حمل رائدا الفضاء السعوديان ريانة برناوي وعلي القرني وطنهما وشعبهما في الرحلة التاريخية إلى محطة الفضاء الدولية، التي وصلا إليها عبر المركبة الفضائية "سبايس إكس دراغون". وأُطلِقت البعثة، وهي جزء من برنامج "أكسيوم 2"، من مركز كينيدي للفضاء التابع لـ"ناسا" في فلوريدا وانضم إليها رائدا الفضاء الأميركيان، بيغي ويتسون وجون شوفنر. وينضم الرائدان السعوديان في رحلتهما إلى محطة الفضاء الدولية، إلى رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي، الموجود حالياً في محطة الفضاء الدولية في بعثة مدتها ستة أشهر.
وفي أول تعليق لرحلة الطاقم في المدار، قالت برناوي: "مرحباً من الفضاء الخارجي. إنه لشعور مدهش أن تشاهد الأرض من هذه الكبسولة". وأضافت: "نحن هنا نشعر بالجاذبية الصغرى بفضل المملكة العربية السعودية والقائدين، الملك سلمان وصاحب الرؤية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لدعمهما هذه البعثة". وأعربت عن تحياتها الخاصة لعائلتها. وقالت: "بالنسبة إلى الناس في أنحاء العالم كله، حسناً، المستقبل مشرق للغاية. أود أن تحلموا أحلاماً كبيرة. آمنوا بأنفسكم وآمنوا بالإنسانية".
"لحظة تاريخية لكل سعودي"
من جانبه، قال القرني إن هذه اللحظة كانت "تاريخية ليس فقط بالنسبة إليّ بل إلى كل سعودي. لم يكن في إمكاني فعل ذلك من دون الدعم والحب والثقة منكم جميعاً". وأعرب عن امتنانه لخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، لتمهيد الطريق لهذه اللحظة ولـ"تمكينهما ودعمهما وثقتهما التي لا تنتهي والتي يجب أن يفخر بها كل سعودي". وأضاف: "عندما أنظر إلى الخارج إلى الفضاء، لا يسعني إلا أن أعتقد بأن هذه مجرد بداية لرحلة عظيمة لنا جميعاً".
العالم العربي
حتى الآن، هناك أربعة رواد فضاء من أصل عربي، إلى جانب برناوي والقرني. سافر الأمير سلطان بن سلمان من المملكة العربية السعودية في مكوك الفضاء الأميركي عام 1985. ونفذ رائد الفضاء السوري محمد فارس رحلة فضائية عام 1987، من ضمن بعثة سورية سوفياتية مشتركة. عام 2019، قام هزاع المنصوري من دولة الإمارات العربية المتحدة برحلة في مركبة الفضاء "سويوز إم إس-15" إلى محطة الفضاء الدولية، وعام 2023 انتقل النيادي إلى محطة الفضاء الدولية على متن كبسولة طاقم "سبايس إكس دراغون". يُذكَر أن محطة الفضاء الدولية – وهي مثال فريد للتعاون بين روسيا والغرب – تدور حول الأرض بسرعة نحو 28 الف كيلومتر في الساعة منذ عام 1998.
تحدث التطورات الرئيسية في استكشاف الفضاء وعلومه في العالم العربي في شكل رئيسي في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. وتعتمد معظم البلدان العربية الأخرى على المراصد الفضائية الأرضية فقط.
تأسست الهيئة السعودية للفضاء عام 2018 وترأسها لدى إنشائها الأمير سلطان بن سلمان، وهي مكلفة تنظيم كل ما يتعلق بالفضاء، بما في ذلك الأمن. تضع الخطط والسياسات لتشغيلها، وتنفذ الاستراتيجيا الوطنية للفضاء، وتنظم الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية السعودية، وتطور البنية التحتية المتعلقة بالفضاء، وتشرف على البعثات الفضائية، وترفع مهارات الموظفين المرتبطين بالفضاء، وتعزز أمن الفضاء، وتتعاون مع المنظمات الوطنية والدولية المماثلة.
من جانبها، تأسست وكالة الإمارات للفضاء عام 2008، وأطلقت عام 2020 "مسبار الأمل"، الذي يهدف إلى اكتشاف المريخ ودخل مدار الكوكب عام 2021. اقترحت الوكالة عند تأسيسها، إنشاء وكالة فضاء عربية، مثل وكالة الفضاء الأوروبية. وهي تطور قطاعاً وطنياً للفضاء وتنظمه، وتشجع البحوث والابتكارات في مجال الفضاء، وتعزز مهارات الموظفين المرتبطين بالفضاء، وتتعاون مع المنظمات الإقليمية والدولية المماثلة.
الإنجازات الفلكية العربية
بين زمن بطليموس وكوبرنيكوس، وهي فترة تزيد على ألف سنة، لم يشهد علم الفلك أي تطور ملحوظ في أوروبا. أما في العالم الإسلامي، فحدث تقدم كبير بين القرنين التاسع والحادي عشر - العصر الذهبي للحضارة الإسلامية - سواء في الأدوات الرياضية الفلكية أو في مراقبة السماء.
