شكل ما يمكن أن نسميه اصطلاحاً "الخيار السعودي" واحداً من محركات السياسة لدى نخبة الإصلاحيين العرب السوريين إبان نهايات السلطنة العثمانية (منذ عام 1913 حتى 1918)، وفي مرحلة الانتداب الفرنسي (منذ عام 1920 وحتى 1946). ولعب هذا الخيار دوراً مهماً في تحقيق التوازن مع "الخيار الهاشمي" الذي كان يتبناه صف من سياسيي سوريا في تلك الحقبة. واللافت أن الأمير، ثم السلطان، ثم الملك السعودي المغفور له عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود (1876-1953)، والمعروف بواقعيته السياسية، لم ينخرط بسكل مباشر في هذا الملف الشائك، وحصر اهتماماته وخططه في الجزيرة العربية.
في انتظار سعود الكبير
ولم يكن تَطلُّع شرائح مهمة من السوريين، وخصوصاً الدمشقيين منهم، نحو الجزيرة العربية، بوصفهاً خياراً بديلاً للحكم العثماني، لم يكن جديداً، حيث يخبرنا الرحالة والجاسوس الإسباني دومينيغو فرانثيسكو باديا (1767-1818)، المتنكّر في شخصية علي باي العباسي، أن قسماً كبيراً من أهالي دمشق عام 1807 كانوا يتشوقون لوصول قوات الإمام سعود الكبير (1748– 1814م) إلى مدينتهم مع تواتر أخبار انتصاراته في الجزيرة، وتقدمه نحو بلاد الشام.
وعبر باديا عن دهشته من هذا الموقف، نظراً لأنّ أهل دمشق كانوا يعلمون على كلّ حال أن أتباع هذا الأمير يعتبرون استعمال الحرير والتبغ وما شاكل مجلبة شر، وأنّ هؤلاء، بالاستناد إلى مبادئهم الإسلامية الصارمة، سيضعون العراقيل القاهرة في طريق المصانع والتجارة التي يعتمدون عليها في حياتهم، بحسب تعبيره.
وقد فات الجاسوس باديا أمران مهمان في هذا الموقف، الأول؛ أن علاقات دمشق التجارية مع قبائل الجزيرة العربية ضاربة في القدم، حيث كانت الأسواق الممتدة من باب الجابية إلى بوابة الميدان، جنوبي العاصمة دمشق، سوقاً لتلك القبائل لمئات السنين، يتبضعون منها غالبية حاجاتهم، هذا من جهة، ومن جهة ثانية كانت السلطنة العثمانية تعيش واحدة من أسوأ مراحلها، حيث بلغ تسلط الولاة وجنود الانكشارية على حياة الناس مبلغاً تجاوز أي حد، فالانكشاريون المتمركزون في مقاهيهم في كل حي من أحياء دمشق لم يكونوا يتورعون عن اقتراف أي شيء يخطر لأحدهم، من خطف واغتصاب النساء والأطفال، إلى وضع اليد على أي بضاعة تعرض أمامهم من دون رادع أو حسيب. وكانت قوات الإمام سعود الكبير بالنسبة للدمشقيين نافذة أمل للخلاص من أسوأ أيام كانت تعيشها مدينتهم.