صعّدت القوات الأمنية للنظام السوري في الأسابيع الأخيرة من حملة الترهيب التي تشنها ضد المجتمعات المحلية في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقا في درعا وحمص. وتعرض سكان هذه المناطق لتهديدات خطيرة، بشن هجمات عسكرية ما لم يسلموا طوعا أفرادا مطلوبين من قبل النظام مع أسلحتهم. بالإضافة إلى ذلك، اُضطر بعض الأفراد إلى الخضوع لعملية مصالحة جديدة، أجبروا من خلالها على إفشاء معلومات تجرّم أقاربهم وأصدقاءهم في سبيل الحصول على السماح لهم بالبقاء في مناطقهم.
وفي حين كان التبرير السابق لمثل هذه الإجراءات العدوانية مرتكزا في المقام الأول حول اجتثاث مؤيدي داعش، فقد قام النظام الآن بتأطير أفعاله الأخيرة باعتبارها جزءا من جهد أوسع لمكافحة تهريب المخدرات وتحقيق الاستقرار في المناطق المستهدفة. ويبدو أن النظام يستغل المطالبَ المرتبطة بإعادة قبول سوريا المحتملة في جامعة الدول العربية، ومنها معالجة تجارة المخدرات وتسهيل عودة اللاجئين، باعتبارها أدوات لتعزيز سيطرة الأسد في المناطق التي لا تزال سلطة النظام فيها محل نزاع.
لقد جرت هذه الأحداث جميعها في فترة قصيرة من الزمن، مما يشير إلى وجود تنسيقٍ محتملٍ أو استراتيجية أكبر في هذه اللعبة. وكانت أم المياثين الواقعة شرق درعا أول بلدة تواجه تهديدا من هذا النوع، وذلك حين خيّرت المخابرات العسكرية المعارضين بين خضوعهم التام للنظام عبر عملية مصالحة جديدة، أو إجبارهم على النزوح إلى شمال سوريا. وبعد مفاوضات دارت بين القادة المحليين والجهاز الأمني، وافق 25 فردا من القائمة المطلوبة على الامتثال لمطالب النظام. ومن ثمّ سُلمت 12 بندقية بناء على طلب المخابرات العسكرية كجزء من الاتفاق.
اُضطر بعض الأفراد إلى الخضوع لعملية مصالحة جديدة، أجبروا من خلالها على إفشاء معلومات تجرّم أقاربهم وأصدقاءهم في سبيل الحصول على السماح لهم بالبقاء في مناطقهم
وعلى نحو مشابه، عقدت الأجهزة الأمنية اجتماعا مع شخصيات بارزة من بلدة تلبيسة الواقعة شمالي حمص يوم 19 مايو/أيار، وقدمت لها عدة مطالب، من بينها تسليم الأسلحة والأفراد المطلوبين للنظام، مهددة بشنّ عملية عسكرية محتملة إن لم يُمتثل لتلك الشروط. وبينما ادعى النظام أن المطلوبين متورطون في تهريب المخدرات، أشارت مصادر محلية إلى أن الدافع الحقيقي وراء هذه المطالب هو بسط السيطرة الكاملة على المنطقة. وذكروا كذلك أن المسؤولين عن إنتاج المخدرات في حمص، فضلاً عن مواقع أخرى، يحافظون على علاقات مالية مع النظام ويعملون تحت جنحه.
وفيما تبدو المفاوضات في حمص مستمرة، عقدت المخابرات العسكرية اجتماعا مع شخصيات بارزة من بلدة النعيمة، والتي تقع في درعا يوم 20 مايو/أيار. وطالبت قوات الأمن خلال هذا الاجتماع، بتسليم 50 بندقية آلية و15 مسدسا، بالإضافة إلى بدء عملية مصالحة جديدة لـ48 شخصا من البلدة. وبينما كانت الذريعة لهذه المطالب تحسين الوضع الأمني، حذرت قوات الأمن مباشرة من هجوم وشيك على البلدة في حال لم يُستجب لمطالبها، وذلك ما يفاقم من هشاشة الاستقرار في المنطقة.
وتجدر الإشارة إلى أن النظام قد تعمد تركيز جهوده على المناطق التي استُعيدت من جماعات المعارضة من خلال اتفاقيات الاستسلام قبل عدة سنوات. حيث منحت هذه الاتفاقات نظام الأسد وجودا عسكريا أو أمنيا في هذه المناطق، لكن من دون القدرة على بسط سيطرته الكاملة عليها أو تهدئتها. وفي حين أفادت هذه التسوية الأسد في بداية الأمر من خلال خدمة مصلحته، لكنه أصبح غير راضٍ عن هذه التسوية بسبب قيودهاـ في الوقت الذي تتزايد فيه قوة النظام، وتأثيره السياسي.
مع ذلك كله، يواجه النظام عقبات في تنفيذ المداهمات على هذه المدن. حيث تحتضن هذه المناطق عددا كبيرا من المقاتلين السابقين والمنشقين والأفراد الذين يتم البحث عنهم بسبب تخلفهم عن الخدمة العسكرية. وبالتالي، فإنه من المرجح لأي عمليات عسكرية تشن ضد هذه المناطق أن تواجه مقاومة حازمة من السكان المحليين. ويمكن أن تحمل هذه المقاومة معها تداعيات على الأمن القومي للدول المجاورة، ولا سيما الأردن. لذلك، وبدلا من اختياره شنّ هجوم واسع النطاق يتطلب موارد كبيرة، ويحتمل أن يعطل جهود المصالحة الجارية، يستخدم النظام مزيجا من التهديدات بالعنف والمفاوضات لاستعادة بسط سيطرته بأقل جهد ومن دون جذب انتباهٍ غير مرغوب فيه.
وبالإضافة إلى توسيع سلطته، يمكن أن يكون ثمة دوافع مالية خلف هذه الإجراءات العدوانية. فوفقا للمصادر المحلية، تطالب قوات الأمن في كثير من الأحيان بتسليم الأسلحة من السكان في مناطق المعارضة السابقة، بغض النظر عما إذا ما كانت تلك الأسلحة موجودة فعلا في المواقع المستهدفة، بل إن بعض هذه الأسلحة قد باعتها، في بعض الحالات، قوات الأمن نفسها للسكان المحليين في السابق، عبر وسطاء، لتعود في النهاية إلى نفس القوات التي باعتها للسكان أصلا. وهذا يثير تساؤلات حول تورط قوات الأمن في دائرة من صفقات الأسلحة غير المشروعة، ويؤكد الاستغلال المحتمل للمجتمعات المحلية بقصد الربح.
يستخدم النظام مزيجا من التهديدات بالعنف والمفاوضات لاستعادة بسط سيطرته بأقل جهد ومن دون جذب انتباهٍ غير مرغوب فيه
وإذا واصل النظام السوري جهوده لتشديد قبضته على المناطق التي كانت تحت سيطرة المتمردين سابقا، فهناك خطر كبير من تصاعد الصراعات والاضطرابات في هذه المناطق. لذلك، يجب على الدول المشاركة في المفاوضات مع النظام أن تأخذ جانب اليقظة وتمنعه من استخدام مطالب الإصلاح كذريعة لتبرير التصعيد أو الانتهاكات المستقبلية. وبدلاً من ذلك، يجب تحديد الخطوات المطلوبة بوضوح وتقييمها بعناية وإخضاعها لمراقبة ضامنين مستقلين لضمان مساهمتهم في الاستقرار على المدى الطويل، بدلا من السماح بالتلاعب بتلك الخطوات.