تحققت الإنجازات، التي كتب معظمها باللغة العربية، في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والأندلس وشمال أفريقيا والشرق الأقصى والهند. واعتمد علم الفلك الإسلامي في مراحله المبكرة على الأعمال الفلكية الهيلينية والساسانية والهندية المترجمة. وبينما تقدم علم الفلك العربي وأنتج أدبياته الخاصة، أثر في علماء الفلك البيزنطيين والهنود والأوروبيين والصينيين ومن مالي أيضا. وحتى يومنا هذا، لا تزال بعض النجوم تحمل أسماءها العربية بلغات غير عربية. مثلاً، الدبران (Aldebaran) والطائر (Altair). وينطبق الأمر نفسه على بعض المفاهيم والأدوات الفلكية. مثلاً، السمت (azimuth)، والنظير (nadir)، والعضادة (alidade).
بدأ العصر الذهبي لعلم الفلك الإسلامي في عهد الخليفة هارون الرشيد ثم ابنه المأمون، وكلاهما سعى إلى تعزيز العمل العلمي والثقافي في الأمبراطورية. أسس الخليفة المأمون خلال فترة حكمه في بغداد، بين عامي 813 و833، "بيت الحكمة"، أكبر مكتبة منذ مكتبة الإسكندرية، وأنشأ عام 829 أول مرصد فلكي دائم في العالم.
وكما هي الحال مع الحضارات السابقة واللاحقة، أدى علم الفلك دوراً دينياً: ساعد المؤمنين في تحديد أوقات الصلاة والصيام، من بين طقوس أخرى. كذلك كان حاسماً في التجارة لأنه سمح للقوافل والسفن بتحديد وجهاتها. وتضمنت الترجمات الرئيسية في المرحلة المبكرة كتاب "المجسطي" لكلوديوس بطليموس و"العناصر" لإقليدس، لكن في وقت لاحق، كان كتاب "زيج السندهد" (الدليل الفلكي للسند والهند) للخوارزمي، الذي نُشِر في سبعينات القرن الثامن، أول عمل فلكي رائد باللغة العربية.
شخصيات إسلامية بارزة
في الوقت نفسه تقريباً كما الخوارزمي، كتب الفرغاني "في الحركات السماوية وجوامع علم النجوم"، وهو عمل يستند إلى علم الفلك الذي وضعه بطليموس. كذلك قدّم أفكاراً جديدة. مثلاً، يجب أن يؤثر السبق في الموقع الظاهر للكواكب، وليس فقط النجوم. وأدى هذا العمل دوراً كبيراً في أوروبا الغربية عندما تُرجِم إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر.
في نهاية القرن التاسع، كانت الشخصية المهيمنة هي عالم الفلك العربي البتاني الذي راقب السماء من سوريا وأجرى قياسات بدقة ملحوظة في ذلك الوقت. وتحدد القياسات مدة السنة الشمسية، وقيمة تقدم الاعتدالات، وميل مسير الشمس. كما انتهز الفرصة لوضع دليل يضم 489 نجمة.
من وجهة نظرية أكثر، فإن عمله الرئيسي، "كتاب الزيج" (الدليل الفلكي)، له أهمية أساسية لأنه قدم للمرة الأولى علم المثلثات في دراسة الكرة السماوية. وأثبت هذا النهج الجديد أنه أقوى بكثير من طريقة بطليموس الهندسية. وتُرجِم هذا الكتاب إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر وأثر في شكل كبير في علماء الفلك الأوروبيين العظماء في القرنين السادس عشر والسابع عشر.
عام 994، بنى عالم الفلك الخجندي آلة سدس ضخمة مثبتة على حائط في مرصد الري بالقرب من طهران، وهي أول أداة تسمح بقياسات أكثر دقة من الدقيقة القوسية. واستخدمه لتحديد قيمة أدق لميل مسير الشمس.
في الوقت نفسه تقريباً ظهر عالم آخر، البيروني. وعلى غرار هؤلاء الأسلاف، اهتم بالعديد من المواضيع مثل الرياضيات والجغرافيا. في علم الفلك، برع في الملاحظات المتقدمة لكسوف القمر والشمس، لكن أيضاً في نهج أكثر حداثة للطريقة التجريبية، عندما حلل الأخطاء التي شوهت قياساته وقياسات الخجندي.
في القرن الحادي عشر، أصبح عمر الخيام، المعروف اليوم بشعره، مهتماً أيضاً بمواضيع مختلفة، ولا سيما الجبر وعلم الفلك. وابتكر جداول فلكية جديدة، لكنه ميز نفسه قبل كل شيء من خلال تحديد طول السنة الشمسية بدقة متناهية في ذلك الوقت.
للأسف، انتهى هذا العصر الذهبي لعلم الفلك الإسلامي في القرن الثاني عشر مع بدء علماء الفلك الأوروبيين في القيام بالإنجازات. وتُرجِمت أعمال هذه الفترة المزدهرة تدريجياً إلى اللاتينية، في طليطلة، إسبانيا، وانتشرت في أوروبا. ومن خلال هذه الترجمات، أعاد العلماء الأوروبيون في أواخر العصور الوسطى اكتشاف نظريات بطليموس وأصبحوا على دراية بالتقدم المحرز في العالم الإسلامي.