لندن: بحسب الدكتور صمويل جونسون (1709 -1784)، عندما يتيقن المرء من دنوّ أجله "يَدخل عقله في حالة تركيز مذهلة"، لكن هذا جاء في سياق تعليقه على عمليات الإعدام العلنيّة. وفي الأيام الأخيرة، أثار تطور الذكاء الاصطناعي الكثير من النقاشات التي تُنذر بنهاية حقبة الكُتّاب. ومع ذلك، إذا كانت هذه الادعاءات تشير حقا إلى حشرجة الموت في رواية الإبداع البشري، فيبدو أن الستارة لم تُسدل بعدُ على الفصل الأخير من الرواية. لم تُفض التهديدات التي تلوح في الأفق إلا إلى تأجيج إصرار الكتّاب على التشبث في الوقت الحالي بهيمنتهم على مجال الكتابة المحكوم عليه بالزوال. ومن المستبعد أن يستسلم هؤلاء الكتّاب إلى مصيرهم من دون أن يرفعوا صوتهم عاليا. وطالما لديهم القوة، فسيطلقون لعنة فرعونية قديمة على الخوارزميات نفسها التي تتعدّى على معاقلهم الإبداعية.
كانت الأمور مختلفة تماما قبل أربعة قرون عن الأيام التي نعيشها حاليا، والتي تشهد كل هذا الصخب المرافق لظهور روبوتات المحادثة مثل "بارد" (Bard). ألا يذكرنا اسم روبوت المحادثة هذا بوليام شكسبير المعروف في موطنه باللقب ذاته مع فارق بسيط يتمثل في إضافة أداة التعريف ليصبح (the Bard)، ومعناها "الشاعر"الذي - لحسن الحظ- حافظت مجموعة من أصدقائه ومعجبيه على أعماله للأجيال المقبلة وجمعتها في مؤلَّف حمل اسم المطوية الأولى أو "فيرست فوليو".
في المقابل، لاقى زهاء خمسين عملا لمعاصري شكسبير مصيرا مؤسفا، حين وقعت بين أيدي جامع مخطوطات شغوف بأعمالهم، لكنه مهمل، يُدعى جون واربورتون. ففي لحظة إهمال قبل غيابه عن منزله لمدة عام، ترك واربورتون كومة من المخطوطات الثمينة التي تعود للقرن السابع عشر في مطبخه، ليكتشف حين عودته أن طاهيته، بيتي بيكر، استخدمت أكثر من خمسين مخطوطة قيِّمة كقصاصات ورقية عند الطهي، إما لإشعال النيران أو كبطانة لأواني الفطائر. ومن سخرية القدر أن واربورتون لم يظفر بفرصة تذوّق واحدة من فطائر بيتي، والتي كلفته ضياع كنز أدبي لا يقدر بثمن.
ربما يُمكننا أن نعذر بيتي بسبب عدم إلمامها بالقراءة والكتابة. ولكن من ناحية أخرى، لا يُمكننا أن نجد عذرا للنخبة المثقفة في ذلك الوقت، التي اتخذت في كثير من الأحيان موقفا ازدرائيا تجاه الفنون المسرحية. وفي عام 1612، حذر السير توماس بودلي، مؤسس مكتبة بودليان بجامعة أوكسفورد، من جمع نصوص المسرحيات، مشيرا إليها باستخفاف على أنها لا قيمة لها.