه الخصوص، نشأ جدال بين مؤيّدي هذا البحث والمدافعين عن أصالة دانتي. كنا على وشك الاحتفال بالذكرى المئوية السادسة لوفاة أعظم الشعراء الإيطاليين، وعلاوة على ذلك، فقد كان يُنظر إلى العالم الإسلامي بازدراء في مناخ من الطموحات الاستعمارية والتمدين: كيف يمكن للمرء أن يعتقد أن العبقرية الإيطالية كانت مدينة لتقاليد أولئك المُعدمين "غير الأوروبيين... لقد بات الاعتقاد راسخا الآن أن دانتي تأثر بالعديد من المصادر الإسلامية".
الكتاب الذي أثار الكثير من الجدال كان "علم الأمور الأُخرَوِيَّة الإسلامية في الكوميديا الإلهية". كيف بدأ هذا العمل وما رأيك في الأصوات الكثيرة التي انتقدته بشدّة في بعض الأحيان؟
في عام 1991 وبعد حرب الخليج الأولى، نظّم الشاعر والروائي الإيطالي جوزيبّي كونتي في مدينة سان ريمو لقاء دوليا كبيرا ومهمابعنوان "الفراشة واللهب" للتقريب بين ثقافات ضفتي البحر الأبيض المتوسط. دعيت كشاعر لإلقاء قصيدتي "ليلة القدر" باللغتين العربية والإيطالية.
هناك تعرفت إلى البروفسور كارلو أوسّولا، الناقد الأدبي والعالم اللغوي، الذي ركز في خطابه على المقارنة بين كتاب الإسراء، وكتب أساتذة صوفيين مثل ابن عربي والسنائي الغزنوي وغيرهما من جهة، و"الكوميديا الإلهية" من جهة أخرى.
في تلك المناسبة طلب مني ترجمة كتاب بالاثيوس، فقبلت التحدّي وطلبت من روبرتو روسّي تيستا مساعدتي في ترجمة النصوص من الإسبانية بينما اضطلعت بترجمة النصوص العربية الأصلية التي ضمّنها المؤلف كتابه دون ترجمة. بمجرد نشره، حقق الكتاب، على عكس الجدال الذي اندلع في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، نجاحا بين المختصين في علوم التاريخ والأدب الإيطاليين، المتحمسين للأدب العربي مثل ماريا كورتي وغيرها من نقاد الجيل الجديد وصدرت منه العديد من المطبوعات وتناقلته دور نشر كثيرة.