عُرض أخيرا عبر منصة "نتفليكس" مسلسل وثائقي تمثيلي قصير بعنوان "الملكة كليوباترا" وبطبيعة الحال، وكما جرت العادة في مثل هذه الوثائقيات، استضاف المسلسل عددا من المؤرخات والمؤرخين للحديث عن قصة كليوباترا، من النهوض إلى السقوط.
اللافت للنظر، وما أثار جدلا، أن هذا العمل "العلمي/الفني" يقدم كليوباترا على أنها أفريقية سمراء اللون، وقد نقلت إحدى المتحدثات في المسلسل عن والدتها الأيمان المغلظة أن كليوباترا كانت سمراء ودعت ابنتها ألا تصدق من يقول إنها كانت بيضاء!
لا أدري ما قيمة هذه النصائح، لكنّ المعروف المستقر هو أن كليوباترا كانت إغريقية الأصل ولم تكن أفريقية. نحن أمام عمل ربما يشعر أصحابه بعقدة الذنب التاريخية، ويريدون أن يبثوا الإخاء بين الناس، وهذا كله حسن. فالعنصرية فكرة مناقضة للعقل ويتوقع من كل إنسان سويّ أن يكون ضدها، ولا شك في أن الأميركيين الرواد قد ارتكبوا جرائم إنسانية شنعاء بخطف الأفريقيين السمر من بلادهم والاتيان بهم إلى أميركا لكي يكونوا مستعبدين مسترقين، ولكي يعانوا من انتهاك كامل لأجسادهم ولحياتهم، يبدأ بالجلد عند التقصير في قطاف القطن وينتهي بالقتل لأدنى سبب.
ولا شك في أن أميركا مدينة باعتذار كبير لهؤلاء الناس الذين عانوا من ويلاتها، لكن الاعتذاريات التي تقوم بها أميركا اليوم في هذا المجال، كما في مسلسل كليوباترا، تحرّف التاريخ. ولعلّ هذا التحريف هو ما دفع أحد الكتاب إلى التساؤل في موقع "ذي كونفرسيشن" ما إذا كان المسلسل عبارة عن "تقدير ثقافي أم استيلاء ثقافي؟".