مفاجآت جيرمي البريطاني تفضح دور الأمم المتحدة في حرب العراق

مفاجآت جيرمي البريطاني تفضح دور الأمم المتحدة في حرب العراق

[escenic_image id="5512637"]

منذ أن قرر رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون فتح ملف تحقيقات العراق والسؤال الضمني الذي يطرح نفسه وراء تقييم الشهود هو كيف وصلت بريطانيا  إلى العراق؟ فما تزال طريقة تورط بريطانيا في الحرب علي  العراق سؤالًا ينتظر الإجابة عنه منذ سبع سنوات .

من القضايا المثيرة للجدل حول هذه المسألة العلاقة الوثيقة لبريطانيا مع الولايات المتحدة، واستخدام ذريعة وجود أسلحة دمار شامل في العراق كمبرر للغزو. وبينما كانت جلسات الاستماع العامة تقوم بالتحقيق في هذه الموضوعات على نطاق واسع خلال الأسابيع الأربعة الأولى من بدء الجلسات، قام الشهود الذين تم الاستعانة بهم في التحقيقات والبالغ عددهم  38 بالكشف عن قضايا مهمة أخرى لم تلق اهتمامًا  كبيرًا من قبل وسائل الإعلام ولكنها كانت بنفس القدر من الأهمية لمسألة تورط بريطانيا والولايات المتحدة في  الحرب على العراق.

وكان دور الأمم المتحدة في الحرب على العراق من بين النتائج الأخيرة التي كشفت عنها التحقيقات، حيث اتضحت المواقف المتناقضة التي اتخذتها الأمم المتحدة ـ بوصفها منظمة دولية تهدف إلى تمثيل جبهة موحدة من القيم العالميةـ وكمنظمة منقسمة على طول خطوط التصدع السياسي بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن. وألمحت لجنة التحقيقات إلى وجود اختلافات مهمة بين انتداب الأمم المتحدة والواقع وراء هيكلها الهرمي؛ وكشفت التحقيقات أيضًا عن  نقاط ضعف مهمة في التعاون الدولي، الذي يفترض أن يكون وراء قوة المنظمة وسلطتها الشرعية.

و خلال إحدى الجلسات الأولى من التحقيقات، طُلب من السير جيريمي جرينستوك، سفير بريطانيا لدى الأمم المتحدة في الفترة ما بين 1998-2003، بناء صورة عن تطورات سياسة الأمم المتحدة تجاه العراق قبل الغزو فأشار إلى وجود طائفة من الآراء بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن التابع  للأمم المتحدة كانت تعارض الكيفية التي تتعامل بها الأمم المتحدة مع أزمة  العراق.

والأهم من ذلك، أنه أكد أن "الأعضاء الخمسة الدائمين بمجلس الأمن ليسوا هيئة واحدة، بمعني آخر أنهم لا يتصرفون كهيكل واحد، أي أنهم لا يلتقون ولا يجتمعون. وبالنسبة للعراق، أصبحوا فا علين بشكل تدريجي. فمجلس الأمن الذي يضم 15 عضوًا، لا يستطيع أن يعمل إذا كان الأعضاء الدائمون به منقسمين". ونتيجة لذلك، أشار جيريمي إلى أن موقف مجلس الأمن بشأن العراق تميز بوجود سلسلة من العلاقات الهندسية بين الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن. وأضاف أن الولايات المتحدة كانت عند أحد طرفي النقيض حيث اعتبرت العراق تهديدًا ورأت أن الأمم المتحدة غير قادرة على التعامل مع هذا التهديد".

وقد علم الشعب البريطاني من جلسة الاستماع هذه، أن  بريطانيا كان لها  نهج مختلف عن الولايات المتحدة، بالرغم من أنها تعاطفت مع وجهة نظر واشنطن بأن العراق كان يشكل تهديدًا وأن الأمم المتحدة لها قدرة محدودة في التخفيف من هذا التهديد. ومع ذلك ، رأى السير جرينستوك، أن الولايات المتحدة وبريطانيا اختلفتا في الرأي. حيث رأت بريطانيا أن التحرك ضد العراق يجب أن يكون جماعيًا وبشكل لا لبس فيه وأن هذا التحرك يجب أن يكون مبنيًا على  قرارات مجلس الأمن، وأن هذه القرارات يجب أن تتجنب، بقدر المستطاع استخدام القوة، ولكنها أيضًا يجب أن تكون فعالة، بما يجعلها تزيل أي تهديد داخلي يمكن أن يشكله  صدام حسين ونظامه على المصالح الحيوية البريطانية، وتزيل بشكل جماعي أي تحدٍ عراقي لقرارات الأمم المتحدة.

