يتمتع أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله بقدرة كبيرة على قلب الحقائق وتزوير الوقائع، يعتمد على نظرية غوبلز، ولكنه يعرف أن جمهوره حتى غير قادر على تصديق بعض ما يقول، وإنْ صدّق بعض الكلام الآخر.
في كلمته الأخيرة بذكرى مقتل القيادي في ميليشيا "حزب الله" مصطفى بدر الدين في سوريا، رد نصر الله على ما اعتبره "كذبا وظلما وخيانة وقلة أخلاق"، في إشارة إلى علاقة الحزب بتاجر المخدرات مرعي الرمثان الذي استهدفته غارة قيل إن الأردن نفذها قبل أيام في سوريا، فقتلته وعائلته ودمرت مصنعا لإنتاج الكبتاغون.
وسأل: "أصلا في كثير من المناطق لولا حزب الله هل تستطيع الدولة اللبنانية تفكيك مصانع الكبتاغون وتفكيك شبكات المخدرات؟"، مضيفا: "لا نقبل أن يلوث سلاح المقاومة الشريف بنجس المخدرات وهذا سلوكنا وموقفنا".
وللتذكير، نصر الله هو صاحب مقولة: "السلاح لحماية السلاح"، فسلاح المقاومة الشريف يقصد به نصر الله سلاح حزبه الذي اجتاح بيروت وجبل لبنان عام 2008، والذي شارك في اغتيال شخصيات وطنية ليس أولها رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، بحسب حكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وليس آخرها الوزير محمد شطح، واللواء وسام الحسن. هو نفسه السلاح الذي قتل به آلاف السوريين وحاصر مدنهم وقراهم حتى مات بعضهم جوعا.
ولهذا السلاح تاريخ حافل من الجرائم داخل حدود لبنان وخارجها، من الكويت إلى السعودية وسوريا، وغيرهم، ولكن لنتحدث اليوم عن "براءة حزب الله" من تهمة تصنيع المخدرات- وتحديدا الكبتاغون- والإتجار بها.
تجارة "حزب الله" بالمخدرات بشكل عام تعود إلى أكثر من ثلاثين عاما، عندما بدأت "إدارة مكافحة المخدرات" المسؤولة عن "مركز عمليات مكافحة الإرهاب" التابع لـ"شعبة العمليات الخاصة" (تحت مظلة وزارة العدل الأميركية) بمتابعة نشاط "حزب الله" المتعلق بالإتجار في المخدرات وتبيض الأموال والتي ينتج عنها تمويل عمليات توصف بالعمليات الإرهابية منذ نحو ثلاثين عاما، عندما أوقفت بيع شحنات تقدر بالأطنان من الكوكايين كان يجريها شركاء الحزب بالتعاون مع كارتل المخدرات الكولومبي "لا أوفيسينا دي انفغادو".
لسلاح "حزب الله" تاريخ حافل من الجرائم داخل حدود لبنان وخارجها، من الكويت إلى السعودية وسوريا، وغيرهم، ولكن لنتحدث اليوم عن "براءة حزب الله" من تهمة تصنيع المخدرات- وتحديدا الكبتاغون- والإتجار بها
وهناك عملية "كاساندرا" التي كشفت إدارة مكافحة المخدرات الأميركية عنها قبل أعوام قليلة، والتي أسفرت عن اعتقال أفراد شبكة تابعة لـ"حزب الله" تورطت في عمليات تهريب وتجارة مخدرات بملايين الدولارات بهدف تمويل عمليات إرهابية في لبنان وسوريا. وقد شاركت في العملية المذكورة أجهزة أمن من سبع دول على رأسها فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا، ليست هذه العملية إلا "واحدة من فضائح تورط حزب الله في الإتجار بالمخدرات وتبيض الأموال".
