التنازلات والالتزامات في الانفتاح العربي على سورياhttps://www.majalla.com/node/291581/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%86%D8%A7%D8%B2%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B2%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D9%81%D8%AA%D8%A7%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7
في الأسابيع القليلة الماضية أثبتت جهود التقارب العربي- التي كانت ذروتها إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية وعقد عدد من الاتفاقيات متعددة الأطراف مع دمشق- أن المنطقة جادة في التطبيع مع سوريا.
فموجة الاجتماعات الثنائية المفاجئة التي تلت الزلزال الكارثي الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا في شهر فبراير/شباط، سرعان ما تطورت إلى تنسيق متعدد الأطراف وحراك نحو التطبيع الكامل مع الرئيس بشار الأسد الذي كان معزولاً ذات يوم.
لم يخرج مسؤولو المنطقة من محادثات التطبيع بأيد فارغة. فقد أعادت النقاشات الثنائية والمتعددة الأطراف الأخيرة التأكيد على التعاون المشترك- نتج عن بعضها اتفاقات رسمية- حول إعادة اللاجئين السوريين، وسهولة الوصول إلى المساعدات الإنسانية، والتنسيق بشأن تجارة المخدرات غير المشروعة مثل الكبتاغون، والوضع الأمني في سوريا، وإعادة الحديث عن ضرورة التوصل لتسوية سياسية للحرب الأهلية المستمرة منذ 12 عاما.
ومع أن جيران سوريا رأوا في زخم المناقشات دليلاً على حسن النية عند نظام الأسد وعلى أن المنطقة يمكن أن تطوي صفحة النزاع السوري المؤلم، فإن هناك حدوداً صارمة تحدد إلى أي مدى يمكن لهذا التطبيع أن يمضي.
ومع أن جيران سوريا رأوا في زخم المناقشات دليلاً على حسن النية عند نظام الأسد وعلى أن المنطقة يمكن أن تطوي صفحة النزاع السوري المؤلم، فإن هناك حدوداً صارمة تحدد إلى أي مدى يمكن لهذا التطبيع أن يمضي
إن إحراز تقدم حقيقي وفعال في أية تسوية سياسية في سوريا يعتمد على تغيير ملموس في سلوك النظام، وهو أمر لم ينعكس بعد في نقاشات التطبيع والاتفاقات غير الرسمية. وإلى الآن، فإن جيران سوريا هم من يقدمون المزيد من التنازلات، وليس النظام السوري نفسه.
وبعد اجتماع عمان التشاوري، اتفقت الدول على زيادة المساعدات الإنسانية للسوريين، عبر القنوات المعتمدة من النظام السوري أولاً، على الرغم من التقارير التي تتحدث عن فساد يتمثل في تحويل المساعدات إلى غير وجهتها.
واتفق المسؤولون على البدء بعودة "طوعية وآمنة" للاجئين إلى سوريا، على الرغم من استمرار الظروف غير الآمنة، مما يساعد على إعادة تأهيل النظام. كما شكل العراق والأردن مجموعات عمل مع سوريا توفر لدمشق دورا هاما في تحديد أباطرة المخدرات والمهربين المتورطين في تجارة الكبتاغون، مع أن هناك دليلا قوياً على رعاية النظام لهذه التجارة.
كما أفادت التقارير أن بعض الدول التي تسعى إلى التطبيع مع سوريا تفكر حتى في منح النظام السوري "حزمة" مالية، تعويضا له عما سيفقده من عائدات تجارة الكبتاغون، إن ابتعد بنجاح عن رعاية تصنيعها والإتجار بها، ولو أن المرجح أن يقدم النظام (وقد أقدم بالفعل) على إجراء نوبات تجميلية كي يثبت أن تغيرا ما قد حدث في سلوكه.
ووافق المسؤولون أيضاً على تعزيز التعاون الأمني على الحدود مع النظام السوري، فقدموا بذلك للنظام المبررات كي يعزز سيطرتة الإقليمية الآخذة في التزايد على المناطق الحدودية المتنازع عليها مثل درعا والسويداء.
هذه الاتفاقيات التي أعدت في عمان، إضافة لبنود جدول الأعمال التي تمت مناقشتها لعمل جامعة الدول العربية، قدمت حتى الآن لسوريا نفوذاً أكبر، بينما تفتقر إلى قدرتها على تنفيذ ضغط على سوريا لمتابعة هذه الاتفاقات بحسن نية.
