الاهتمام العالمي بالانتخابات التركية غير مسبوق، في هذه الدورة. هذا أمر طبيعي. تركيا عضو رسمي في "حلف شمال الأطلسي" ومجموعة العشرين، ووريثة الإمبراطوية العثمانية، ولديها اقتصاد وجيش كبيران.
كما أن تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، منخرطة في ملفات دولية كثيرة بينها إقليم ناغورنو كراباخ والحرب الروسية–الأوكرانية، ويقيم رئيسها، المرشح في الانتخابات، علاقة خاصة مع روسيا يتداخل فيها التعاون العسكري مع الاقتصادي والسياسي والأمني.
يضاف إلى ذلك، أن الإجراءات الداخلية على صعيد الحريات والاقتصاد والقضاء، التي اتخذها بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016، أثارت دولا غربية ومؤسسات مدنية وعقّدت علاقة أردوغان مع دول أوروبية وجمعيات حقوقية.
لهذه الأسباب وغيرها، فإن الاهتمام الغربي بالانتخابات غير مسبوق، بل خرجت وسائل إعلام ومؤسسات غربية عن تقاليدها لتعلن موقفا واضحا في أنها "تصوّت" لصالح منافس أردوغان، كمال كليشدار أوغلو، في انتخابات وصفت بأنها "مصيرية" أو "تاريخية" تدشن المئوية الثانية في عمر الجمهورية التركية.
تركيا في عهد أردوغان، منخرطة في ملفات دولية كثيرة بينها إقليم ناغورنو كراباخ والحرب الروسية–الأوكرانية، ويقيم رئيسها، المرشح في الانتخابات، علاقة خاصة مع روسيا يتداخل فيها التعاون العسكري مع الاقتصادي والسياسي والأمني
للعرب، من مسؤولين ومواطنين، أسباب إضافية للاهتمام بالصندوق التركي، تخص مستقبل الإسلام السياسي ومآلات النفوذ التركي في المنطقة. إذ إن حكومة أردوغان، منخرطة في وسائل عسكرية وغير عسكرية في دول وأزمات عربية عدة من ليبيا إلى العراق وسوريا. لكن انخراطها في سوريا، هو الأبرز والأكثر أهمية، لذلك، كان اهتمام السوريين بالاقتراع أكثر من غيرهم.
بداية، تسيطر فصائل مقاتلة وإسلامية والجيش التركي على جيوب في الشريط الشمالي، مساحتها حوالي 10 في المائة من سوريا التي تبلغ كامل مساحتها 185 ألف كلم مربع. عمليا، تسيطر على مساحة توازي ضعفي حجم لبنان. وهناك اعتقاد، بأن حكومة أردوغان هي التي تقف وراء هذه السياسة. بالتالي، فإن خسارته الانتخابات، تعني بداية تقهقر النفوذ التركي في شمال سوريا، وفوزه يعني استمرارية النفوذ والحماية والإقامة المؤقتة لنحو 3.7 مليون لاجئ سوري في تركيا.
أما المسؤولون في دمشق والأكراد في القامشلي، فكان رهانهم ولا يزال قائما، على خسارة أردوغان أمام منافسه كليشدار أوغلو في الجولة الثانية نهاية الشهر الحالي. لذلك، فإن الرئيس السوري بشار الأسد امتنع عن لقاء أردوغان قبل الانتخابات رغم الضغوط الكبيرة التي مارسها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لترتيب قمة بينهما على أمل سحب ورقة اللاجئين السوريين الضاغطة على الناخبين الأتراك، من أيدي المعارضة وكليشدار أوغلو وعدم استخدامها ضد أردوغان وحزبه.
اللافت، أن أحد أسباب التطبيع العربي مع دمشق هو تعزيز موقف الأسد في مواجهة النفوذ التركي ضمن مسار "التطبيع الرباعي" الذي يضم موسكو وطهران وأنقرة ودمشق، أي الدول التي تحظى بوجود عسكري كبير في سوريا. الاعتقاد العربي أن تعزيز "الدولة" السورية أمام النفوذين الإيراني والتركي، يضع سداً جغرافياً أمام تقدم نفوذ هاتين القوتين للتمدد من الشمال والشرق إلى الجنوب العربي.
المسؤولون في دمشق والأكراد في القامشلي، لا يزال رهانهم قائما، على خسارة أردوغان أمام منافسه كليشدار أوغلو في الجولة الثانية نهاية الشهر الحالي. لذلك، فإن الرئيس السوري بشار الأسد امتنع عن لقاء أردوغان قبل الانتخابات
من هنا جاء الاهتمام بالصندوق السوري. وهذا الصندوق لا علاقة له بالاقتراع في البلاد أو الانتخابات والعملية السياسية وتنفيذ القرار الدولي 2254. انه الصندوق الذي أسسه الرئيس السوري قبل أيام لـ"دعم المتضررين من الزلزال" الذي ضرب سوريا وتركيا في فبراير (شباط) الماضي.
معروف أن هناك عقوبات أميركية وأوروبية تمنع تمويل إعادة إعمار سوريا قبل تحقيق تقدم في العملية السياسية. ومعروف أن الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي قدما استثناءات لتمويل مساعدات تخص الأضرار الناجمة من الزلزال. لكن العقوبات و"قانون قيصر"، وقفا عقبة أمام ترجمة التطبيع العربي إلى أموال تساهم في إعمار المدارس والمستشفيات ومحطات الكهرباء المدمرة. "الصندوق السوري" يقدم الوصفة والحل. الهدف الحقيقي منه، هو توفير قناة مالية لتدفق الأموال العربية لدعم الإعمار. بعض الدول العربية قدمت ملايين الدولارات وأخرى وعدت بأموال أكثر.
وهذا ما يفسر الاهتمام بـ"الصندوق السوري" أكثر أو بالتزامن مع متابعة "الصندوق التركي".