كل حرب تفرز مشكلة لاجئين على هامشها. ولأن الحرب تجلب القتل والدمار، فإن من حق البشر الهروب من الموت، والنجاة بأرواحهم وأرواح أولادهم، والعودة إلى ديارهم بعد انتهائها. لكن في حرب العام 1948 التي أسست "دولة إسرائيل"، لم يكن اللاجئون عارضاً هامشياً للحرب. لقد استهدفت الحرب اقتلاع الفلسطينيين وتحويلهم إلى لاجئين، ودون ذلك لم يكن تأسيس "دولة إسرائيل" ممكنا. فعندما انتهت الحرب منعت إسرائيل اللاجئين من العودة، رغم القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة والقاضي بعودتهم إلى ديارهم.
اختفاء وطن
خلق الطرد الإسرائيلي للفلسطينيين واقعاً كان مستحيلاً بالنسبة لهم، فقد باتوا من دون وطنهم، بين ليلة وضحاها، وتحول هذا الوطن على الخريطة السياسية إلى "دولة إسرائيل"، وما تبقى من الوطن، الضفة الغربية، ضمته الأردن، وقطاع غزة خضع للإدارة المصرية. لقد أصبح الفلسطينيون لاجئين في دول الجوار وفي وطنهم أيضاً، ينتمون إلى مكان اختفى من الخريطة السياسية، وهو ما طرح عليهم أسئلة الوجود والهوية الحادة في شروطهم المعقدة، هل هم أفراد مشتتون؟ هل يشكلون جماعة وطنية؟ ما الذي يجمع بينهم بعد أن فقدوا وعاءهم الجغرافي؟ هل هناك جامع حقيقي بينهم؟ هل يملكون هوية وطنية رغم خسارتهم لوطنهم؟ هل يملكون ثقافة مشتركة؟
اختصرت تجربة اللجوء حياة الفلسطينيين الحديثة، فقد عاشوا المنفى على مستويين مندمجين، كمنفى جماعي، ومنفى فردي. فكان الانقطاع استمراراً للعلاقة مع الوطن، فلا هو يعيش هناك، ولا يكف عن الانتماء إلى هناك في الوقت ذاته، ما تُرك هناك سيستعاد يوماً، وهذا هو الحلم الفلسطيني الذي اقتات الفلسطينيون عليه، رغم كل النكبات التي تعرضوا لها في تاريخهم الحديث.
طوال العقود المنصرمة، عاش الفلسطيني في دول الجوار بما يذكره بعدم انتمائه إلى المكان، ما شكل أحد الأسباب التي جعلته غير قادر على الانسجام مع المحيط الجديد. وعمل الضغط الخارجي من الدول المضيفة بعدم الرغبة به، كعامل إضافي لإنتاج "المخيم" الفلسطيني والحفاظ على استمراره بأشكال مختلفة.