هذه الاتفاقيات التي أعدت في عمان، إضافة لبنود جدول الأعمال التي تمت مناقشتها لعمل جامعة الدول العربية، قدمت حتى الآن لسوريا نفوذاً أكبر، بينما تفتقر إلى قدرتها على تنفيذ ضغط على سوريا لمتابعة هذه الاتفاقات بحسن نية
هل ستلتزم دمشق بالتسوية السياسية؟
من المرجح أن توافق دمشق على كثير من هذه الاتفاقات مع القليل من متابعة تنفيذها أو غيابها التام، نظراً لغياب أي تغير ملحوظ في موقف النظام من التنازلات. ومن المرجح أن يتراجع الهدف النهائي للجهات الفاعلة في الشرق الأوسط التي تسعى جاهدة إلى التطبيع، اعتمادا على تسوية حسب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، لأن هذا القرار يقضي بانتقال سياسي، لن يلتزم به النظام على الأرجح أو يتبناه بصدق.
بالإضافة إلى ذلك، لا يزال تقدم التطبيع في جامعة الدول العربية والمنطقة ككل يواجه معارضة من جهات فاعلة رئيسة، مثل الكويت وقطر، فضلاً عن الانقسام بين مؤيدي التطبيع في مسألة التقارب مع دمشق.
وبينما يمثل إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية إحياء لشرعية النظام في المنطقة ككل، فإن الجامعة لا تلزم كل دولة من أعضائها بتحسين علاقاتها مع دمشق. أما دولة مثل قطر، فإن إقناع مسؤوليها بأن يعكسوا مسارهم وأن يقيموا علاقات طيبة مع نظام الأسد، فيعد إنجازا صعبا، ولا شيء يشير إلى أن المسؤولين القطريين في طريقهم إلى التطبيع في القريب العاجل.
كما أبدت الكويت تحفظات على التطبيع من دون شروط محددة للحل سياسي. وحتى من بين أكثر مؤيدي التقارب مع سوريا، هناك خلافات حول أفضل السبل للمضي قدماً، حيث تفضل بعض الدول اتباع نهج أكثر تشددا ومشروطا، بينما يفضل بعضها الآخر تقديم تنازلات أكبر للنظام في سوريا.
التضييق الغربي على الأسد
أخيراً، لطالما أوضح الغرب أنه لن يتغاضى بأي حال عن جهود التقارب مع سوريا، وهذا يخلق عقبة أمام شركاء الأميركيين والأوروبيين الذين يفكرون في تحسين العلاقات مع سوريا.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وفي خضم محادثات التطبيع هذا الربيع، أعلنتا عن عقوبات مشتركة على عدد من الأفراد والكيانات المرتبطة بـتجارة الكبتاغون ومع نظام الأسد.
وجاء تعزيز هذه المبادرة، بعد أسابيع فقط، بإعلان الاتحاد الأوروبي عن حزمة عقوبات خاصة به على تجار ومهربي الكبتاغون المرتبطين على نحو وثيق بالدائرة المحيطة بعائلة الأسد، مما يثبت أن الغرب لا يتزحزح عن محاسبة دمشق على دورها في الأنشطة غير المشروعة.
وبينما تقترب عقوبات قيصر الأميركية من نهايتها عام 2025، تشير واشنطن إلى أنها أبعد ما تكون عن تخفيف العقوبات المفروضة على النظام السوري، على الرغم من مطالبة دمشق بذلك، في المحادثات بشأن إطلاق سراح الصحافي الأميركي المحتجز، أوستن تايس.
وظلت محاسبة النظام السوري قضية مشتركة بين الحزبين في الكونغرس ومن المحتمل جدا أنه حتى بعد عام 2025، سيسعى المشرعون إلى مواصلة الضغط على عناصر النظام السوري. وقد تسعى الجهات الإقليمية إلى إعادة تأهيل النظام، إلا أنه ما زال يواجه العزلة والإجراءات العقابية المستمرة- تجميد الأصول وحظر السفر والضغط الاقتصادي المستمر- من الغرب ككل.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، وفي خضم محادثات التطبيع هذا الربيع، أعلنتا عن عقوبات مشتركة على عدد من الأفراد والكيانات المرتبطة بـتجارة الكبتاغون ومع نظام الأسد
إن المنطقة والجامعة العربية نفسها (التي تعرضت لانتقادات مرارا لكونها مؤسسة غير فعالة) تفتقران دوماً إلى أي آلية تنفيذ حقيقية تضغط على دمشق كي تفي بوعودها.
فضلا عن ذلك، لا تزال الحملة العقابية الغربية المستمرة ضد النظام السوري وشبكات تهريب المخدرات والمسؤولين عن الفظائع الجماعية بحق السوريين، على حالها دون تغيير، مع احتمال تجديد حزمة عقوبات قيصر لعام 2019 بعد غروبها عام 2025.
وفي نهاية المطاف، سمح التطبيع الأخير للنظام السوري بفتح طريق للخروج من عزلته جزئيًا فقط، غير أن هناك حدودا تبين المدى الممكن للتقارب والمدى الذي سيذهب إليه.