من السيء أن تصبح الأشياء السيئة روتينا تعتاده في حياتك اليومية، وأخشى أن تكون الحرب الكارثية في السودان في طريقها إلى أن تصبح كذلك، لأنها لم تنته في ساعات أو حتى في أيام كما وعد جنرالات الحرب يوم اندلعت قبل أكتر من شهر.
والحقيقة أن الدرس البليغ الذي قدمته الحرب حتى هذه اللحظة نراه في قدرتها على قلب حياة الناس ودفعها بقوة الصاروخ إلى الخطر والظروف الإنسانية المتردية والبحث عن سبل النجاة وضرورات الحياة الأولية بدلا من البحث عن الرفاه والحرية والديمقراطية، لذا على من يخوضها أن يضع حياة الشعوب في الحسبان قبل حسابات النصر أو الخسارة.
ربما نجد في الحرب العبثية، على حد توصيف أطراف النزاع أنفسهم لها، ربما نجد فيها دروسا أخرى نستفيدها في المستقبل، على الرغم من أن الحرب تقدم دروسها بأثمان باهظة وبطريقة قاسية. والدرس الأول الذي تجلى أننا كشعوب مقهورة ملزمة بأن تكون جزءا من ذهن السلطة وضميرها، وأن مخالفة هذا الذهن والضمير في أوان الحرب جريمة نعاقب عليها، ومن السهل اتهامك بالخيانة الوطنية.
وحتى نشرح كيف يجب أن نكون جزءا من ذهن السلطة وضميرها نجد أنه قبل هذه الحرب بأشهر قليلة كانت الأطراف المتحاربة– قادة الجيش، والدعم السريع- وهما يسيطران على السلطة، يصدران للشعب السوداني أن العلاقة بينهما سمنا على عسل، وأن علاقتهما تاريخية لا يمكن أن تفسدها تقلبات الدهر مهما يكن، وبرع كل طرف في رسم صورة زاهية للطرف الآخر، وأن همهما الأوحد تحقيق أهداف ثورة السودانيين في السلام والعدالة والحرية، ومثلا كانت السلطة تريد أن نكون جزءا من ذهنها الذي يرى قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" رجلا صالحا، على حد قول عضو مجلس السيادة الفريق أول شمس الدين الكباشي في مقطع فيديو متداول على الإنترنت في أيام شراكتهما بعد الثورة.
اقرأ أيضا: ما دلالات إقالة البرهان لـ "حميدتي" الآن؟