تحل هذا الشهر الذكرى الثانية والأربعون لتأسيس "مجلس التعاون لدول الخليج العربية" في الخامس والعشرين من مايو/أيار عام 1981، الذي يضم السعودية والإمارات وعمان وقطر والبحريـن والكويت. لكن هل تحققت الأهداف المأمولة من هذا المجلس؟
وُضعت آنذاك أهداف سامية منها تحقيق الوحدة الشاملة وإنجاز تكامل اقتصادي بين بلدان المنطقة. لا شك أن قيادات دول الخليج كانت تأمل أن تتمكن من خلال مجلس التعاون الوصول إلى صياغة علاقات سياسية واقتصادية على غرار ما تحقق بين بلدان الاتحاد الأوروبي الذي أسسته في يناير/كانون الثاني 1958 ست دول هي بلجيكا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا.
عزمت دول الخليج أن تكون خطوات الوحدة الخليجية متأنية ومدروسة. هناك تباين في طبيعة الحال بين بلدان الاتحاد الأوروبي من حيث الهياكل الاقتصادية والنظم السياسية والتكوينات الديموغرافية، بيد أن مسيرة مجلس التعاون الخليجي أنجزت توافقات ومعاهدات مهمة منها ما يتعلق بالوحدة الجمركية والسوق الخليجية المشتركة والوحدة النقدية والأنظمة الضريبية. إلا أن تطبيق تلك المعاهدات أو الاتفاقات واجه العديد من العراقيل والتعقيدات البيروقراطية والقانونية الواجب تذليلها وتكييف القوانين والأنظمة الإدراية في مختلف دول الخليج لمتطلبات التكامل الاقتصادي.
مسيرة مجلس التعاون الخليجي أنجزت توافقات ومعاهدات مهمة منها ما يتعلق بالوحدة الجمركية والسوق الخليجية المشتركة والوحدة النقدية والأنظمة الضريبية
كان من أهم الأهداف إزالة كل الحواجز الجمركية من أمام منتجات بلدان المجلس وإعفاء تلك المنتجات من الرسوم الجمركية ومعاملتها معاملة السلع الوطنية في أي من دول المجلس بما يعزز التجارة البينية. كما سعت دول المجلس إلى إقامة الاتحاد الجمركي منذ عام 2003 وتطبيق رسوم جمركية موحدة على السلع والبضائع المستوردة من خارج حدود دول المجلس. وعملت على تطوير اتفاقات تبادل تجاري مع الدول والمجموعات الاقتصادية مثل بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين وغيرها من دول مصدرة أو مستوردة رئيسية بموجب معايير وشروط موحدة. لا شك في أن تطوير العلاقات التجارية مع تلك البلدان والمجموعات الدولية يعزز موقع دول مجلس التعاون في ميزان التجارة الدولية، خصوصاً أن دول الخليج تعد من أكبر مصدري النفط والغاز بما يمثلان من أهمية في اقتصاديات الطاقة. كذلك، تتمثل أهمية دول الخليج في كونها من الدول المستوردة للمواد الغذائية والبضائع المعمرة والسلع الاستهلاكية الأخرى بما يجعل من الاتفاقات بين مجلس التعاون الخليجي ومختلف البلدان ضرورة لتعزيز دورها الاقتصادي.