وكما أوضح السير جرينستوك، فإن "أسباب اتخاذ بريطانيا قرار التحرك ضد العراق كان فقط على أساس قرارات الأمم المتحدة. أما الولايات المتحدة فقد ذكرت في تفسيراتها لسياستها العامة خلال هذه الفترة أن هناك أسبابًا تتجاوز قرارات الأمم المتحدة تتعلق برغبتها في التعامل مع التهديد الذي يشكله العراق وتغيير نظام صدام حسين. وبينما انهارت احتمالات الحل الدبلوماسي، انجرفت بريطانيا وراء أمريكا، التي كانت تنادي بخوض الحرب، لأن رئيس الوزراء البريطاني كان قد قطع على نفسه التزامًا بخوض الحرب مع الولايات المتحدة ضد العراق إذا اضطروا لذلك.

ولكن هل يجيب هذا عن السؤال الضمني الخاص بكيفية وصول بريطانيا إلى العراق؟ بالرغم من أن تفسيرات السير جرينستوك تغطي الاختلافات بين القوات الأمريكية والبريطانية فيما يتعلق بنهجهما تجاه العراق، خاصة فيما يتعلق بمدى استعداد كل منهما للجوء إلى الدبلوماسية، إلا أنه لا يزال هناك شيء يحتاج لتفسير وهو أن معظم اللوم ينصب على إدارة الرئيس جورج بوش أو على الأقل استعداد تلك الإدارة للتعامل مع العراق بشكل أحادي.

هذه التفسيرات تقدم، بلا شك، للمهتمين بتقييم قرار غزو العراق بشكل أمين، سواء كان القرار من القوات البريطانية أو الأمريكية ، أو من منظور دولي "رؤية مهمة تكشف مدى التأثير الذي يمكن أن تتمتع به دولة قوية على السياسات الدولية. لكن هذه التفسيرات لا تكفي وحدها، وتؤدي لطرح سؤال إلى أي درجة كانت الأمم المتحدة أو المجتمع الدولي بشكل عام  على خطأ في عدم تدخلهم لمنع الولايات المتحدة من التنمر على الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن بفعالية لاتباع جدول الأجندة الأمريكية أو مواجهة خطر الاستبعاد.

ومن المثير للاهتمام، أن جرينستوك قال في بيانه الختامي: إنه بالرغم من كون الأمم المتحدة مكانًا مسئولًا، فإن لديها مشكلة في التعامل مع الانقسامات بين القوى الكبرى. فالأمم المتحدة هي منتدى للدول الأعضاء بها، أي أنها ليست وكالة مستقلة للتعامل مع شيء ما، وليس هناك شك في أن الأمم المتحدة، على مدى 12 عامًا، فشلت في التعامل مع الخطر الذي يمثله نظام صدام حسين ".

اعتراف جرينستوك بالدور الذي لعبته جوانب الخلل في هيكل الأمم المتحدة في غزو العراق، يعتبر دليلًا واقعيًا يوضح أن سلوك الدولة يحدد وفقًا لمصلحتها، وليس وفقًا لمصلحة المجتمع الدولي. وبالنسبة للبعض، فإن هذا التقييم ربما يمثل واقعًا مؤسفًا بالنسبة لقدرة الأمم المتحدة في الدفاع عن المثل العليا التي تمثلها. فعلى الرغم من أن نوايا الأمم المتحدة تجاه العراق كانت بالتأكيد إيجابية،فإن غزو العراق يعتبر دليلًا على أن المنظمة ليست أكثر من صورة مصغرة للهرم السياسي نفسه الذي يملي العلاقات الدولية. وبالنسبة لأولئك الذين يرغبون في تعلم درس مهم في الدبلوماسية من التحقيقات التي أجريت عن غزو العراق، فإنهم سيواجهون مجموعة جديدة ومعقدة من الأسئلة والتي من بينها: هل يمكننا إصلاح الأمم المتحدة، وإذا استطعنا، فهل سيُحدث هذا تغييرًا؟

font change