ستواكب هذه المقالة فكرة زمانية النكبة الفلسطينية، والتي أستند فيها على طرح بأنه لا يمكن فهم النكبة الفلسطينية كحدث سنوي وقع في العام 1948 وانتهى بمضي هذه السنة، بل إن فهم النكبة الفلسطينية يتطلب النظر إليها بوصفها أنماطا من الإماتة المستمرة، التي لا يمكن أن تختزل بتحقيق القتل الدموي المباشر والتهجير الجماعي الذي شكل ذروته عام النكبة الفلسطينية 1948، وإنما بالنظر لها بوصفها أنماطا من الإماتة قامت على "الحق" الاستعماري في ممارسة التحكم والرقابة والتشويه للجسد الفلسطيني في إطار الحياة اليومية له.
وفي عام 1989 أنشد أسرى سجن النقب كلمات كتبها الأسير صلاح عبد ربه، حينها هتف هؤلاء الأسرى قائلين: "يا نقب كوني إرادة.. كوني مجدًا وريادة.. كوني سيفًا كوني درسًا من دروس الانتفاضة.. أرادوك لنا قبرًا.. فقلبنا القبر زهرا.. وحملنا الشمس فجرا.. لا لا لأنماط الإبادة".
إن ما وضعنا فيه صلاح عبد ربه وهتف به رفاقه في معسكر الاعتقال هو "لا لا لأنماط الإبادة"، وهو بذلك إنما طرح أمامنا أن الإبادة لا يمكن أن تتشكل في وعينا بوصفها عاما تحدث فيه مذبحة ويهجر به الآلاف، بل إن هناك أنماطا من الإبادة التي يجب أن نتوقف عليها وأن نركز عليها وهي تتجاوز نمطا واحدا من الموت الذي عنونته أفعال المذابح والتهجير في الوعي الفلسطيني، وينقلنا إلى أنماط من الإماتة التي تُبقي الفلسطيني على قيد الحياة، وهي وإذ تفعل ذلك فإنها تضعه في ظروف يومية غاية في البؤس، تتحكم في تنقله، تسمح له وتمنعه، تراقبه على مدار اللحظة، تصيبه بتشوهات، تضعه في معسكرات الاعتقال، تمنعه من السفر، تقوم بتجميعه في ساحات عامة، وتفرض رقابة يومية على منشوراته... إلخ.