الاتفاق الاقتصادي
اعتمدت القمة الخليجية التي انعقدت في الرياض في نهاية عام 2001 الاتفاق الاقتصادي بين دول مجلس التعاون، الذي شمل نصوصا تتعلق بالاتحاد الجمركي، وأكد توفير شروط ملائمة للتعامل الاقتصادي الدولي بحيث ترسم الدول الأعضاء سياساتها الاقتصادية وعلاقاتها مع الدول الأخرى، وتخططها بصيغة جماعية. كما حث الاتفاق على العمل لتوحيد إجراءات تنظيم الاستيراد والتصدير، وأكد ضرورة معاملة مواطني دول مجلس التعاون الطبيعيين والاعتباريين في أي دولة معاملة مماثلة لتلك التي يتمتعون بها في دولهم. يشمل ذلك حقوق التنقل والإقامة والتوظيف في المنشآت العامة والخاصة وكذلك ممارسة المهن والحرف والتملك. تضاف إلى ذلك حقوق الاستثمار في مختلف القطاعات الاقتصادية وتملك العقار، ناهيك بحقوق انتقال رؤوس الأموال من دون قيود. وهناك نصوص أخرى تتعلق بالمعاملة الضريبية وتداول وشراء الأسهم وتأسيس الشركات والتمتع بحقوق التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية.
كان الأمل معقوداً على تطوير الوحدة النقدية في بداية عام 2010، وتأسست الأجهزة المطلوبة لذلك، لكن وحدة النقد لم تتحقق حتى اليوم
بموجب الاتفاق الاقتصادي، كان الأمل معقوداً على تطوير الوحدة النقدية في بداية عام 2010، وتأسست الأجهزة المطلوبة لكن هذه الوحدة النقدية لم تتحقق حتى يومنا هذا. معلوم أن العملات الوطنية في دول مجلس التعاون تتفاوت أسعار صرفها في مقابل الدولار واليورو والين والفرنك السويسري. وتعتمد آليات التسعير في غالبية دول مجلس التعاون على الدولار الأميركي، لكن الكويت لا تزال تعتمد سلة عملات لتحديد سعر صرف الدينار وإن كان الدولار يمثل الوزن الأساسي في تلك السلة.
تعثرت عملية الاتحاد النقدي لأسباب عدة نظراً إلى تفاوت السياسات الاقتصادية والمالية في مختلف بلدان الخليج. غني عن البيان أن تحقيق الوحدة النقدية كان يمكن أن يمثل إنجازاً مهماً لهذه البلدان ويعزز قوتها الاقتصادية وقدراتها التفاوضية في ميادين التجارة والاستثمار مع مختلف بلدان العالم، فهي تحظى بأهمية اقتصادية دوليا كمجموعة ويمكن أن تصدر عملة موحدة مستقرة يعززها أداء اقتصادي ملائم وقدرة على تحسين الإيرادات السيادية من النفط والغاز والأنشطة الأخرى المحتملة. وتبقى احتمالات بلوغ الوحدة النقدية قائمة إذا ما تم تذليل كل العقبات ومواجهة الهواجس التي تطرحها الإدارات الاقتصادية في بلدان الخليج.
الاقتصاد والميزات النسبية
حدد المركز الاحصائي الخليجي الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج في عام 2020 بـ 1,4 تريليون دولار أميركي ونصيب الفرد السنوي بـ 24,600 دولار. معلوم أن نصيب الفرد يتفاوت بين دولة خليجية وأخرى نظراً إلى الامكانات الاقتصادية في كل هذه الدول وأعداد السكان. يقدر عدد السكان في دول الخليج 57,6 مليون نسمة شاملاً الوافدين من غير المواطنين. وتختلف نسب المواطنين في هذه البلدان. يمكن التأكيد أن هناك إمكانات كبرى لتعزيز النشاط الاقتصادي وتطوير الأنشطة غير النفطية لكن من المهم أن توضع سياسات اقتصادية تكاملية تعتمد على توظيف الميزات النسبية في كل بلدان الخليج. فتلك التي لا تزال تعتمد على إيرادات النفط، وربما لزمن مقبل طويل، يجب أن تعمل على تطوير الأنشطة الاقتصادية المتنوعة وتبني برامج تنمية بشرية يمكن أن تعزز التحول إلى اقتصاد المعرفة والافادة من تحولات التكنولوجيا، وتبني مشاريع استراتيجية مشتركة، وأن تتعاون مع الشركات العالمية في مختلف المجالات الحيوية التي تمكن من تحقيق التكامل الاقتصادي المنشود على مدى زمني مناسب.
