على الرغم من تمكن تحالف "الكدح والحرية"، المُصنف ممثلا سياسيا لـ"التيار القومي الكردي" في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت مؤخراً في تركيا، من الحفاظ على صدارة النتائج في معظم الولايات (المحافظات) ذات الأغلبية السكانية الكردية في جنوب شرقي البلاد، إلا أن المراقبين اعتبروا أن النتائج الكلية لهذه الانتخابات كانت في غير صالح وتوقعات التحالف المذكور. فقد شهد تراجعاً في المجموع الكلي للأصوات التي نالها، مقارنة بآخر انتخابات برلمانية ورئاسية جرت عام 2018، ولم يتمكن من إيصال كتلة وازنة إلى البرلمان، تسمح له بتحقيق أغلبية برلمانية، في حال تحالفه مع قوى المعارضة التركية "تحالف الأمة".
وحسب النتائج شبه النهائية، فإن هذا التحالف فاز بـ66 مقعداً برلمانياً، منها 62 لحزب "اليسار الأخضر"، القومي الكردي، و4 مقاعد لحزب العمل، اليساري الوطني المنضوي في نفس التحالف. إلى جانب تحقيق الأغلبية في 13 ولاية جنوب شرقي البلاد، تحديدا في منطقتي فآن وديار بكر، مركزي الثقل السكاني والرمزي الكردي.
لكن، ومع كل ذلك، فإن مقاعد التحالف "الكردي" تقل في مجموعها عما كان لحزب الشعوب الديمقراطية في التشكيلة البرلمانية السابقة (67 مقعداً). وأقل بكثير من توقعات ووعود التحالف الذي كان يصرح بأنه سيحصل على قرابة 100 مقعد، ويشكل مع المعارضة الأغلبية البرلمانية.
إلى جانب ذلك، فإن التحالف "الكردي"، وإن تمكن من تأمين الفوز لمرشح المعارضة التركية كمال كليشدار أوغلو في 11 ولاية ذات أغلبية سكانية كردية، من أصل 15 ولاية، وحصد قرابة 5 ملايين صوت لصالحه، من أصل 24.5 مليون صوت حصل عليها، فإنه تمكن فقط من البقاء حتى جولة ثانية من الانتخابات، وحرم الرئيس رجب طيب أردوغان من الفوز من الجولة الأولى، للمرة الأولى في تاريخ ترشحه للانتخابات الرئاسية التركية. لكن دون أن تكون هناك أصوات مواليه حاسمة في تحديد الرئيس المقبل للبلاد، كما كان يعد.
اقتباس: مقاعد التحالف "الكردي" تقل في مجموعها عما كان لحزب الشعوب الديمقراطية في التشكيلة البرلمانية السابقة (67 مقعداً). وأقل بكثير من توقعات ووعود التحالف الذي كان يصرح بأنه سيحصل على قرابة 100 مقعد، ويشكل مع المعارضة الأغلبية البرلمانية.
تراجع سياسي في أكثر من مستوى
مقابل معطيات الفوز النسبية تلك، فإن المراقبين لاحظوا تراجعاً في شعبية الأحزاب السياسية الكردية "القومية"، لصالح نظيرتها "الكردية" المحافظة والمرتبطة بالسلطة الحاكمة، وذلك على أكثر من مستوى.
فحزب "اليسار الأخضر"، المشارك في هذه الانتخابات كبديل لحزب الشعوب الديمقراطية المُهدد بالحظر، حقق نسبة 8.8 في المئة فقط من مجموع أصوات الناخبين، وهي نسبة تقل كثيرا عن نسبة 11.7 في المئة، كان قد حققها في آخر انتخابات برلمانية جرت عام 2018.
كذلك فإن مجموع الأصوات التي حصل عليها الحزب البديل، لم تتحاوز 4.75 مليون صوت، في تراجع بنحو 1.1 مليون صوت عما حصل عليه في الانتخابات السابقة. ولو تم حسب أعداد الناخبين الذين زادوا بشكل طبيعي خلال هذه الانتخابات عما كانوا عليه في الانتخابات السابقة، والمقدرين بنحو 8 في المئة من مجموع الناخبين، فإن الحزب الممثل للحركة القومية الكردية يكون قد خسر فعلياً قرابة 1.25 مليون صوت من حصته الانتخابية السابقة. حدث ذلك، على الرغم من إضافة الحزب لولايتين جديدتين فاز بهما على حزب العدالة والتنمية، هُما كارس وبدليس، المُعتبرتان تاريخياً مراكز للقوى السياسية والاجتماعية الكردية المحافظة والمرتبطة بالسلطة الحاكمة، أياً كانت.
إلى جانب ذلك، فإن "الحزب الكردي" لم يتمكن من الاستفادة من "الدعاية السياسية" التي استخدمها طوال السنوات الماضية، وكان يتهم عبرها حزب العدالة والتنمية بقمع التطلعات القومية الكردية، واضطهاد الساسة والشخصيات العامة والمثقفين والإعلاميين الكرد، وممارسة سياسات اقتصادية غير تنموية في المناطق الكردية.
ففي المحصلة، تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على قرابة 40 في المئة من مجموع الأصوات في الولايات الـ15 ذات الأغلبية الكردية، سواء في الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية، وثمة تمثيل برلماني "كردي" لصالح حزب العدالة والتنمية، لا يقل عن 45 مقعداً برلمانيا.
في السياق ذاته، تمكن حزب الدعوة الحرة "هُدى بار" من تحقيق نتيجة بارزة، بين الأوساط الشعبية الكردية، حاصلاً على قرابة 200 ألف صوت، وداخلاً البرلمان التركي بنائبين، لأول مرة في تاريخه السياسي.
حزب الدعوة الحرة، الذي كان اسمه التقليدي "حزب الله الكردي"، المُصنف كحزب "إسلامي متشدد"، مناهض تقليدي للحركة القومية الكردية، وحزب الشعوب الديمقراطي "الكردي"، ومن نفس البيئة الاجتماعية الكردية، ومتحالف مع حزب العدالة والتنمية الحاكم. حقق الحزب الإسلامي الكردي تلك النتيجة، على الرغم من الاتهامات الكثيرة التي تطاله بتنفيذ المئات من عمليات الاغتيال ضد الناشطين والسياسيين "القوميين" الأكراد، لصالح أحزاب السلطة، منذ تسعينات القرن المنصرم.