ثمن النجاح وقيمته
تحتفل إسرائيل في عيد ميلادها الخامس والسبعين بقصص نجاح في مجالات الصحة، والتعليم، والتكنولوجيا والاقتصاد، جعلتها في مصاف الدول المتقدمة خلال العقود الماضية، إذ تحتل مرتبة عالمية بارزة في مجال الرعاية الصحية، وقدمت نموذجا تكنولوجيا فائق التطور، وأحرزت تفوقا هائلا في البحث العلمي، جعلها في المرتبة الخامسة عالميا في جودة التعليم وحصول مواطنيها على درجة جامعية.
وحققت إسرائيل نموا اقتصاديا كبيرا العام الماضي، إذ سجل معدل الناتج الإجمالي المحلي 6.5%، متقدمة على بعض الدول الأوروبية، وفقا لبيانات مستقاة من صندوق النقد الدولي.
اقرأ أيضا: طبقات اللجوء الفلسطيني
يقول الفلسطينيون إن هذا النجاح يستوجب مسؤولية أخلاقية من إسرائيل، نظرا لأن منظمات حقوقية دولية وإسرائيلية تحملها تلك المسؤولية منذ عام 1948، إذ يحلم بعضهم بالعودة إلى قراهم ومدنهم القديمة، بينما يعيش آخرون كلاجئين في مخيمات تابعة للأمم المتحدة، والأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي جيوب منفصلة بسبب حواجز تفتيش عسكرية إسرائيلية، تفصل بلدات ومدنا في الضفة الغربية عن بعضها البعض، وجدار فصل، تسميه إسرائيل بالسياج الأمني "المؤقت" أيضا، تلك الإجراءات التي تسببت في أزمة إنسانية للفلسطينيين.
وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، خلُص تقرير لجنة التحقيق الدولية المستقلّة التابعة للأمم المتحدّة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقية، وإسرائيل، إلى أن سياسات الحكومة الإسرائيلية أدّت إلى آثارٍ خطيرة ومتعددة الأوجه على كل جوانب حياة الفلسطينيين.
وأشار التقرير إلى أن هناك "أسبابا معقولة" تدعو للاستنتاج أن الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية بات غير قانونيًا بموجب القانون الدولي نظرًا لاستمراره وسياسات الحكومة الإسرائيلية للضم بحكم الأمر الواقع.
وأشار إلى أنه غالبا تتم مصادرة الأراضي لأغراضٍ عسكرية وبعدها تستخدم لبناء المستوطنات.
واستنتجت لجنة التحقيق أنه تقع على إسرائيل، إثر استمرارها باحتلال الأرض بمفعول القوّة، مسؤوليّات دولية ولا تزال مسؤولة عن انتهاك حقوق الفلسطنيين فرادةً وجماعةً.
ويذهب مؤرخون فلسطينيون وإسرائيليون إلى القول بأن إسرائيل يجب أن تكفر عن "خطيئتها الأصلية"، كالمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي، مدير المركزالأوروبي للدراسات الفلسطينية بجامعة إكستير البريطانية، ومؤلف كتاب "التطهير العرقي لفلسطين"، كما تعالت الدعوات لتعويض الفلسطينيين الذين دفعوا ثمنا باهظا لوجود إسرائيل وازدهارها.
لكن يبدو أن تلك الدعوات متخيلة، أو من قبيل الإحياء الرومانسي للنكبة، لأنها لا تمت للواقع السياسي الإسرائيلي بصلة، ففي إسرائيل اليوم حكومة تعد الأكثر يمينية وتطرفا في تاريخها، وتشكلت في ديسمبر/كانون الأول، 2022، وتتألف من وزراء يمثلون التيار الديني الحريدي، وحركة "الصهيونية الدينية" القومية، والمعروفين بمواقف وتصريحات عنصرية تجاه العرب والفلسطينيين. بل إن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، والذي يتولى أيضا مسؤولية الإشراف على المستوطنات، عرض مؤخرا أثناء كلمة له في مؤتمر بباريس "خريطة إسرائيل الكبرى"، وشملت الأردن وأجزاءا من لبنان وسوريا، منكرا وجود الفلسطينيين واعتبرهم "مجرد اختراع".
ومن الواضح أن سموتريتش ورفاقه يدعون إلى دولة يهودية خالصة ويعارضون ترسيم حدود لدولة فلسطينية ذات سيادة بجوار إسرائيل، ناهيك عن الحديث عن مصير القدس المتنازع عليها. وتعد هذه الأصوات والمواقف تصعيدا إسرائيليا رسميا، وتحولا لافتا عن إستراتيجيات روجت لها الحكومات السابقة، "لإدارة أو تقليص الصراع" من خلال تقديم حوافز اقتصادية للفلسطينيين. ومع ذلك، ينظر الفلسطينيون إلى تلك الإستراتيجيات على أنها تمويه لإخفاء وإدامة الاحتلال، بل لتجاهل القضية الفلسطينية برمتها ولكسر الحاجز النفسي مع إسرائيل في العالم العربي.