السعودية من البلدان ذات الاقتصادات الكبيرة، وهي تعد من البلدان العشرين الأولى من حيث الحجم والناتج الاقتصادي. تملك السعودية أهمية في قطاع الطاقة فهي تصدر إمدادات قياسية من النفط إلى مختلف بلدان العالم في الشرق والغرب، وتحوي طاقة إنتاجية تقارب 12 مليون برميل يومياً وهي تعد من الدول الثلاث الأولى في العالم من حيث الطاقة الانتاجية للنفط مع روسيا والولايات المتحدة.
لا شك في أن البلاد طورت صناعات تكريرية وبتروكيميائية تعتمد على النفط خلال فترة العقود السبعة الماضية. ويتنوع الاقتصاد السعودي بدرجة ملائمة خصوصاً بعدما بدأ تطبيق استراتيجية 2030 وخططها الانمائية، فقد عملت السعودية على بناء صناعات تحويلية غير نفطية مهمة مثل الصناعات الغذائية، كما عكفت الإدارة الاقتصادية على اطلاق أعمال مهمة في قطاع السياحة والخدمات الحيوية. يمكن هذه الخطط أن تتفاعل مع أهداف التكامل الاقتصادي الخليجي والتنسيق مع البلدان الأخرى في المنظومة لربط الأنشطة المتشابهة.
رئيس الجمارك في وزارة الداخلية البحرينية، أحمد آل خليفة: اعتمدنا لائحة موحدة لنظام المشغل الاقتصادي لتيسير التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون الخليجي، وستكون نقطة مهمة نبني عليها في التفاوض مع دول العالم، لمنح افضلية لمصانع وشركات دول المجلس في التصدير@skina369#اقتصاد_الشرقpic.twitter.com/HaCY8xixtc
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) February 9, 2023
كذلك، تتمتع قطر بإمكانات مهمة في استخراج الغاز وصناعته، مما يجعلها من أهم الدول المصدرة، حيث يقدر الانتاج بأكثر من 6 تريليونات قدم مكعب تصدر منه نحو 4,6 تريليونات قدم مكعب سنويا. معلوم أن الغاز أصبح من أهم مصادر الطاقة النظيفة والملائمة لشروط البيئة ويمكن أن يكون من أهم المصادر لانتاج الطاقة الكهربائية في دول الخليج الأخرى، مما يدعو إلى دعم أعمال الربط لتزويد البلدان الأخرى احتياجاتها من الغاز. يمكن للغاز أيضا أن يستخدم في الصناعات البتروكيميائية التي تعمل مختلف بلدان الخليج على تطويرها ومنها السعودية والكويت والإمارات. قد تساهم الثروة التي جنتها قطر من إيرادات الغاز في تعزيز إمكانات الاستثمار في قطاعات اقتصادية متنوعة في البلدان الخليجية الأخرى ومنها قطاع الاتصالات والسياحة والصناعات التحويلية.
لا شك أن الدول الأخرى، البحرين والكويت وعمان والإمارات، تملك مقومات وميزات اقتصادية كالقدرات البشرية والتحصيل التعليمي والمهني، يمكن مختلف دول الخليج الافادة منها.
