بعد صدور البيان الختامي للقمّة العربية الـ32 في جدة الذي أعاد ترتيب الأولويات للقضايا الملحة في العالم العربي- بدءاً من القضية الفلسطينية والأزمة السورية والوضع اللبناني، مروراً بالملف الإيراني والوضع المتفجر في السودان، وصولاً إلى قضايا البيئة والأمن السيبراني، والملفات الاقتصادية والاجتماعية- يمكن القول إن ما قبل قمّة جدة ليس كما بعدها.
الفارق النوعي بين المرحلتين لا يقاس بالتغييرات المنشودة أو التداعيات التي لا زال من المبكر تلمّسها على صعيد الاستقرار الأمني والسياسي في أكثر من مكان، بل بالاختلاف المنهجي في المقاربات الجديدة للأزمات الراهنة والفهم العميق لميزان القوى الإقليمي وإدراك حقيقة ارتباطه بمراكز القوى الدولية والسعي لتفكيك رموزه، ورصد مؤشرات ظهور منظومة جديدة من العلاقات الدولية وربما نظام دولي جديد.
لقد انهالت الأحداث غير المسبوقة على المنطقة، بدءاً بتوقيع الاتفاق السعودي- الإيراني برعاية الصين في العاشر من مارس/آذار المنصرم، مروراً بحراك دبلوماسي تصدّرته المملكة العربية السعودية، وتنقل من تونس والجزائر إلى دمشق، مروراً بالرياض وعمان وبغداد والقاهرة وأبوظبي، وتوّج باتخاذ وزراء الخارجية العرب قراراً بعودة سوريا إلى الجامعة العربية وتشكيل لجنة متابعة لما سميّ سياسة "خطوة مقابل خطوة"، وتوجيه الدعوة للرئيس بشار الأسد بحضور قمتها الـ32.