واليوم بعدما صارت الدول العربية هدفا لمخدرات "حزب الله" وتحديدا الكبتاغون، وبعد إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، تتوارد الأنباء عن نقل بعض معامل الكبتاغون من سوريا إلى لبنان، علما أن هذه "الصناعة" كانت تتركز في البداية في الأراضي اللبنانية وتحديدا على الحدود بين لبنان وسوريا، ولكن بعد سيطرة "حزب الله" والميليشيات الإيرانية على معظم الأراضي السورية وبسبب المداهمات الكثيرة في لبنان، تم نقل عملية التصنيع إلى سوريا، ومن ثم كان يصار إلى تهريب بعض الإنتاج إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعية، أبرزها معبر القلمون، ومنها إلى دول أخرى. وطبعا من يسيطر على المعابر غير الشرعية هو نفسه "حزب الله" وبعض العاملين تحت إمرته.
وكان القسم الأكبر من الكبتاغون يتم تهريبه من سوريا بشاحنات معدة للتصدير إلى الأردن ودول الخليج، وخصوصا بعد كشف عدة عمليات تهريب من لبنان إلى دول الخليج مما انعكس سلباً على لبنان.
وقبل عامين أعلنت المملكة العربية السعودية إحباط محاولة لتهريب مليونين و466 ألف قرص مخدر كانت مخبأة داخل شحنة رمان آتية من لبنان، واتخذت السعودية على أثر ذلك قراراً بمنع دخول الخضراوات والفواكه اللبنانية إلى البلاد أو العبور من أراضيها.
ونتج عن ذلك خسائر هائلة دفع ثمنها اللبنانيون ولبنان، مما أضاف إلى الوضع الاقتصادي والمالي الذي يعيشه اللبنانيون مشكلات وصعوبات جديدة، ورغم ذلك لم يوقف "حزب الله" تصنيع حبوب الكبتاغون ولا تهريبها، حتى إن بعض الأخبار تشير إلى مضاعفة المزارعين الذين يتعاملون مع حزب الله لحجم زراعة الخروب، المستخدم لتغليف حبة الكبتاغون.
والمثير للسخرية أن معامل إنتاج الكبتاغون في سوريا معروفة للجميع، من دير الزور إلى القصير وما بينهما. ومعروف من يديرها وكيف تتم عملية جلب المعدات والمواد الأولية والتصنيع، فحتى الموالون لإيران والنظام السوري يعلمون ويتحدثون عن الأمر، كما أن طرق التهريب معلومة من حدود العراق أو الأردن أو لبنان أو حتى تركيا، وإن كان وقف إنتاج وتهريب الكبتاغون اليوم صار الهاجس الأكبر لكثير من الدول المتضررة من شرور هذه السموم، إلا أن المؤكد أن من يكسب مليارات الدولارات من هذه التجارة لن يوقفها وإن غير بعض التكتيكات في طريقة تهريبها أو وجهتها، أو ضحى ببعض التجار والمهربين، مهما كانوا كبارا، إلا أنهم يبقون صغارا بالنسبة لحجم هذه التجارة وقابلين للاستبدال في أي لحظة.
المثير للسخرية أن معامل إنتاج الكبتاغون في سوريا معروفة للجميع، من دير الزور إلى القصير وما بينهما. ومعروف من يديرها وكيف تتم عملية جلب المعدات والمواد الأولية والتصنيع
وفي النهاية، لا بد من ذكر أن من ألقى حسن نصر الله كلمة في ذكرى مقتله، وهو مصطفى بدر الدين، هو نفسه الذي شارك في تنفيذ هجمات ضد سفارتي الولايات المتحدة وفرنسا والمطار في الكويت، واعتقل عام 1983 وحكم عليه بالإعدام عام 1984، وظل معتقلا إلى حدود عام 1990 عندما فر من السجن، بعد غزو العراق للكويت، وشارك كذلك في تنفيذ عدة اغتيالات ضد قيادات سياسية وأمنية في لبنان منها الرئيس رفيق الحريري، وبالتالي لا عجب أن يتاجر في الكبتاغون... لكن حسن نصر الله يرى في هذه الشخصية "مناضلا" يستحق أن يُحتفل في ذكراه ويطلق عليه لقب "شهيد".
ما يدعيه نصر الله وقادة حزبه لم يعد ينطلي على الغالبية العظمى من الناس، فالجريمة المنظمة لا يمكن أن تسمى "مقاومة"، وأول من يدفع ثمن هذه الجرائم هم أبناء الطائفة الشيعية أنفسهم، عدا القلة المستفيدة والمشاركة مع الحزب في ارتكاب هذا الكم من الجرائم.