الحقائق الديموغرافية
إن من أهم الحقائق الاقتصادية في بلدان الخليج تلك المتعلقة بالنمو السكاني بين المواطنين وارتفاع نسبة العمالة الوافدة في سوق العمل. لذلك، فإن الارتقاء بالمستويات المهنية والتعليمية للمواطنين يعتبر من التحديات المستقبلية، وقد يبقى التكامل الاقتصادي قاصراً إذا لم تتم الافادة من العمالة الخليجية في مختلف بلدان المجلس. يتطلب الأمر توسيع دور القطاع الخاص ورفع مساهمته في الناتج المحلي الاجمالي شاملا المرافق والاتصالات والنقل البري والجوي والبحري ومرافق البنية التحتية بما يمكنه من توظيف استثماراته داخل بلدان الخليج ويعزز الشراكات البينية ويحسن من مشاركة الشركات الأجنبية في مختلف القطاعات الحيوية. كما يشمل تحسين قدرات القطاع الخاص على توظيف العمالة الوطنية والخليجية في كل بلدان المنطقة، تماشيا مع النصوص ذات الصلة الواردة في اتفاق السوق الخليجي المشترك. قد يؤدي توسع أعمال القطاع الخاص إلى خلق واقع اقتصادي جديد يقود إلى تكامل اقتصادي متماسك، علما أن نشاط القطاع الخاص يتفاوت بين دولة خليجية وأخرى، حيث يلعب دورا مهما في السعودية والإمارات والبحرين وعمان وقطر إلى حد ما، فيما لا يزال يواجه عقبات وعراقيل في الكويت ولا يسهم كثيراً في خلق الوظائف للعمالة الوطنية.
الارتقاء بالمستويات المهنية والتعليمية للمواطنين يعتبر من التحديات المستقبلية، ويبقى التكامل الاقتصادي قاصراً إذا لم تتم الافادة من العمالة الخليجية في مختلف بلدان المجلس
القطاع الخاص
تقع دول الخليج في منطقة جغرافية مهمة وتجاور إيران والعراق واليمن وإلى حد ما الأردن وسوريا ولبنان ومصر. لذلك فإن تطور العلاقات الاقتصادية البينية بين بلدان الخليج يمكن أن يضع الأسس الملائمة لتطوير علاقات اقتصادية متميزة مع بلدان الجوار، التي يمكن أن توفر أسواقاً استهلاكية مفيدة للاقتصاد الخليجي إذا تمكنت من تحقيق الاستقرار السياسي والأوضاع الأمنية الملائمة. وعندما تتوفر شبكة طرق حديثة ووسائل نقل متميزة وموانئ تستوعب السفن الثقيلة، يصبح الربط بتلك الدول ذا أهمية اقتصادية لتعزيز تجارة إعادة التصدير مع العراق وإيران.
المدير الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي في "البنك الدولي" لـ""الشرق": ارتفاع إيرادات #النفط دعم انخفاض نسبة الديون إلى الناتج المحلي الإجمالي لبعض دول الخليج، تحديداً #البحرين و #عُمان، ومن الضروري استكمال الإصلاحات والسعي للتنويع الاقتصادي@AlaaJoudi#اقتصاد_الشرقpic.twitter.com/9DJG7AqGjo
— Asharq Business اقتصاد الشرق (@AsharqBusiness) November 3, 2022
خاتمة
خلاصة القول، يعتمد التكامل الاقتصادي بين بلدان الخليج على عناصر أساسية أهمها:
1- تطبيق اتفاق السوق الخليجي المشترك بعزيمة واثقة و من دون تردد وتذليل كل العقبات البيروقراطية والقانونية. 2- تعزيز الافادة من قدرات القطاع الخاص ورفع مساهمته الاقتصادية في مختلف بلدان الخليج من خلال مشاريع التخصيص والتحول الهيكلي. 3- الارتقاء بالتعليم المهني والتقليدي بما يوفر قدرة على رفع مساهمة العمالة الوطنية الخليجية في أسواق العمل في مختلف بلدان المنطقة ويمكن هذه العمالة من الانتقال من بلد إلى آخر للافادة من فرص العمل المتاحة بالشروط نفسها المحددة للمواطنين المحليين. 4 - العمل على التطبيق الجاد للخطط والرؤى الاقتصادية الهادفة إلى تنويع القاعدة الاقتصادية في كل البلدان والتحرر من الاعتماد على إيرادات النفط والغاز خلال فترة زمنية محددة تتسق مع التحولات المحتملة في قطاع الطاقة ضمن الاقتصاد العالمي.