لم يترك الفلسطينيون طريقة لمصارعة إسرائيل إلا وجرّبوها، منذ إقامتها قبل 75 عاما، في سعيهم العنيد لانتزاع حقوقهم العادلة والمشروعة، من العمليات الفدائية، إلى الانتفاضات الشعبية، وصولاً إلى الحروب الصاروخية، مرورا بالعمليات التفجيرية، وخطف الطائرات، إلى جانب السير في طرق الدبلوماسية والمفاوضات والاتفاقيات وتقديم التنازلات.
لكنهم في كل ذلك، ومع التقدير لتضحياتهم وبطولاتهم، لم ينجحوا، بل وظلّوا خاسرين.
وفي المقابل فإن إسرائيل ظلّت قادرة على امتصاص، أو استيعاب، كل أشكال الكفاح الفلسطينية، السلمية والعسكرية، الشعبية والفدائية، وتفويتها، بحيث إنها كانت تسبق الفلسطينيين، ولا تمكّنهم من استثمار أي خيار، في حين تقوم بتدفيعهم الأثمان الباهظة.
إذن، الحديث هنا لا يفيد بالانحياز إلى خيار كفاحي دون غيره، وإنما يفيد بمناقشة واقع عجز حركة التحرر الفلسطينية المعاصرة، وعمرها 58 عاما، عن تحقيق إنجازات توازي- ولو بشكل نسبي- التضحيات التي بذلت، فهي عوضاً عن ذلك ظلّت تأكل، أو تبدّد، الإنجازات التي حقّقتها في أواسط السبعينات، في السنين العشر الأولى لانطلاقها، بمعنى أنها كفّت عن إضافة أي انجاز حقيقي، منذ الـ48 عاماً الماضية. ومثلا: أين وحدة الشعب الفلسطيني اليوم؟ وأين منظمة التحرير الفلسطينية؟ وأين الهدف الوطني الجامع للفلسطينيين؟
اقرأ أيضا: المنظمات اليهودية المتطرفة...هل تُصنف ميليشيات؟
والمعنى أن الفلسطينيين غير قادرين، في الظروف الدولية والإقليمية السائدة، على تثمير تضحياتهم وبطولاتهم، لا بالوسائل العسكرية، ولا الشعبية، لا بالانتفاضات، ولا بالمفاوضات، لكن ذلك لا يعني أنه ليس لديهم ما يفعلونه. على العكس، فتلك الحال تتطلب منهم أشياء كثيرة، لكن على أساس إدراكات سياسية وكفاحية جديدة، ومغايرة، تتأسّس على:
أولا، نبذ الأوهام والمراهنات، في هذه الظروف، سواء على أطراف خارجية، أو على خيار كفاحي أو سياسي معيّن، مهما كان، وعدم المبالغة في قدراتهم، وإدراك حال الضعف العضوي في أوضاعهم كشعب مجزّأ، ويخضع لسيادات عدة دول، ويفتقد للموارد، ويعيش في الداخل في نطاق الهيمنة الإسرائيلية. وعلى سبيل المثال، ما معنى التناقض بين فلسطينيين يقاتلون إسرائيل، وفلسطينيين يعملون فيها؟! وبين غزة التي تقصف إسرائيل وتقصف من قبلها، وغزة التي تحتاج للمعابر مع إسرائيل لتأمين حاجاتها الأساسية منها؟ ثم ما معنى التهدئة، أو الهدنة إذن؟ وكيف يمكن الحديث عن "شعب الجبارين"، وعن "زلزلة الأرض تحت اقدام إسرائيل"، في حين لا يمكن اقتلاع مستوطنة، أو تجاوز معبر قلنديا (بين رام الله والقدس، أو الاستغناء عن معبري إيريتز وكرم أبو سالم (مع غزة)؟ والفكرة هنا أن الشعب الضعيف، يحاول تعويض ضعفه بالتوهمات، والشعارات، وهو الذي تشتغل عليه الفصائل، كجزء من عدّة شغلها.