لا يكاد يمضي أسبوع، حتى تثار قضية اعتداء جنسي جديدة بطلها أو المتهم فيها، شخصية معروفة سواء في الأوساط الاجتماعية أو الاقتصادية أو الرياضية أو حتى السياسية. وتثار معها الفوارق بين "الاعتداء" و"التحرش"، و"الصدّ" و"القبول" وما إلى ذلك من مصطلحات انتقلت من وسائل الإعلام إلى أروقة المحاكم.
في كلّ مرة يحدث فيها ذلك، تعود إلى الواجهة حركة "أنا أيضا" ME TOO، التي بدأت عام 2017، كهاشتاغ على وسائل التواصل الاجتماعي، تستخدمه النساء من مختلف الأعمار والبلاد واللغات، للإدلاء بشهاداتهن عمّا تعرضن له من اعتداءات جنسية اقترفها رجال ينتمون إلى دوائر محمية بشكل أو بآخر.
لم يكن الهدف الأساسي من هذه الحملات، الدفع بهؤلاء الرجال المعتدين إلى السجن، بدا ذلك على أي حال حلما بعيد المنال، حتى مع تعدّد الادعاءات ضد رجل واحد، وحتى مع الإثبات القانوني لصحة بعض هذه الادعاءات. بل بقيت هذه الاعترافات ببساطة نوعا من التواصل بين الضحايا، التماسا للمواساة، ومحاولة للتخلص من ثقل الصدمة، ونشرا للوعي ومحاولة المضي قدما في الحياة.
لا نستطيع القول إن العالم تغيَّر بتحريض من هذه الحملات، أو إنه صار جنة للنساء، لكننا لا نستطيع أن ننفي أيضا أن أملا في الأفق بدأ يرتسم. وقد يكون هذا التغيير حدث في وعي النساء، سواء كضحايا سابقات، أو ضحايا محتملات، أكثر مما حدث في دوائر الرجال المحصنين بالقوى المعنوية أو السياسية وغير المستعدين لخسارة امتيازاتهم. تَمثَّل هذا الوعي في الكلام الحرّ والمتحدّي عن هذه الحوادث المؤسفة، من جانب النساء، وفي إصرار بعض الضحايا على شكاية المعتدين قضائيا. وهذا ما حدث في حالة المنتج الأميركي الشهير هارفي وينستين، ويحدث هذه الأيام في حالة الممثل الفرنسي الشهير جيرار دوبارديو.
أما الحادثة الأبرز، فتعود إلى 9 مايو/أيار الماضي، حين اضطر دونالد ترامب إلى المثول أمام القضاء الذي أصدر حكما بإدانته بتهمة الاعتداء الجنسي على الكاتبة إ. جين كارول عام 1991. ومع أن حكما بالسجن لم يصدر ضد الرئيس الأميركي السابق، إلا أن المحكمة قضت بأن يدفع تعويضا للكاتبة يبلغ 5 مليون دولار، للأضرار التي لحقت بسمعتها، فترامب لم يتوقف خلال الأعوام الماضية عن استدعاء اسم كارول بصورة سلبية، واتهامها باستغلاله لتحقيق شهرتها.